بين الحرب الأهلية والمغامرات الخارجية

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

بين الحرب الأهلية والمغامرات الخارجية

قراءة في مآلات مسار الحكومة الإسرائيلية

ورقة تقدير
بقلم الخبير العسكري والأمني:
عبد الله أمين.


أولاً: الموقف:  

كثرت الأحاديث والتحليلات والتصريحات والمقالات حول مسارات عمل حكومة الاحتلال المؤقت بعد عودة نتنياهو لتولى زمام الحكم، وتشكيله حكومة أغلبية بالتحالف مع الأحزاب الدينية المتطرفة والتي تشكل بيضة قبان حكومته؛ فبقاؤها -الأحزاب الدينية المتطرفة- في الحكومة يعني بقاؤه في الحكم؛ وانتفاء التهديد بمحاكمته، وانفضاضها عنه؛ يعني تفكك الائتلاف وانهيار الحكومة وعودة التهديد بمحاكمته وجره إلى غياهب السجن، أو على أقل تقدير اعتزاله للعمل السياسي ضمن صفقة قضائية، هذه التصريحات والمقالات لم تأتِ من أعداء هذا الكيان المؤقت أو من كارهي وجوده، إنما جاءت على لسان كبار الساسة والقادة الإسرائيليين، وكتاب الأعمدة اليومية والمختصين، كلهم تحدث عن إمكانية نشوب (حرب) أهلية بين مختلف مكونات هذه الفسيفساء البشرية غير المتجانسة المحتلة لأرضنا وبلادنا، مما دفع الكثيرين للقول بإمكانية هروب هذه الحكومة للأمام وافتعالها حرباً ضد أعدائها؛ علّها بذلك تنجو من تهديد الإطاحة بها عبر المظاهرات والاعتصامات التي تقودها المعارضة بشكل يومي وأسبوعي، حيث تهدد هذه المعارضة بإمكانية وقوع هذه (الحرب) في حال أصر نتنياهو وحلفاؤه على الذهاب نحو التغيير الذي يطالبون بإحداثه في النظام القضائي الحالي، الأمر -مغامرة خارجية، أم حرب أهلية-  الذي تأتي ورقة التقدير هذه لتناقشه؛ تحليلاً وتقديراً ثم توصيات، عبر العناوين الستة التالية.    


ثانياً: معطيات الموقف:  

إن المتتبع للشأن السياسي والأمني ـ الداخلي الخارجي ـ لهذا الكيان المؤقت منذ عودة نتنياهو للحكم، وفق هذه التوليفة الحزبية الحالية؛ يرى أن الموقف الحالي لهذا الكيان المؤقت يتسم بمجموعة من السمات التي (تخلق) خليطاً متفجراً، يمكن توقع انفجاره في شتى الاتجاهات، حيث أن أهم خصائص هذا الموقف يتمثل -دون تفصيل- في الآتي من السمات:  

1. أزمة سياسية حادة بين المعارضة ومجموعة الحكم الحالية.  

2. ائتلاف حكومي هش قائم على الابتزاز وفرض الشروط و(اللعب) على حافة الهاوية.  

3. أزمة صلاحيات بين المؤسسات الأمنية ومرجعياتها السياسية ـ وزارة الدفاع بوزيرين، قوات جيش عاملة في المناطق بمرجعيتين ـ وتنازع حاد في تنفيذ الإجراءات وفرض السياسيات.  

4. ضعف بنيوي في جسم المؤسسة العسكرية، وسقوط هيبتها ـ داخلياً وخارجياً ـ ونزع القدسية عنها، حيث لم تعد هذه المؤسسة تلك البقرة المقدسة التي لا يجب الاقتراب منها أو توجيه النقد لها.  

5. رئيس حكومة مهدد بالقضاء والمحاكمة في أي لحظة، ويعتري توليه للمنصب عُوارٌ قانوني؛ وإن بدا أنه غير مؤثر على سلطاته.  

6. علاقة متوترة مع الحليف الرئيسي -الولايات المتحدة الأمريكية- ناتج عن توجهات وطرق عمل حكومة الكيان المؤقت الحالية، وتضارب في ترتيب الأولويات بين الطرفين.  

7. أعداء متربصون بهذا الكيان، يحصون عليه أنفاسه، غير آبهين بزبده ورغائه.  

8. اشتباك يومي -عسكري ومدني- مع المقاومين في الضفة الغربية؛ كسروا حاجز الخوف من آلته الأمنية والعسكرية، وأصبح التجرؤ عليها والتصدي لها ديدنهم اليومي، وشغلهم الشاغل.  

9. وكيل (اقرأ سلطة الحكم الذاتي) محلي فاقد للشرعية الشعبية والقانونية غير قادر على السيطرة على الموقف المتفجر في مناطق (سلطته).  

10. استعار حالة العنصرية والقمع ضد شعبنا -بشراً وحجراً- نشاهدها في عمليات استسهال القتل والهدم والتوقف والاستدعاء، بدرجة غير مسبوقة؛ أثارت انتقاد مؤسسات العدو الأمنية وحلفائه؛ فضلاً عن خصومه وأعدائه، وزادت من وتيرة ردات فعل شعبنا الثورية والاحتجاجية.  


ثالثاً: تحليل الموقف ونقطة ارتكازه:  

إن تحليل هذا الموقف، ضمن هذه المعطيات الكلية؛ قد يحمل على الاعتقاد بأن العدو؛ وهروباً من مأزقه الحالي، وحتى يخرج من عنق الزجاجة التي وضع أو وجد نفسه فيها؛ قد يبادر إلى مغامرات خارجية ضد خصومه وأعدائه، في دوائر التهديد الثلاثة المعرّفة في نظريته الأمنية وهي -الدوائر-الدائرة الداخلية (فصائل المقاومة في الداخل وأهلنا في مدن الثمانية والأربعين)، والدائرة القريبة (حزب الله، وسوريا)، والدائرة البعيدة ( إيران والعراق واليمن )،حيث يهدف من خلال هذه المغامرة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف:  

1. خلق تهديد خارجي يوظف لمواجهة التناقضات الداخلية، فتنصرف عن هذه الحكومة الضغوط الداخلية لتكرَّس وتُوجه إلى تلك التهديدات الخارجية.  

2. شد عصب الائتلاف الحالي، وحمله على تغيير جدول أعماله وأجندة عمله، للتخلص من الضغط والابتزاز الذي يجد رئيس الحكومة نفسه في مواجهته.  

3. ترميم صورة المؤسسة العسكرية وتحسين موقف ردعها لخصومها؛ القريبين والبعيدين.  

4. (جزّ) ما يمكن جزه من قدرات مقاومة نمت وتنمو في بيئته الداخلية، ومحيطه الخارجي.  

هذه أهم الأهداف الممكن تصورها لأي مغامرة خارجية قد تذهب الأذهان إلى تصور وقوعها. وهنا نشير إلى مسألة مهمة وهي أن نقطة ارتكاز هذا التحليل قائمة على أن هناك عدم تكافؤ لصالح أعداء وخصوم هذا الكيان قائمة على عدم قدرة الكيان المؤقت على تحمل مخاطر وأكلاف هذه المغامرة، وعدم أرجحية تحقق ما يصبو له من أهداف، الأمر الذي يمنعه من القيام بأية مغامرة خارجية قد تتدحرج إلى حرب مفتوحة أو اشتباك عسكري تطول أيامه ـ ولو بشكل متقطع ـ  حيث تبرز هنا مجموعة تهديدات تكبح جماح العدو عن أية مغامرة من أهمها ما يأتي:  

رابعاً: التهديدات الكامنة في باطن أي مغامرة:

1. ضرب رتم الحياة المدنية اليومية لمواطنيه:

ففي حال قيامه بأية مغامرة فإن الرد عليها من قبل الجهات المتضررة سوف يضرب رتم الحياة اليومية لـ(مواطني) هذا الكيان المؤقت، مما سيفاقم ويزيد من حركة الخروج  العكسي لأتباع هذا الكيان المؤقت من أرضنا المحتلة، طلباً للسلامة والدعة والرفاهية، التي ما جاؤوا إلى بلادنا محتلين إلا طلباً لها.  

2. ضرب الجبهة الداخلية وتهديدات ما فيها من أصول ومراكز ثقل مدنية أو عسكرية:

كما أن أعداءه (اقرأ محور المقاومة) لديهم بنوك أهداف في هذا الكيان تشمل مراكز ثقله وأصوله البشرية والسياسية والمالية والعسكرية، فإن أقدم هو على أية مغامرة أو تجاوز لخطوط حمر معروفة، أو قواعد الاشتباك المقرة ضمناً، إن أقدم على ذلك؛ فإن هذه الأصول سوف تتهدد بشكل جدي، وستطالها أضرار غير متوقعة وغير متصورة، الأمر الذي سيزيد من أزمة هذه الحكومة ويفاقم من مشاكلها.  

3. عدم أرجحية تعزيز عامل ردعه لأعدائه:  

إن من أهم عناصر قوة هذا العدو ما يملكه من ترسانة عسكرية من مختلف الصنوف والأنواع، خلقت عند بعض خصومه وأعدائه هاجس خوف ردَعهم عن الاحتكاك معه، أو التجرؤ على الاشتباك مع هذه الترسانة العسكرية، وقد تضررت هذه الصورة بشكل كبير جداً بعد كل حرب خاضها هذا العدو مع أعدائه في السنوات السابقة ــ من 2006 وحتى 2014 ـ فلم تعزز حروبه واشتباكاته المفتوحة مع أعدائه عامل ردعه، بل مسته هذه الحروب في الصميم وهشمته بشكل غير مسبوق، وأية حرب مفتوحة أو اشتباك عالي الوتيرة مع هؤلاء الأعداء؛ سيزيد من تضرر صورة الردع تلك ولن يساعد في ترميمها، الأمر الذي سيصيب هذا العدو في مقتل.  

4. ضرب ما تبقى من (هيبة) المؤسسة العسكرية والأمنية للعدو:  

لم يبق لدى العدو من مؤسسات حكم وعناصر سيادية مجمع عليها، تُحترم لذاتها سوى المؤسسة العسكرية، وهي حصنه الأخير الذي يلجأ له، وبوتقة صهر تناقضاته الداخلية ومكوناته الإثنية، وخوضه حروباً غير مضمونة النتائج؛ يعني تضرر ما تبقى لهذه المؤسسة من هيبة، وخسارة هذا الكيان آخر قلاعه التي يظن أنها حصينة وقادرة على حمايته، لذلك فهو حريص على عدم الزج بها في حروب حقيقية، مع إمكانية بقائه يهدد و(يهوش ) بها على أعدائه، دون الوصول إلى حد الحرب التي ستكشف هشاشة هذه المؤسسة وقلة حيلتها في تأمين البضاعة المطلوبة منها.  

5. تفعيل العمل المشترك -ولو جزئياً-لمحور المقاومة:  

ومن التهديدات التي تحول دون العدو وخروجه في أية مغامرة خارجية، إمكانية تفعيل -لو جزئياً- ما تم التوافق عليه بين عناصر ومكونات محور المقاومة، من أدوار ومهمات، في مواجهة هذا العدو الصائل، وهذه مكونات قدرة وقوة تبدأ في غزة ولا تنتهي في صنعاء، وكلها لديها القدرة، وقرار تشغيلها في مواجهة هذا العدو، الأمر الذي يجعله يفرمل ويفكر، ويعد للمائة قبل الفعل، وليس للعشرة فقط.    

6. خروج الأمور عن السيطرة وتدحرج الموقف نحو حرب مفتوحة:  

الحروب يُعرف كيف ومتى بدأت، ولا يُعرف كيف ومتى ستنتهي، وأي اشتباك عالي الوتيرة، أو مغامرة غير محسوبة، يمكن أن تتحول إلى حرب مفتوحة، تزج الأطراف المشاركة فيها بكل ما تملك من قدرات، وقد تدحرجت عملية سلامة الجليل عام 1982 من اجتياح بعمق 10 كيلومترات لتتحول إلى احتلال بيروت العاصمة، وما رافقه من خسائر على طرفي المعادلة، وها هي الحرب الروسية على أوكرانيا ما زالت تتدحرج، ولا يُعرف لها أفق، لذلك فإن تدحرج الاشتباك المحدود إلى حرب مفتوحة يعد تهديداً يحسب العدو له ألف حساب عند أية مداولات أو نقاشات لأخذ أي قرار بهذا الخصوص.  

7. عدم أرجحية تلاشي ضغط المعارضة الداخلية، فضلاً عن استثمار موقف الحرب لصالح الضغط على الحكومة ورئيسها وليس لتحريره منه:  

من الأمور التي تحمل على الظن أن العدو من الممكن أي يخرج لعمل خارجي ضد عدائه؛ تصور تلاشي ضغط المعارضة على الحكومة الحالية، للتفرغ لمواجهة التهديد والمخاطر الناتجة عن الحرب، وهذا أمر غير مرجح الحدوث، مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانية أن يخف ضغط المعارضة عن هذه الحكومة؛ حكماً، ولكنه لن يزول بشكل نهائي ولن يتلاشى، بل سيستعر وستسن السكاكين الطوال على هذه الحكومة، انطلاقاً من أنها ما خاضت هذه الحرب ولا خرجت لها إلّا لتأمين المصالح الشخصية لأعضائها، وفي مقدمتهم رأسها نتنياهو، عندها ستخرج هذه الحكومة من بير لتقع في بيارة.  

8. زيادة تأزم العلاقة مع الحليف الأمريكي المشغول بحرب روسيا وأكرانيا:  

من أصول القوة التي يركن لها هذا الكيان المؤقت؛ علاقته مع الولايات المتحدة الأمريكية، وأية حرب سيخوضها هذا الكيان مع أعدائه، يعني فتح ملف جديد سيصرف الاهتمام عن حالة الاشتباك التي يخوضها هذا الحليف مع روسيا في أوكرانيا، وهذا أمر لا تحبذه ولا تريده الإدارة الأمريكية حالياً، فمصلحتها أن تبقى الحرب الدائرة في أوروبا بين روسيا وحلف الناتو هي مركز الاهتمام الدولي، وليس غيرها من ملفات وقضايا، لذلك فلن يغامر العدو بتأزيم علاقته مع حليفه الرئيسي من أجل نجاة رئيس حكومة أو وزير فيها.  

هذه أهم التهديدات المتصورة والمخاطر الناتجة عن أية مغامرة خارجية يمكن أن يفكر فيها هذا العدو، وهي -المخاطر- أمور تشكل كوابح ردع وفرامل توقف، تحول دونه والخروج لأي عمل غير محسوب العواقب. لكنه لن يقف مكتوف اليدين أمام ما يواجهه من تهديدات ومخاطر، وسيبقى يعمل ضمن مروحة أعمال وإجراءات تعبوية وأمنية تتمثل بطرق العمل الآتية:  

1. استمرار تفعيل إجراءات المعركة بين الحروب، فلن يوقف هذا الإجراء وسيبقى يمارسه ضمن قواعد اشتباك معروف لن يتجاوزها ولن يخطو بعيداً عنها.  

2. تشغيل قدرات أمنية في تحييد أصول بشرية ومادية لأعدائه وخصومه، فإن لاح له هدفٌ لين في أية ساحة من ساحات فعله؛ فسيعمل على تحييده، مع الحرص على عدم ترك بصمة عمل خلفه تدل عليه.  

3. الرد على النار بالنار في غزة خصوصاً، فأي فعل من قبل المقاومة سيواجه برد فعل من قبله، حتى يبقي قواعد الاشتباك محترمة غير مُتجاوز عليها.  


خامساً: التقدير:  

نعتقد أن العدو لن يخرج لأي عمل عسكري مفتوح ضد أي من أعدائه في أية جبهة من الجبهات الرئيسية ـ غزة، لبنان، إيران ـ وسيبقى يتصرف ضمن إجراءات المعركة بين الحروب، مع شمول مروحة إجراءاته للأعمال الأمنية غير الدالة عليه التي يهدف منها إلى تحييد أصول بشرية ومادية لأعدائه، وفي مختلف الساحات، كما أنه سيديم (جز) ما ينمو من قدرات للمقاومة في منطقة الضفة الغربية وغزة وسوريا، من خلال تفعيل قدراته الذاتية و/ أو بالاستعانة بحلفائه وأصدقائه في داخل فلسطين المحتلة أو خارجها.

سادساً: التوصيات:  

1. أخذ الحيطة والحذر ورفع مستوى التحوط الأمني لدى فصائل المقاومة وكوادرها في مختلف الساحات.  

2. مراقبة تطورات الموقف ورصد أية قرائن ومؤشرات دالة على تشغيل أو تفعيل قدرات للعدو.

3. عقد ورش عمل وجلسات نقاش بين مختلف أطراف "محور المقاومة " تعنى بتطورات المشهد الداخلي للعدو ليُبنى على الشيء مقتضاه.

4. بحث إمكانية المساهمة في زيادة الشُقة والخلاف الداخلي بين المكونات الديموغرافية لهذا الكيان المؤقت، وطرق العمل التي تساعد في ذلك.  

5. عدم الركون إلى أية تطمينات خارجية تأتي عبر (وسطاء) أو مصادر رسمية تطمئن بعدم عزم العدو على القيام بأي إجراء معادي.  

6. بحث ومناقشة معطيات هذه الورقة من قبل أهل الاختصاص، وتشريح ما جاء فيها؛ ليبنى على الشيء مقتضاه.  

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.







جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023