المقاومة من مربع ردّ الفعل إلى مربع الفعل … قراءة في الموقف والمتطلبات

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

المقاومة من مربع ردّ الفعل إلى مربع الفعل

قراءة في الموقف والمتطلبات



أولاً: الموقف: 

يرى المراقب عن كثب لتطورات العمل المقاوم في الضفة الغربية أن فصائل المقاومة هناك ـ كبيرها قبل الصغير ـ قد وُضعت في مربع رد الفعل على ما يقوم به العدو من نشاطات وأفعال، الأمر الذي كبّد، ويكبد، وسيبقى يكبد المقاومة كثيراً من الخسائر البشرية والمادية، ولن يمكّنها من القيام بمراكمة قدرات تساعدها على تحقيق أصل الهدف من مقاومتها في هذه الفترة الزمانية والمتمثل في فرض حالة من عدم الاستقرار على العدو وبقائه مستنفراً، وكذلك إلحاق الخسائر البشرية والمادية فيه وفي مستوطنيه. الأمر الذي يتطلب تغير المقاربة الحالية التي يرتكز عليها الفعل المقاوم قبل أن يستفحل الخطر ويصل الموقف إلى مستوى من الخطورة؛ يُخشى على المقاومة فيه من أن تُستأصل شأفتها، وتفقد حاضنتها. لذلك جاءت هذه الورقة للحديث حول هذه المقاربة التي تخرج المقاومة من مربع رد الفعل إلى مربع الفعل، وهو موضوع سنتحدث فيه بناءً على سلسلة العناوين التالية التي تتضمن تعريفاً بأهداف العدو من إبقاء زخم نشاطاته على ما هو عليه، ومن ثم سنتحدث عن متطلبات الخروج من هذا المربع المشؤوم، ونختم بمجموعة من التوصيات.  

ثانياً: أهداف العدو: 

  1. ضرب ( تنظيم ) المقاومة و خلخلة صفوفها: يخطئ البعض عندما يتصور أن الهدف الوحيد لأي قائد عسكري أو أمني من شنه ضربة استباقية على عدوه إنما ينحصر في تكبيد هذا العدو خسائر بشرية ومادية في صفوفه تُجبره ـ المضروب ـ على وقف التطلع للمبادرة بأي عمل عدائي مستقبلي، فإذا كان هذا التصور صحيحاً ـ وهو صحيح ـ؛ فإن ما هو أهم من الهدف المشار اليه؛ ما يريده القائد من ضرب التنظيم القتالي للعدو وخلخلة صفوفه، فأي تشكيل قتالي وبغض النظر عن حجمه واستعداده إنما يقوم على شكل تنظيم قتالي معين، وإيقاع أية خسائر في هذا التشكيل يعني حدوث حالة من البلبلة والفوضى التي تجبر القادة والمسؤولين على التريث وتأجيل الأعمال إلى حين إعادة التنظيم القتالي إلى سابق عهده، مما يعني تأخر خروج التهديد إلى حيز التنفيذ؛ وهذا أمرٌ مطلوب بذاته للقائد المبادر بالضربة الأولى.  
  2. إفقاد المقاومة برود الرأس المطلوب للتفكير المنظم: إلّا أن ما هو أخطر من ضرب التنظيم هو إفقاد المقاومة برود الرأس والهدوء المطلوب من أجل استيعاب الموقف وامتصاص أثره والتعامل مع نتائجه، ثم التخطيط للعمل المناسب الذي يعيد الموقف إلى ما كان عليه قبل الضربة، استعداداً لعمل عكسي يثبت للعدو أن ما قام به من فعل وما جناه من نتائج لم يؤثر سلباً على عزيمة و إرادة قدرات المقاومة كما كان يريد، والتفكير المنظم المطلوب في مثل هذه المواقف لا يتأتى إلّا من رؤوس باردة لا تفكر في شخصنة الأعمال، وتفكر في مآلات المواقف النهائية، وهنا يصدق المثل القائل: من يضحك أخيراً يضحك كثيراً، كما يفيد في مثل هذا الموقف تذكر الحكمة القائلة أن الثأر والانتقام طبقٌ يؤكل بارداً ! 
  3. الحاق خسائر بشرية ومادية في المقاومة واستنزاف قدراتها: كما أن العدو يهدف من شنه العمليات الاستباقية الحاق خسائر بشرية ومادية في صفوف المقاومة، وهذا هدفٌ يلاحقه العدو في كل خروج لعمل تعبوي؛ بغض النظر أكان الغرض اعتقالاً أو قتلاً، فالفلسطيني الجيد في نظر هذا العدو هو الفلسطيني الميت! لذلك يجب أن نحرص على ألا نموت قبل أن نُميت، ولا نُقتل قبل أن نَقتل. 
  4. إبقاء المقاومة في حالة استنفار واستنزاف: وإدامة العدو لزخم عملياته بالشكل الذي نرى ونشاهد يفرض على المقاومة حالة من الاستنفار وشد الأعصاب وإبقاء المجاميع المقاومة في حالة من عدم الاستقرار والهدوء المطلوب لتقييم أعمالها واستخلاص نقاط قوتها وضعفها، ومراكمة خبراتها، وهنا تنقلب الآية؛ فبدلاً من أن تفرض المقاومة على عدوها حالة دائمة من الاستنفار وعدم الاستقرار؛ إذ به هو يفرض عليها هذه الحالة، وذلك الموقف الذي يمكّن العدو من الاستثمار الأفضل لقدراته، ويمنع المقاومة من التشغيل الأجدى لطاقاتها. 

ثالثاً: المتطلبات الإدارية والتعبوية: 

بناء على هذا الموقف، الذي شخصت أهم أهدافه بما ذكرنا، فإن المقاومة في الضفة الغربية مطلوبٌ منها إن هي تريد ــ وهي بالتأكيد تريد ـ للخروج من مربع ردّ الفعل إلى رحابة الفعل؛ المطلوب منها تأمين المتطلبات الإدارية والتعبوية التالية:  

  1. المعلومات: نعم؛ المعلومات، ثم المعلومات، ثم المعلومات؛ عن الذات والعدو والأرض والمهام المراد القيام بها، إنها واجب لا يتم الواجب إلا به، ذكرناه مراراً وسنذكره تكراراً، وكلما استدعى الموقف سنعيد ذكره، فكما أنه تحرم الصلاة بلا وضوء؛ فإنه يحرم العمل بلا معلومات، وسيسألنا عن ذلك رب الأرض والسموات!!!
  2. هدوء الرأس لدى القادة والمسؤولين: كما يجب أن يتحلى قادة المجموعات الميدانية العسكريين، ومن خلفهم من قادة سياسيين بهدوء الرأس، وعدم السماح للمواقف الميدانية وسخونتها أن تخرجهم عن طورهم وهدوئهم ورباطة جأشهم، وليكن نصب أعينهم أن عدوهم يريدهم في مربع غليان الدماء وحماوة الرؤوس، ليفقدوا ميزة التفكير المنظم المطلوب لاستيعاب المواقف وبناء مسار رد الفعل المجدي عليها، وهنا يجب اخراج المجموعات المقاتلة من تحت ضغط طلب تحقيق الإنجازات، وتركها لتراكم الخبرات والقدرات، كما يجب على المسؤولين وبمستوييهم السياسي والعسكري أن لا ينجرّوا لتلبية الطلبات والمصادقة على القرارات الميدانية غير المدروسة بحكمة وتأني وبرود رأس، والتي ـ القرارات ـ لا يكون في سلم أولوياتها أمن المقاومين وسلامتهم، فلسنا في مرحة العمليات الحاسمة، وإنما في مرحلة مراكمة الزخم وبناء والخبرات، ومشاغلة العدو، وإجهاده بالنقاط لا بالضربة القاضية التي لا نملك قدراتها، ولم تُهيأ لها ظروفها الذاتية والموضوعية، على المسؤولين أن يقودوا لا أن يقادوا !    
  3. التدريب: ومن متطلبات الخروج من مربع رد الفعل؛ التدريب الذي يبنى على ما استخلص من نتائج ودروس من المواجهات مع هذا العدو، وهنا تكثر صور وطرق التدريب، المهم أن نعرف ما هو الهدف من العملية التدريبية، وأي احتياج ستسد، عندها تكثر الطرق وتتعدد الوسائل؛ من التدريب بالممارسة اليومية عبر الاحتكاك مع العدو، إلى التدريب بالمشاهدة لطرق عمل العدو، فمعرفة الداء تدل على الدواء، وضابطة التدريب الأهم ومعياره هي مواءمته الموضوعية ( يلبي احتياج عملياتي )  ومناسبته الجغرافية، بحيث يناسب التدريب الجغرافيا التي نريد أن نعمل فيها، والتدريب عملية تراكمية ذات تسلسل منطقي تبدأ بالتدريب الفردي الذي يتم على صعيد الفرد بذاته، ثم التدريب الجماعي، بحيث يتدرب الأفراد على كيفية القتال معاً وفي جهاز ناري واحد يسند بعضه بعضاً، ثم يلي  ذلك التدريب الاختصاصي، فهذا يتدرب على السلاح الخفيف، وذاك على أعمال الهندسة القتالية، وآخر يتدرب على أسلحة الاسناد الخفيفة من قناصات ورشاشات وغيرها من الوسائط النارية، ولا ننسى تدريب المهمة والذي تقتصر فيه العملية التدريبية على انجاز مهمة ما تتطلب جهود معينة. 
  4. تخير المواجهات: ومما يخرجنا من مربع رد الفعل ذاك؛ تخير المواجهات والاشتباكات والاحتكاكات، فلا يجب أن نخوض معارك يفرضها علينا العدو، لا على صعيد الوقت ولا على صعيد الجغرافيا، يجب أن نخوض المعارك التي نريد نحن أن نخوضها والتي خططنا وأعددنا العدة لها، إن أسوأ أنواع المواجهات تلك التي تفرض على المقاتل فرضاً، فلا هو مالك لزمانها ولا متأقلمٌ مع أرضها، إن معركتنا مع هذا العدو معركة طويلة وتحتاج إلى نفس طويل، وما لم ننجزه نحن سينجزه من يأتي بعدنا، والعجلة من الشيطان وتفقد القائد قبل المقاتل الاتزان. 
  5. القيادة والسيطرة: وحتى يكون خروجنا من مربع رد الفعل المشؤوم ذاك خروجاً آمناً، يفضي بنا إلى رحابة تخير الأفعال ــ زماناً ومكاناً ـ؛ يجب أن تمتلك المقاومة منظومة قيادة وسيطرة تلبي احتياجها، وتصل أجزاءها بعضها ببعض، وتمكنها من تحقيق التماس والاشتباك مع عدوها متى شاءت، وتتيح لها قطع التماس وفض الاشتباك معه متى أرادات، قيادة وسيطرة تجعلها ترى المشهد الميداني بكامل تفاصيله، وكما تتيح لها تركيز جهودها على هدفها المراد تحقيقه. إن مقاومة بلا منظومة قيادة ولا سيطرة ذات كفاءة وجودة وأمن عالي، يعني حالة من العشوائية والتخبط، يعني جسماً ذا عضلات ضخمة قوية، لكن بدون جهاز أعصاب يوصل الأوامر ويتلقى ردات الفعل، فيبنى على الشيء مقتضاه. 

نختم بما قلنا إننا سنأتي على ذكره، ألا وهو مجموعة توصيات سريعة دون الاستفاضة فيها، على أمل أن تسد هذه الورقة ثغرة، وتقوي فكرة، وتساعد في بناء قدرة. 

رابعاً: التوصيات: 

  1. قطع التماس مع العدو حالياً إلا للضرورة. 
  2. إيلاء الجهد المعلوماتي ـ دفاعي وهجومي ـ الأهمية القصوى في هذه المرحلة.   
  3. تقييم الموقف الحالي واستخلاص العبر والبناء عليها. 
  4. حشد القدرات وخصخصتها (توزيعها على اختصاصات تخدم الفعل الميداني).
  5. وضع الضوابط والسياسات الوقائية والإجرائية.
  6. الابتعاد عن التظاهرات المشهدية والاستعراضية.

كانت هذه بعض الملاحظات الأساسية التي نعتقد أنها مفيدة وتساعد في الخروج من مربع رد الفعل الذي يجهد عدونا ليبقينا فيه، إلى مربع الفعل الذي يمكّن المقاومين من استثمار قدراتهم وطاقاتهم على أكمل وجه وأكفئه، "ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " وهو سبحانه " غالب على أمره لكن أكثر الناس لا يعلمون ".

عبد الله أمين 

31 10 2022



جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023