المصالحة في الجزائر: هل، ولماذا؟

د. ناصر ناصر

كاتب وباحث سياسي

طالما كانت الجزائر سنداً ودعماً للقضية الفلسطينية عموماً، ولقضية المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال خصوصا، وقد جاءت مبادرتها للمصالحة الفلسطينية استكمالاً لهذا الموقف التاريخي، وتأكيداً بأن دعم القضية الفلسطينية يتم عبر تعزيز وحدة وصمود الشعب الفلسطيني، لا من خلال التطبيع المهين مع دولة الاحتلال الظالمة، وبهذا وضعت الجزائر نفسها في عداد القيادة التاريخية التي تمثل مصالح شعوب العرب والمسلمين في المنطقة، وذلك بالتوازي وفي مقابل قيادة عربية طارئة في مواقفها وأفكارها السياسية ممن انخرطت في عملية التطبيع الشاذة عن المصالح الحقيقة للأمة العربية والإسلامية، وفي المقابل فإن قضية المصالحة الفلسطينية وتطبيقاتها قد تعرضت لتعقيدات وحسابات أجنبية، بفضل من يقدّسون الدعم الأجنبي لا الشعبي من قيادات الشعب الفلسطيني؛ حسابات تتجاوز النوايا والمصالح الجزائرية الحسنة، فهل ولماذا محاولة المصالحة في الجزائر؟  

لقد كان من الذكاء والحكمة السياسية لقيادة تيار المصالحة الحقيقي والذي تمثله بالدرجة الرئيسية حماس، الاستجابة بصورة إيجابية للدعوة الجزائرية للمصالحة، على الرغم من الترجيحات التي قد تصل لدرجة القناعات بأن القيادة الرسمية للشعب الفلسطيني الممثلة بأبي مازن وحسين الشيخ، لن تلتزم بأي اتفاق فيه الحد الأدنى من احترام وتقدير الوطنية والديمقراطية الفلسطينية؛ وهذا ما أظهرته التجربة السابقة وهذا ما ستؤكده التجربة الجزائرية على الأرجح، فأين هي الحكمة إذن من محاولة المصالحة؟  

تبدو الحكمة من المحاولة الجدية للمصالحة في الجزائر في 5 أمور:

أمّا الأمر الأول فهو المعذرة: قالوا لم تعظون أو تصالحون أو تحاولون مع فئة جربناها ولم تلتزم أبدا؛ فنتائجها معروفة سلفا، قالوا معذرة لله وللتاريخ وللجزائر الشقيقة، أما شعبنا الفلسطيني فيبدو بأنه ليس بحاجة إلى هذه المعذرة، فهو يعلم الصالح من الطالح، ويعلم من يدفع الأثمان ومن يقبضها.  

ثانياً إن تيار المصالحة الحقيقي لا يمتلك أن يقول لا لأي محاولة مصالحة بدوافع مبدئية وأخلاقية أولا، ثم بدوافع المصلحة الوطنية العامة كما تراها -وبصدق قيادة هذا التيار ثانيا.  

أما الأمر الثالث فعدم التزام فئة أبو مازن ببنود إعلان الجزائر والذي أكد الاتفاقات الفلسطينية السابقة كما يُتوقع، بل كما يعتقد جمهور واسع جداً من الفلسطينيين سيكون دليلاً إضافياً قوياً سيعزز من قوة ملف رفض أبو مازن لمصلحة الشعب الفلسطيني في الوحدة أمام محكمة التاريخ الحاسمة وليخطئ بعد ذلك من أخطأ عن بينة ويصدق من صدق عن بينة أيضاً.

رابعا، من الحكمة أيضا محاولة المصالحة رغم ترجيح الحكم بعدم تطبيق بنودها، لأن استجابة حماس ستعزز من علاقتها بالجزائر؛ فهي بأمس الحاجة لاختراق إيجابي للنظام العربي الرسمي، الذي تحاول دول مركزية فيه مقاطعة حماس أو حصارها أو إخضاعها لاشتراطات غربية، بسبب مواقفها الوطنية تجاه الاحتلال.

خامسا، من المرجح ألا يخسر تيار المصالحة والوحدة الوطنية الحقيقي شيئاً يذكر، وفي المقابل لن يربح تيار الالتفات والتلاعب بموضوع المصالحة الممثل بالقيادة الرسمية للشعب الفلسطيني أمراً ذا بال، فشرعيته وفي ظل موقف الشعب الفلسطيني الرافض له ما زالت ضعيفة، ولم تتأثر حتى بعد الجزائر؛ وذلك كما ظهر واضحا من تفاعل الفلسطينيين مع أحداث وتطورات مصالحة الجزائر.

وهكذا يمكن القول بأن تيار المصالحة خرج قوياً، وتيار الالتفاف والتلاعب خرج أكثر ضعفاً وربحت الجزائر، أما الميدان المقاوم في فلسطين فصعّد من مقاومته ولم يعبأ بالمتلاعبين والمثبطين.  

أخيراً، من المرجح أن تبقى المصالحة الفلسطينية في الجزائر لمدة طويلة جداً، ولا يبدو أنها ستتجاوز حدودها الجغرافية؛ وهذا ما ظهر من تفاعل الشعب الفلسطيني جميعاً، وخصوصا ممن يعرفون قادة السلطة جيداً، فقد ركز هؤلاء على المهم والجوهري في واقعهم، وهو دعم ومساندة عرين الأسود في نابلس وفي جنين وشعفاط والقدس، وسائر المقاومين في الضفة الملتهبة ضد طغيان الاحتلال الإسرائيلي الغاشم.

14-10-2022  



جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023