حقيقة التوصل إلى اتفاق بين تحالف الحرية والتغيير مع المكون العسكري ينهي الأزمة السودانية؟
يعاني السودان من اختناق سياسي جراء غياب الحكومة التنفيذية لقرابة العام، وتراجع اقتصادي يتجلى في ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة العملة الوطنية.
ومنذ نهاية الأسبوع الماضي، سرت أنباء عن إحراز أطراف الأزمة السودانية الرئيسة (المكون العسكري، وقوى الحرية والتغيير- مجموعة المجلس المركزي) اتفاقا من شأنه إنهاء الأزمة الناجمة عن استيلاء الجيش على السلطة يوم 25 أكتوبر 2021.
وفي أول تصريح علني عن العملية السياسية الجارية، قال رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في خطاب جماهيري إن القوى السياسية في السودان قدمت تنازلات، وهي محل ترحيب بالنسبة إليهم، مؤكدا نيتهم السير في أي مبادرة من شأنها إخراج السودان إلى بر الأمان.
ودّعم هذا الاتجاه بيان صادر عن تحالف الحرية والتغيير (الحاضنة السياسية للحكومة المعزولة)، يكشف فيه عن اتصالات غير مباشرة بين الطرفين، نتج عن إعلان العسكريين قبولهم مشروع مسودة الدستور الانتقالي الذي طرحته اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين، والذي وجد ترحيبا دوليا ومحليا، مع إبداء بعض التحفظات بشأن عدد من بنوده.
أبرز ملامح العملية السياسية المزمعة؟
قالت مصادر داخل قوى الحرية والتغيير- مجموعة المجلس المركزي: أنها تلقت اتصالات غير مباشرة من المكون العسكري انتهت بتوافقات تتماشى مع مطالب الشارع، بخروج العسكر من العملية السياسية، وتشكيل سلطة مدنية وحكومة كفاءات غير حزبية، وتعيين رئيس وزراء مدني، ضمن سلطاته مسؤوليات وزارة الداخلية وقوات الشرطة والأمن وقيادة مجلس الأمن والدفاع، ومن ضمن البنود التي تم التوافق عليها كذلك عودة لجنة تفكيك نظام 30 يونيو/حزيران 1989 عقب نقاشات وتقييم لعمل اللجنة المُجمدة.
ما مواقف بقية القوى السياسية في تحالف الحرية والتغيير من العملية السياسية؟
أظهر حزب البعث العربي الاشتراكي، أحد مكونات تحالف الحرية والتغيير، اعتراضات على ما يصفها بالتسوية السياسية الجارية، حيث قال القيادي بالحزب معتصم الزاكي دونتاي، إن البعث ظل مناهضا لكافة الاتفاقات الساعية لإجهاض حراك الجماهير المطالب بإزاحة العسكر واستعادة الحكم المدني، وكشف عن انخراطهم في حوارات مع رفاقهم في التحالف لتجنيبهم الوقوع في فخ التسوية، بتقديمهم يد العون للسلطة القريبة من مرحلة السقوط، بعد عام من الاحتجاجات والضغوط الدولية المتواصلة.
وأيضاً من جهته قال مني أركو مناول حاكم إقليم دارفور رئيس حركة جيش تحرير السودان، أحد مكونات مجموعة التوافق الوطني بقوى الحرية والتغيير، في تغريدة على حسابه بتويتر إن العملية الجارية بين العسكريين ومجموعة المجلس المركزي هي عودة للشراكة الثنائية لما كانت عليه الحال قبل 25 أكتوبر 2021.
وكذلك بدوره، نفى القيادي بتحالف الحرية والتغيير جمعة الوكيل أن يكونوا جزءا من عملية التسوية التي يجري الحديث عنها في وسائل الإعلام، وقال إن التوافقات ذات طابع ثنائي أو إقصائي بين المكون العسكري ومجموعة المجلس المركزي، مشددا على أن حل الأزمة يكمن في توسيع دائرة المشاركة التي تشمل كافة القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني ولجان المقاومة السودانية.
ومن جانبه، أعلن القيادي بتجمع المهنيين السودانيين "الوليد علي" أنهم غير معنيين بالتسوية بين الحرية والتغيير والعسكريين، وقال إن التجمع يتبنى خطا ثوريا يستهدف إزاحة السلطة القائمة بحراك جماهيري ومواثيق سياسية معلنة لا يتم إبرامها داخل الغرف المغلقة.
بالإضافة إلى إعلان مبادرة نداء أهل السودان، التي يرعاها شيخ الدين المتصوف الطيب الجد وتحظى بمباركة أحزاب كانت شريكة لنظام المعزول البشير، بيانا ترفض فيه التسوية السياسية المطروحة.
هل المحادثات السياسية الجارية قادرة على إحداث اتفاق سياسي؟
من وجهة نظري إن المحادثات السياسية الجارية لا تستطيع إحداث اختراق في المشهد السياسي الحالي وذلك لعدة اعتبارات نذكر منها: -
أولاً: إن تصريح رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في خطابه الجماهيري إن القوى السياسية في السودان قدمت تنازلات، وهي محل ترحيب بالنسبة إليهم، تتناقض مع تصريحات وتسريبات مجموعة المجلس المركزي بتحالف الحرية والتغيير التي قالت فيها أنها تلقت اتصالات غير مباشرة من المكون العسكري انتهت بتوافقات تتماشى مع مطالب الشارع، بخروج العسكر من العملية السياسية، وتشكيل سلطة مدنية وحكومة كفاءات غير حزبية، وتعيين رئيس وزراء مدني، ضمن سلطاته مسؤوليات وزارة الداخلية وقوات الشرطة والأمن وقيادة مجلس الأمن والدفاع، وكذلك عودة تفعيل لجنة تفكيك نظام 30 يونيو 1989.
ثانياً: كما بينا سابقا عدم وجود اتفاق داخل تحالف الحرية والتغيير على العملية السياسية الحالية ويعتبرها عدد كبير من أحزاب التحالف على أنها اتفاق ثنائي بين المجلس المركزي والعسكريين، وأنهم سيعارضون الاتفاق، على رأسها لجان المقاومة وبعض الأحزاب السياسية الرافعة لشعارات "لا تفاوض، لا شرعية، لا شراكة" كونها تعتقد أن الاتفاق يمهد لإفلات قتلة المتظاهرين من العقاب، ويعيد إنتاج أزمة تحكم قوى سياسية بالسلطة على حساب بقية المكونات.
ثالثاً: رفض الإسلاميين أصحاب مبادرة نداء أهل السودان الذين يخشون تأثير الضغوط الخارجية الهادفة لإزاحتهم من المشهد، ولاحقاً وضعهم في قوائم الجماعات المحظورة.
رابعاً: انشغال القوى الدولية والاقليمية بالأحداث والمتغيرات العالمية "السياسية والاقتصادية" عن الاهتمام بقضايا السودان، مما يتيح للعسكريين البقاء في الحكم.