التوازن التربوي ما بين مفهومي حياة الدنيا والآخرة

أحمد محمد عبيد

أسير مقدسي، وكاتب فلسطيني.

نتيجة فقدان التربية التي تحقق التوازن المطلوب بين مفهومي حياة الدنيا والآخرة، نجد هنالك كثير من الناس، كثيرٌ ممن يعتقد أن التمتع بزينة الدنيا من طعام وشراب ومال وغيره، يتعارض مع الإيمان والاستقامة في دين الله، ونجد كثيراً من الشباب ما إن دعوتهم للالتزام بالأخلاق الحسنة، يرددون مقولة أريد أن أتمتع بشبابي وأعيش حياتي، ستدفعنا هذه المقولة إلى التساؤل هل حقاً أن التمتع بزينة الدنيا يتعارض مع الالتزام بالدين والأخلاق والاستقامة؟  

فلو نظرنا على سبيل المثال إلى خلق الإنسان، نرى أن الله عز وجل خلقه من جسد وروح، وأوجده على الأرض لإعمارها وتحقيق العبودية فيها، فجسم الإنسان يحتاج من أجل بقائه للطعام والشراب وبدونهما يهلك ويموت، ولأجل ضمان عيشه سخر الله كل ما في الأرض حيث قال تعالى: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً) البقرة آية 90، وما على الإنسان إلا الاجتهاد لاستكشاف خيراتها وما بها من نعم فيتخير أطيب الأطعمة والأشربة، ويختار المساكن التي تعجبه وتؤيه، ويتزوج وينجب الأولاد، فهذه الغرائز التي أوجدها الله تعالى في الإنسان لا بد من إشباعها؛ ومن يعتقد أن عليها أي يكبتها أو يلجمها ليستطيع الالتزام بطاعة الله ورسوله واتباع شرعه، فهو اعتقاد غير صحيح؛ لأن هذا الفهم يتنافى مع حكمة الله عز وجل في خلق الإنسان؛ فكيف يخلق الله سبحانه وتعالى الإنسان بغرائزه الفطرية التي لا غنى له عنها؛ ويأمره بكبتها من أجل طاعته وتنفيذ أوامره؟ فهذا ليس من العدل حاشى لله سبحانه وتعالى.  

فلذلك لا بد أن توجه التربية إلى دفع الإنسان للمحافظة على فطرته وإشباع غرائزه بالطرق الشرعية؛ ليتمتع بتحقيق هدف الله في جعل الإنسان في الأرض خليفة لإعمارها.  

أما الجانب الآخر في خلق الإنسان، أن الله عز وجل أودع بجسده الروح التي تنسم من خلالها الحياة والحركة، لذا لا بد من إشباعها بتغذيتها، وتغذيتها تكون بالعبادة والطاعة وتسخير حياته كلها من أجل إعمار آخرته، والتربية الصحيحة هي التي تراعي الجانبين معاً، وتعمل على تحقيق التوازن ومطالب الحياة والاهتمام بالآخرة.

 لذلك لا بد من توجيه تربية الشباب نحو تحقيق تلك المقولة التي جاءت في الأثر "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا"، وعندها يستطيع الشباب تحقيق الفهم الصحيح لمقولتهم التي يرددونها، أريد أن أتمتع بشبابي وأعيش حياتي بما يرضي الله، أهتم بدنياي ومطالب العيش من جهة، وأعمل لآخرتي للفوز بالجنات ورضوان الله، وبهذا نكون قد حققنا كذلك قوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023