يديعوت أحرونوت
يوئيل جوزانسكي
ترجمة حضارات
الدكتور يوئيل جوزانسكي هو باحث أول ورئيس برنامج الخليج في معهد دراسات الأمن القومي وعمل سابقًا في وكالة الأمن القومي.
ما دامت إسرائيل تعارض دمج السلطة الفلسطينية فعلياً، في السيطرة على القطاع وترفض الانخراط في تعزيز المسار السياسي الإسرائيلي الفلسطيني، كما تطالب الإمارات العربية المتحدة، بل والمملكة العربية السعودية ،فان قطر وتركيا، ستكون الدول الرائدة في إعادة إعمار قطاع غزة، وهذا من شأنه أن يضمن بقاء حماس.
منذ تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، دأبت دول الخليج على دراسة إمكانية المشاركة في رسم ملامح "اليوم التالي" في غزة، ورغم ترحيب المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بوقف إطلاق النار، وإبداء أملهما في استمرار الاستقرار، إلا أنهما تبدوان متشككتين في إمكانية تنفيذ الخطة بالكامل، وتترددان في المشاركة الفاعلة في تنفيذها.
وضع كلا البلدين شروطًا صارمة للمشاركة في عمليات إعادة الإعمار: وقف إطلاق نار مستقر ودائم، وانسحاب إسرائيلي تدريجي، ونزع سلاح حماس، ونقل الصلاحيات إلى السلطة الفلسطينية أو أي هيئة أخرى تتمتع بشرعية دولية، من وجهة نظرهما، تُعدّ إعادة إعمار غزة جزءًا من إعادة تشكيل الساحة الفلسطينية، مما سيعزز دور العناصر المعتدلة فيها ويكبح جماح الحركات الإسلامية.
في المقابل، تُبدي قطر استعدادها للبدء فورًا في إعادة إعمار غزة، مع السعي للحفاظ على حماس كلاعب مؤثر "في اليوم التالي".
ما دامت إسرائيل تُعارض دمج السلطة الفلسطينية فعليًا في القطاع وترفض الانخراط في تعزيز مسار سياسي إسرائيلي-فلسطيني، كما تُطالب الإمارات العربية المتحدة، بل والسعودية، فإن قطر وتركيا ستكونان اللاعبتين الرئيسيتين في إعادة إعمار قطاع غزة، وستضمنان بقاء حماس.
يُعدّ انخراط السعودية والإمارات أمرًا بالغ الأهمية لإعادة إعمار القطاع، ليس فقط نظرًا لقدراتهما الاقتصادية، ولكن أيضًا نظرًا لشرعيتهما الإسلامية ومكانتهما السياسية.
تشترط المملكة العربية السعودية مشاركتها في قطاع غزة، وخاصةً تحويل مساعدات مالية كبيرة لإعادة الإعمار، بنقل السلطة من حماس إلى السلطة الفلسطينية ونزع سلاح حماس، أي تسريح القطاع بما يمنع عودة الإرهاب وعدم الاستقرار.
من جانبها، تنشط الإمارات العربية المتحدة بالفعل في المجال الإنساني على نطاق واسع، لكنها تؤكد أنها لن تقدم مساعدات مالية كبيرة لإعادة الإعمار دون تسريح المقاتلين، وتشكيل حكومة بديلة متفق عليها، وإصلاح جذري للسلطة الفلسطينية، بما في ذلك تغيير محتمل في القيادة،إضافةً إلى ذلك، تتردد هذه الدول في المشاركة في قوة أمنية متعددة الجنسيات متمركزة في قطاع غزة، لأسباب من بينها خوفها من تضرر قواتها ومن أن يُنظر إليها على أنها تخوض حربًا مع إسرائيل، على أي حال، ترى دول الخليج أن هذه القوة قوة شرطية أكثر منها قوة عسكرية قتالية.
من وجهة نظر قطر، الصورة مختلفة، قطر تتأرجح بين إظهار الولاء للولايات المتحدة وتصوير نفسها على أنها داعمة للقضية الفلسطينية عمومًا، وخاصةً من خلال دعم حماس، لا تزال قطر تلعب دورًا رئيسيًا في تشكيل الواقع في غزة، وخاصةً منذ الهجوم الإسرائيلي على الدوحة، الذي دفعها إلى تقارب متزايد مع الولايات المتحدة.
على مر السنين، استفادت قطر وحماس من بعضهما البعض: الدوحة زودت حماس بالشرعية والمال، والمنظمة "الإرهابية" منحتها موطئ قدم ونفوذًا في قطاع غزة.
تشير التقديرات إلى أن قطر دعمت خطة ترامب، التي تتضمن بندًا يتعلق بنزع السلاح من قطاع غزة، لضمان استمرار نفوذها السياسي والاقتصادي في المنطقة من خلال الحفاظ على نفوذ حماس.
من وجهة النظر الأمريكية، تُعتبر قطر حاليًا شريكًا موثوقًا ساعد في الضغط على حماس للموافقة على وقف إطلاق النار، وبالتالي، فإن أي محاولة إسرائيلية للتدخل في قطاع غزة ستُعتبر انتهاكًا للمصالح الأمريكية ولفرص تحقيق الخطة التي وضعتها الإدارة.
من ناحية أخرى، تواجه الرياض وأبو ظبي صعوبة في تقبّل الدور المركزي الذي تُعطيه الولايات المتحدة لقطر وتركيا، ما دامت قطر تُقدّم مساعدات غير مشروطة لغزة وتُحافظ على نفوذها على حماس، فسيكون من الصعب إرساء الاستقرار في غزة وإقامة سلطة جديدة فيها محل حماس.
تتردد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في التدخل الفوري في غزة، خوفًا من خسارة استثماراتهما. فلدى الدولتين مصالح اقتصادية ورغبة في تحقيق ربح من استثماراتهما، والتي قد تضيع بسبب عدم الاستقرار المزمن في غزة. إضافةً إلى ذلك، يُفاقم انخفاض أسعار النفط الضغوط الاقتصادية، وخاصةً على السعودية، التي قد تُفضل الاستثمار في مجالات أخرى في الشرق الأوسط، مع التركيز على سوريا.
ما الذي قد يدفعهما لممارسة نفوذهما؟ الضغط الأمريكي (وخاصةً من الرئيس ترامب نفسه، الذي يسعى جاهدًا لتعظيم الإنجاز الدبلوماسي الذي قاده)، إلى جانب رغبة الرياض وأبو ظبي في التأثير على البنية السياسية في غزة ومنع استعادة مكانة حماس، التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، وإعادة ترسيخها.
ومن المفارقات أنه في حين أن هذه "الجزرات" قد تزيد من دافع السعودية لإظهار المزيد من التدخل في غزة، فإن قبولها مسبقاً قد يقلل في الوقت نفسه من دافع السعودية لإقامة تطبيع مع إسرائيل.
ستربط المملكة العربية السعودية، لا سيما في ضوء الزيارة المرتقبة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى البيت الأبيض، مستوى تدخلها في غزة بالوعد بتزويدها بأسلحة أمريكية متطورة، وتعزيز التعاون النووي، وقبول الضمانات الأمنية الأمريكية. ومن المفارقات، أنه في حين أن هذه "الجزرات" قد تزيد من دافع السعودية لإظهار المزيد من التدخل في غزة، فإن قبولها مسبقًا قد يُضعف دافعها للتطبيع مع إسرائيل ما لم تربط الإدارة الأمريكية هذه القضايا صراحةً.
سيُحسم مستقبل قطاع غزة ليس فقط في القدس أو في القطاع نفسه، بل أيضًا في الرياض وأبو ظبي وأنقرة والدوحة، لا يوجد حاليًا أي حماس في الخليج للتدخل المباشر في قطاع غزة، من المحتمل أن دعم السعوديين والإماراتيين للمبادرات الدبلوماسية طوال الحرب كان يهدف في المقام الأول إلى الضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب، ولكن عمليًا ضغوطهم الاقتصادية، والتنافس الخليجي الداخلي، وإحجامهم عن الاستثمار في الطين الفلسطيني يعيق خطواتهم العملية في القطاع، في ظل غياب رغبتهم في الانخراط في جهود إعادة الإعمار، من المرجح أن تأتي المساعدات المالية بشكل رئيسي من قطر، مع تهيئة الظروف لحماس لترسيخ وجودها.