استشهاد تامر الكيلاني .. قراءة في الموقف والتقدير

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

استشهاد تامر الكيلاني 

قراءة في الموقف والتقدير 

أولاً: الموقف: 

قام العدو الإسرائيلي باستهداف الناشط في مجموعة " عرين الأسود " تامر الكيلاني فجر الأحد 23 10 2022 الساعة 0130، عبر تفخيخ دراجة نارية وضعت في مسار تحرك الشهيد، حيث تشير الأفلام التصويرية التي بثت عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن شخصاً غير معروف الهوية قام بإيقاف تلك الدراجة النارية، ثم توارى عن الأنظار، ليتم بعد ذلك تشغيل العبوة الناسفة المزروعة في وسيلة النقل تلك أثناء تحرك الشهيد في محيطها، ليرتقي هذا المقاوم شهيداً مضرجاً بدمائه. 

ثانياً: التحليل: 

تشير المعلومات والمعطيات التي تم نشرها بعد استشهاد " تامر الكيلاني " إلى أن من الأمور التي دفعت العدو لاختيار هذا الأسلوب في استهداف هذا الشهيد، أنه لم يكن يستخدم وسائل الاتصال والتواصل الذكية، كما أنه لم يكن يستخدم وسائل النقل في تحركه في منطقة نشاطه، كما أشارت أكثر من وسيلة أخبار معادية إلى أن الهدف كان من النشطاء الرئيسيين في مجموعة " عرين الأسود" وقلما كان يغيب عن المواجهات التي تدور مع العدو، وأنه يقف خلف كثير من عمليات إطلاق النار على العدو،  وهو من أدار عملية توجه أحد النشطاء الذين دخلوا إلى الداخل المحتل لتنفيذ عملية فدائية، إلا أنه ـ الشخص المُرسل ـ لم يصل إلى هدفه واستشهد قبل تنفيذ المهمة التي كانت موكلة له. تحليل هذه المعطيات وهذا الموقف يوصل إلى مجموعة الحقائق التالية: 

  1. بداية رسم الشكل: إن أول ما يمكن أن يستشف من مثل هذا العمل؛ أن العدو قد بدأ في رسم شكل هذه الظاهرة المقاومة، وأنه بدأ يفهم نمط سلوكها، ويقرأ في كتابها. 
  2. بداية تحديد مركز الثقل البشري: كما أن استهداف الشهيد تامر ثم توصيفه (قائد في العرين) في أكثر من تقرير معلوماتي ونص خبري يعني أن العدو بدأ في تحديد مراكز الثقل البشرية في هذه الظاهرة؛ وعليه سيقوم العدو بتركيز جهوده وتخصيص قدراته لتحييدها. 
  3. السيطرة على ميدان العمل: سيطرة العدو على بيئة ومنطقة العمليات، بحيث استطاع أن يُدخل وسيلة القتل، وأن يضعها في المكان المحدد، ثم سحب العميل بشكل آمن دون أن يلفت الانتباه أو يثير الشكوك. 
  4. تغيير في نمط العمليات وفكرة مناورة العدو: إدخال طريقة عمل جديدة ضمن طرق عمل العدو ضد المقاومين في الضفة ونجاحها بهذا الشكل في تحييد كادر مهم من كوادر المقاومة؛ يعني إمكانية نقل هذا الشكل من الأعمال إلى مناطق أخرى من مناطق الضفة الغربية التي يصعب على العدو التحرك فيها أو أنه يخشى تعرضه لخسائر، أو أن يفعّل فيها قدراته بالشكل الذي تمرس عليه وخبره المقاومون.
  5. تفعيل مصادر العدو العملياتية: يقسم العدو مصادره (اقرأ عملائه) في المناطق إلى أقسام بناء على المهام المناطة بهم؛ فمنهم من هو متخصص في جمع المعلومات، أو تأمين الإسناد للعملاء الميدانيين؛ من منازل ووسائل نقل أو وسائط اتصالات، ومنهم من هو مخصص لتنفيذ العمليات الساخنة مثل الاغتيال والتصفية أو الجرح أو (التأديب) الخشن، لذلك تشير هذه العملية إلى أن العدو قد شغّل مصادره العملياتية المفوضة إجراء العمليات وغلق الملفات. 


ثالثاً: التقدير:

وعليه وبناء على تلك المعطيات وهذا التحليل؛ يمكن تقدير الموقف على النحو الآتي: 

  1. اعتماد عمليات التحييد القريب كنمط عمل: تشير هذه العملية ونجاحها في تحقيق أهدافها دون أية خسائر في العدو إلى أنه سوف يفعّل هذا الخيار العملياتي في الأيام القادمة، وأنه سيحاول نقل هذا الإجراء إلى أماكن أخرى من الضفة. 
  2. تنشيط جهود الاستخبارات البشرية: إن مثل هذا النمط من العمليات يفرض على العدو تشغيل وتفعيل شبكة عملائه بمختلف توصيفاتهم ـ معلومات، عمليات، إسناد ـ من أجل تحقيق أفضل النتائج؛ بأسرع الأوقات وأقل الأكلاف. 
  3. تغيير بيئة العمل لتتوافق مع مثل هذا النمط من العمليات: إن مثل هذا الشكل من العمليات يفرض على العدو اختيار بيئات العمل المناسبة لها، لذلك فإن العدو سوف يحاول فرض مناطق عمليات على المقاومين ينجح فيها مثل هذا الشكل من العمليات ـ ممرات إجبارية، نقاط تجمع حصرية، نقاط إيواء حضرية (شقق) أو برية (مغاور أو كهوف)، ثم جر المقاومين وفرض منطقة العمليات عليهم، في ظروف هي له أفضل، ولهم أسوأ.  

رابعاً: التوصيات: 

أمام هذا الموقف المستجد على المقاومة في الضفة الغربية أن تراعي التالي: 

  1. تفعيل دور المعلومات: في شقيها، الهجومي؛ بحيث ترصد على العدو أنفاسه، والدفاعي بحيث لا تغفل عن بيئة عملها الداخلية، فيعبث فيها العدو ويحيلها إلى ساحة عمل وفخ ناجح يصطاد فيه المجاهدين والمقاومين. 
  2. خفض البصمات الالكترونية للأفراد والأعمال: إن من الأمور التي تساعد في نجاح فعل العدو وفق هذا النمط من العمليات وجود بصمة الكترونية يستطيع من خلالها تتبع الهدف والسيطرة عليه، ليصطاده، متى؟ وأين؟ وكيف شاء؟ لذلك يجب العمل على خفض هذه البصمة وصولاً للاختفاء والمحو. 
  3. رفع منسوب الحساسية الأمنية الوقائية: كما يجب على المقاومين رفع منسوب الحذر الأمني الوقائي، بحيث لا يعطوا لعدوهم أية فرصة، يغفلون فيها عن أسلحتهم، فيميل عليهم ميلة واحدة فيستأصل شأفتهم. 

       والله خيرٌ حافظاً وهو أرحمن الراحمين. 


عبد الله أمين 

25 10 2022



جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023