عقدة الثمانين كيف تتحول إلى عين اليقين؟

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

​​​​​​​
بقلم: 
الخبير العسكري والأمني:
عبد الله أمين

05 03 2023



أولاً: المقدمة:  

تحدث ابن خلدون في مقدمته الشهيرة عن أن الأمم والممالك تحيا كما يحيا الشخوص والآدميون، وتمر هذه المكونات السياسية بما يمر به بنو آدم من مراحل نمو وتطور، حتى يأذن الله بأخذ ودائعه منهم؛ فيقضون ويدفنون، ليرثهم الوارثون. فالإنسان يمر بمراحل نمو متعددة؛ فمن طفولة إلى مراهقة فرشدٍ فشيخوخة؛ وكذا الدول من تأسيس وبناء، إلى استقرارٍ فتوسع وتمدد، وصولاً إلى حالة من الضمور والانكفاء على الذات، سيراً نحو الاضمحلال والزوال؛ ليورث الله الأرض من يشاء من عباده الصالحين. 
والمتتبع لأخبار الدول والممالك، والقارئ لتاريخ الأمم والشعوب، يرى صدق ما قاله ابن خلدون رأي العين؛ فما من مملكة سابقة؛ قبل ميلاد المسيح وبعده، وقبل بعثة سيد الخلق صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعدها؛ ما من مملكة سادت؛ إلا وعادت فبادت، واضمحل دورها، وخبا ذكرها، واندثر أثرها، وهي إمبراطوريات وممالك ملكت مشارق الأرض ومغاربها، وسيطرت على كل ما تطلع عليه الشمس أو تغيب عنها، تسلّطت على البلاد والعباد، وملكت مخازن الأرض، ومفاتح الخير، وحمت بشرها وحجرها بأجناد وعتاد، ثم أصابها ما أصاب من قبلها ـلن ندخل في أسباب الزوال أو الاضمحلال كونه خارج بحث هذه الورقةـ  وبقيت عقدة التحول والاستبدال والزوال هاجس الجميع، فالدول تقاتل وتصالح، وتعاهد وتحالف، بحثاً عما يطيل العمر، ويدفع شر، ويبقي الأثر.
 والكيان المؤقت في أرضنا المحتلة ليس بدعاً من الأمر؛ فهو أصلاً ما قام إلّا بعد أن نفى وهجّر وأخرج أصحاب الأرض منها، ظاناً أن كبارهم سيموتون، وأن صغارهم سينسون، فمات الكبار، ولم ينسَ الصغار، فهم -الصغار- يذكّرونه كل يوم بفعلهم المقاوم أنه محتل، وأنهم أصحاب حق؛ وما ضاع حق وراءه مطالب. 
وقد نشأ الصغار على تربية الكبار؛ بأن هذا الكيان إلى زوال، وأن وعد الآخرة قادم لا محالة، ليتبّر عباد الله أعداء الله تتبيراً، فهذا ـالتمسك بأمل التحريرـ هو دأب المحتلة أرضه، المسلوب رزقه؛ أما أن يتحدث المُحتل الذي سرق ونهب وقلب الحقائق، وهو الذي لم يترك سبباً من أسباب القوة إلّا ملكه، ولا حليفاً إلا ومدّ معه أواصر الصداقة، بل هو الصديق الأول لـ (مختار) هذا العالم، عنينا به أمريكا، والذي جعله ـالعدوـ من أهم مصالحه في المنطقة، وربط مصيره بمصيره، أن يتحدث هذا المزهو بقوته المختال بعلاقته هذه عن عقدة بلوغ سن الثمانين -لم يبق لبلوغ هذه العقدة سوى خمس سنوات 1948 / 2028-  التي لم يبلغها بنو جلدته من قبله، وأنه قد لا يصل إلى هذا السن! فهذا ما يحتاج إلى تفصيل وبحث دقيق عن أسبابه، وهو أمرٌ لن ندخل في غماره لكثرة ما سيقال عنه ويكتب، وإنما سنناقش في هذه الورقة المتطلبات والأمور التي تجعل المتضررين من هذا الكيان المؤقت قادرين على تحويل هذا التهديد الذي يشعر به هذا العدو، إلى أمرٍ يقين ممكن الحدوث، من خلال سرد وتفصيل  أهم هذه العوامل والمتطلبات في العناوين الآتية:    



ثانياً: عوامل تحويل التهديد الذي يشعر به العدو إلى فرصة وفعل يقين:  

1. تحديد مصادر التهديد الذاتية والموضوعية التي دفعت العدو إلى هذا الظن والعمل على تفعيلها وزيادة أثرها:

إن من متطلبات تحول هذا التهديد الذي يشعر به العدو إلى واقع معاش، وحقيقة مؤكدة الوقوع هو البحث في أسباب شعوره هذا، وكيف وصل إلى هذه القناعة؟ وماهي الدوافع التي دفعته لتوقع عدم بلوغه سن الثمانين؟ هل هي عوامل داخلية بحتة؟ أم خارجية تطرق بابه؟ أم خليط من هاذين التهديدين؟ يجب على المتضررين من هذا المحتل وضع هذه الأمر على طاولة التشريح، واخضاعه  لمبضع الجراح، للوقوف الدقيق المحدد على تلك الدوافع والمسببات، فإن أول متطلبات تفعيل هذه المسببات، وزيادة أثرها هو معرفتها الدقيقة والتفصيلية، ليُبنى على الشيء مقتضاه.  



2. تحديد أهم هذه التهديدات ومراكز ثقلها الموضوعية لتوجيه الجهود لها :  

ثم لابد من معرفة أي تلك التهديدات هو المركزي فيها، وأين مركز ثقلها المطلوب التركيز عليه، و توجيه كافة الجهود لضربه، والتأثير فيها، أو لزيادة فعلها وأثره كمكون وفاعل في توليد هذا الشعور لدى العدو. فمثل هذه المعرفة تختصر علينا الجهد والتكاليف البشرية والمادية المطلوبة للتعامل مع مثل هذا الموقف، وتوصلنا إلى غاياتنا بأسرع الأوقات وبأقل الأثمان.  



3. تحديد وتعريف العدو وحلفائه بشكل دقيق وموضوعي:  

إن هذا العدو معروفٌ بذاته، محددٌ بجغرافية وجوده، ولكن في معركتنا الفاصلة معه والتي ستتبر ما على هذا العدو تتبيراً، يجب إعادة تعريف هذا العدو من جديد وبشكل دقيق، وعدم قصر هذا التعرف عليه وحده، فقد قال لنا ربنا في محكم تنزيله أن هذا العدو ما بلغ ما بلغ إلا بحبل منه سبحانه عز وجل وبحبل من الناس، فإن أحسنا وصل حبلنا بالله؛  قطعنا حبله سبحانه عز وجل عنه، ليبقى حبل الناس، وهنا يجب تعريف من هم هؤلاء الناس؟ هل هم أناس داخليون؟ أم أناس من الخارج؟  وما هو دورهم وطبيعة حبلهم أو حبالهم التي تمد هذا العدو بأسباب الحياة والبقاء؛ لتضرب ولتوجه لها الجهود لفك جَدلها، إن وعد الآخرة المنتظر لا يحتمل الدخول فيه بتعاريف ملتبسة، أو بأفهام منحرفة، أو تصورات غير دقيقة، وإنما يجب التركيز، وتعريف المصطلحات وتحرير المفاهيم، لتضرب الناسُ عن قوس واحدة، باتجاه هدف واحد، مجمع على تعريفه، متفق على حدوده الذاتية والمضافة.  



4. تحديد مركز أو مراكز الجهد الرئيسية ـ سياسية، عسكرية، اقتصادية، ديموغرافية ـ  التي سيتوجه ضدها الضغط:  

قلنا أننا يجب أن نحدد مركز الثقل الرئيسي لمصادر التهديد التي دفعت هذا العدو الصائل للوصول إلى هذا التصور ـ عدم بلوغ الثمانين ـ والهدف من تلك المعرفة هو تحديد مراكز الفعل الرئيسية للفاعلين الحقيقيين في تحويل هذا التهديد إلى واقع مُعاش، هل فعل الفاعلين سيتركز على مراكز ثقل العدو السياسية فتضرب؟ أم العسكرية فتهاجم؟ وما هو دور مراكز ثقله الاقتصادية؟ ماذا عن العامل الديموغرافي المعادي؟ ما هو نصيبه في جهود الفعل المقاوم؟ إن مثل هذا التحديد يعني رسماً لمعالم الخطة المطلوب وضعها والاتفاق عليها لخوض معركة وعد الآخرة، وتحديد جهود مسار بناء وتخصيص القدرات فيها، وإلا سنختلف أثناء المسير والتحضير، فقد ينزع البعض باتجاه الفعل السياسي البحت، وقد يقلل آخرون من ضرورة ضرب العصب الاقتصادي لهذا العدو، أو قد يرى بعض العاملين أن هذا العدو يتمتع بعناصر قوة كاسحة في المجال العسكري، وعليه لا جدوى من مواجهة آلته الدموية هذه، عندها ستتشتت الأذهان! وتضيع الجهود! ولن ترتب الإجراءات وفقاً لما تتطلبه الأولويات، فيصدق عندها في فعلنا هذا مثلنا الشعبي (مثل حراثة الجمال، اللي بتحرثه بترجع بتلبده )!!



5. تحديد الشركاء الفاعلين في تحويل (عقدة الثمانين ) إلى فعل يقين:

إن هذا العدو مد شبكة علاقاته، وبنى منظومة تحالفاته حتى وصلت مشارق الأرض ومغاربها، فحبله مع الناس أصبح جملاً لا يلج لسماكته سم الخياط، وهو وحلفاؤه ـ الداخليون والخارجيون، القريب منهم والبعيدون ـ يفكرون بعقل جمعي، ويعملون بنفس جماعي، يعرّفون الأهداف، ويوزعون الأدوار، ويتقاسمون المهمات، ومثل هذا العدو بمثل هذا التوصيف؛ لا يمكن العمل ضده إلّا بنَفسٍ وحدوي وعقل جماعي وجمعي، إلا نفعله تكن فتنة في الأرض وفساد كبير، وعليه لابد من تحديد وتعريف الشركاء الحقيقيين في مواجهة هذا العدو، ونسج خطوط العلاقات والصداقات والتحالفات معهم، وتوحيد المفاهيم بيننا وبينهم، يجب الاجتماع على قواسم مشتركة متفق عليها، متفاهم على مضامينها، وإلا وقع الانكار لاختلاف المعيار والقرار، وعندها لا نصر ولا عودة إلى الديار!!  



6. تحديد أدوار الفاعلين وتخصيص القدرات بناء على المهمات:  

يلي مرحلة تعريف الفاعلين الحقيقيين، والشركاء المخلصين في هذا المسير؛ تحديد أدوارهم، ونصيب كل منهم في الجهد والفعل؛ فكل ميسر لما خلق له، وتَحمُل ما لا يطاق؛ مظنة فشل واخفاق، وطلب المؤازرة والعون عند التحام الصفوف؛ موقف بالمخاطر محفوف، لذلك يجب على العاملين الحقيقيين لزوال هذا الكيان المؤقت عن أرضنا أن يعرف بعضهم قدرات بعض، وأن يحدد كل منهم ما يستطيع فعله، وما لا يقدر على تحمل أكلافه، وسياسات وضوابط فعل كل منهم ومحددات حركته، عندها فقط يمكن الدخول في عمل تكاملي وجهد جماعي، يفضي بإذن الله إلى تحويل عقدة الثمانين إلى مراسم دفن وتأبين.   


7. قطع حبل الناس الذي يمد هذا الكيان بأسباب الحياة:  

ومما يجب العمل عليه من الآن؛ قطع حبل الناس مع هذا العدو الخناس، فهو بهم ومنهم ومعهم يقوى ويتقوى، وقد مد حبال علاقاته مع كل من يرى أنه له عنده مصلحة، أو ممكن الاستفادة منه، فهذا يمده بالسلاح، وذاك يمده بالرأي والمشورة، وآخر يعقد معه تفاهماً ليؤازره في المحافل الدولية، ومنهم من يشاركه فعله الأمني والعسكري؛ بجلب معلومة أو تصفية مقاوم مجاهد، وحبل الناس هذا من نقاط ارتكاز العدو الرئيسية التي يتكيء عليها، وينطلق منها، ويضعها في حساباته ويوردها في تقاريره وتقديراته، لذلك يجب وضع الخطط والتفاهم على الإجراءات التي تقطع هذه الحبال، وتفك عراها.  



8. رفع كلفة بناء العلاقات وانشاء الصداقات مع هذا الكيان المؤقت:

إن من أهم طرق وإجراءات قطع حبل الناس مع هذا العدو؛ رفع أكلاف مدها ونسجها، يجب على كل من يريد أن يتصل بهذا العدو، أو يمد له يد العون، أو يقدم له استشارة، أو يؤازره في موقف،يجب عليه أن يعرف أنه يقف في صفه، وأنه سعره بسعره، فقديماً قيل: عدو عدوي صديقي، وصديق عدوي عدوي، وهذه معادلة يجب تفعيلها وجعلها معيار وميزان، ويجب كسر الأسطوانة التي صدعت رؤوسنا والتي تقول أن العلاقة مع هذا العدو من قبل البعض يمكن أن يُستفاد منها في تخفيف غلوائه، والحد من صلفه وعدائه، يجب أن نقول للجميع بأننا وهذا العدو في فسطاطين متناقضين، وأن أنصاف المواقف لا تخدم قضيتنا، وأن المعادلة هي إما معي أو مع هذا العدو، فليحدد كل موقفه، ولينظر كل مكان قدمه، والسلام، فوعد الآخرة بحاجة إلى مواقف واضحة ظاهرة.    



9. رفع كلفة البقاء في هذا الكيان المؤقت لقاطنيه المحتلين :  

إن هذا العدو وهذا الاحتلال من النوع الإحلالي الذي بنى معادلة بقائه على نفي الآخر، والحلول مكانه، وهذا النوع من المحتلين قال عنهم ربنا أنهم أحرص الناس على حياة، وقد جاؤوا من مختلف أصقاع الأرض طلباً للبنٍ وعدوا به، وعسلٍ منّوا النفس بتذوقه، فإن أحلنا لبنهم خلاً، وعسلهم طيناً، ونهارهم ليلاً، وليلهم قلقاً، فروا فرار الحُمر المستنفرة التي تفر من قسورة، يجب أن نوصل إلى ذهن وعقل كل من يفكر في القدوم إلى بلدنا هذا أنه إنما يأتي إلى مقتله، ويحفر قبره بيده، وأن من سيبقى في بلادنا من محتل وغاصب، فلن نقاسمه رزقنا، ولن نشاركه دارنا، وسنطارده في كل حارة، وسنكمن له خلف كل تلة وخلة، وسنحيل حياته جحيماً لا يطاق، فإن خرج صباحاً فلا يتوقعنَّ العودة إلى بيته مساءً، وإن خرج في المساء، فلن نمهله حتى الصباح، سنجعله يمشى متلفتاً حوله، شاكاً في كل شيء، حتى في ماسورة الماء التي توصل الماء إلى بيته! هل هذا ممكن؟ نعم، وها نحن نراه كل يوم رأي العين، فالضفة تغلي، ومناطق الثمانية وأربعين تتحفز للانقضاض، وغزة تراكم القوة فوق القوة، أما الخارج -كل الخارج- فما خفي أعظم!!  



ثالثاً: توصيات ومقترحات:  

وعليه فإننا ـ محور المقاومة ـ كمعنيين بزوال هذا الاحتلال، وبأن نكون من عباد الله الذين سيجوسون خلال الديار،  مُتبّرين هذا العدو تتبيراً، إننا بحاجة إلى خطة خمسية -ما تبقى لبلوغ الثمانين-  تُبلور معالمها بعقل جمعي، ويفكَر فيها على نحو مؤسسي، وتوضع معالم إجراءاتها بشكل مهني،  تحدد:  

1. المهمة الرئيسية الكفيلة بتحويل هذه العقدة إلى حقيقة ويقين.  

2. مراكز جهدها الرئيسية.

3. ترتيب أولوياتها التنفيذية.  

4. المشاركين الرئيسيين في تفعيلها، والداعمين الثانويين في بنائها.  

5. توزيع الأدوار المهمات بناء على القدرات والأولويات.  

6. آليات متابعة وإشراف على سلامة السير لمنع الانحراف.  

فهذا عدو حوله أعداء، جمعوا خيلهم ورجِلَهم، فَرغوا وتَفرغوا لرمينا عن قوس واحدة، يرون فينا النقيض لهم، وأن معادلتنا معهم معادلة صفرية، لذلك ينجزون -الأعداء- ويحققون فينا الإصابات تلو الإصابات، ونحن إن لم نكن على شاكلتهم في الفعل؛ تفكيراً وتدبيراً وإجراء، فسنطيل لهم البقاء في أرضنا، أرض المعراج والإسراء.
 والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.  







جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023