ناصر أبو حميد منك السماح ومن الله المغفرة

سميرة نصّار

إعلامية وكاتبة فلسطينية

بقلم/ سميرة نصار

غدت أنباء الأسرى أقل أثرا على اهتماماتنا من ارتفاع سعر ربطة الخبز أو تقليل وزنها، أو زيادة سعر أسطوانة الغاز أو حتى سعر بنطلون الجينز، أصبحت أخبارهم على مسامعنا باردة مع أنها لتو خرجت من مطبخ الحدث.

حتى الشهداء لو لم تكن ورائهم قصة إنسانية يبقى خبرهم حبيس الأخبار العادية التي نقرأها، ومن ثم نقول: "كل يوم شهيد... الله يرحمه".

ما أبشع  تلك البلادة التي نجح  العدو بجدارة بزرعها في قلوبنا ونفوسنا، أغرقنا بكم هائل من المشكلات الفردية والمعيشية والسياسية، فأصبحت اهتماماتنا لا تتسع للكثير من التفاصيل هنا وهناك وحتى المهم منها.

منذ أيام ونحن نقرأ أو نسمع خبر أن الأسير  ناصر أبو حميد في حالة نزاع ويحيي سكرات الموت في قيده، لم يكن هناك تحرك يليق بإنسان قارب الربع قرن في سجنه وغدا مرض السرطان اللعين رفيقه الأقرب، سوى تمتمات لا تصل لمستوى المطلوب على بعض الإذاعات والمرئيات أو حروف تُكتب على صفحات جرائد، ولا أدري هل كانت تأخذ صدر الصحيفة والمنشت الأكبر أم تبقى في طيات الصفحات الداخلية؟.

اليوم بعد أن كان استشهاد ناصر حميد في عاجل الأخبار، لاحظت بأن بيانات الشجب وتحميل المسئولية للاحتلال، لبعض المؤسسات الخاصة بالأسرى والحقوقية والفصائل أصدرت بياناتها بسرعة وأرسلتها لوسائل الاعلام، للوهلة الأولى شعرت بأنها كُتبت قبل أن تفيض روح الشهيد حبيب الله له.

منذ التداول الأول لاستشهاد الشهيد الحر ناصر وأنا ألوم نفسي، قبل ان ألوم أي أحد.

قبل أن تٌنظر على الآخر، يجب أن تكون قد ملئت الفراغ الذي تركه من تُنظر عليه.

فقد أصاب القصور والتقصير حالنا جميعا، جميع مستويات المسئولية، حتى المواطن الذي يقضي ساعات  طوال مع مواقع التواصل، فحسرة التقصير يجب أن تلوى أضلع كل من قصروا، حتى لا نقصر في غيره، فأشباه ناصر كثر والمعاناة ذاتها.

وحتى يُغفر لنا قطمير من ذنبنا بحق هذا البطل الشهيد الحر، فمن حقه علينا أن يخلد في ذاكرة الوطن، وفي ذاكرة الأجيال عبر فعاليات متعددة.

من حقه أن نثبت صحة وحقيقة حقنه بحقنة من قبل الاحتلال، أدت لإصابته بالسرطان، كما صرحت والدته الصابرة نقلا عنه،

يجب أن نعلي أصواتنا بأن أسرانا الأشاوس في أولويات أيامنا  واهتمامنا، يجب أن يدرك الاحتلال أن رجالاتنا في الأسر هم أبطالنا  وهم عماد كل حاضر مزهر بعد التحرير

وحتى يدرك رفقاءه ناصر أن الدائرة لن تدور عليهم، وأن هناك من يستحق أن تذبل زهرات شبابهم لأجلهم.

الرحمات لروحك يا شهيد، والصبر لقلب والدتك، وحسن العزاء والسلوان لإخوانك في الدم والقيد.



جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023