تداعيات تجديد العلاقات الإيرانية السعودية على إسرائيل

معهد بحوث الأمن القومي

سيما شاين، يوئال غوزانسكي، وإلداد شافيت



أعلنت إيران والسعودية، كوصيفتي العروس للصين، تجديد العلاقات وعودة السفراء إلى الرياض وطهران، والتي ستتم خلال شهرين على أبعد تقدير.

كان الإعلان مفاجئًا في توقيته وأكثر من ذلك في هوية الوسيط، وكجزء من الالتزامات التي أخذها البلدان على عاتقهما، اتفقا على تنفيذ الاتفاقات السابقة، وتجنب تدخل أحدهما في الشؤون الداخلية للآخر، وكذلك إجراء محادثات واسعة حول جميع القضايا الثنائية والإقليمية مع التأكيد على الأمن والاستقرار في المنطقة.

وانقطعت العلاقات بين الاثنتين في عام 2016م، بعد إعدام رجل دين شيعي بارز في السعودية، نمر النمر، الذي كان من أشد منتقدي الأسرة المالكة السعودية.

ونتج عن هذه الخطوة هجوم جماهيري إيراني كبير، يقول البعض تحت رعاية النظام، على السفارة السعودية وقطع العلاقات.

ذروة الخلاف بين الاثنتين كان في هجوم إيران الشديد على منشآت أرامكو في السعودية باستخدام طائرات مسيرة وصواريخ كروز (سبتمبر 2019)، حيث كان هذا الهجوم، الذي عطل مؤقتًا حوالي نصف الطاقة الإنتاجية للنفط، حدثًا حاسمًا للرياض فيما يتعلق بضعفها في مواجهة إيران، وخاصة فيما يتعلق بما اعتبرته الرياض "إهمالًا" من قبل إدارة ترامب التي لم تأتي عسكرياً لمساعدتها.

كل هذا زاد من حدة فهم السعودية لضرورة تنويع ركائزها الداعمة على المستوى العالمي والتحوط من المخاطر على المستوى الإقليمي.

فخلال العامين الماضيين، جرت عدة جولات من المحادثات بين طهران والرياض، بوساطة عراقية وعمانية، في محاولة لتجديد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

وكان في قلب مصالح إيران الرغبة في تنفيذ سياسة النظام كما أعلنها الرئيس رئيسي فيما يتعلق بتحسين وتوثيق العلاقات مع جيرانه، وكجزء من السياسة الأوسع للحد من النفوذ الأمريكي في المنطقة، وتقليل عزلة طهران في المنطقة.

أما بالنسبة للسعوديين، فإن الاهتمام الأساسي يتعلق بالرغبة في إنهاء الحرب ضد الحوثيين في اليمن، المدعومين من إيران، وكذلك الهجمات المباشرة ضدهم، كما حدث في الهجوم على منشآت أرامكو.

عرفت الاتصالات بين الدول صعوداً وهبوطاً عندما اندلعت الأزمة الكبرى نهاية عام 2022، على خلفية الاضطرابات الاجتماعية في إيران، واتهامات طهران للسعودية بأن وسائل الإعلام التي تمتلكها تحرض مواطني إيران، وقام مسؤولون إيرانيون كبار، بمن فيهم وزير المخابرات، بتهديد السعودية صراحةً، وبناءً على معلومات صريحة حول احتمال إلحاق ضرر بأراضي المملكة، تقدمت الولايات المتحدة بسفينة وأرسلت على ما يبدو تحذيرات إلى طهران.

كما اضطرت سلطات المملكة المتحدة، التي تبث على أراضيها قناة "إيران الدولية" الممولة من الرياض، الاعتراف بأنها لا تستطيع ضمان سلامتها في لندن، على خلفية التحذيرات العديدة بإلحاق الأذى بالصحفيين، فاضطرت القناة إلى التحول إلى العمل من الولايات المتحدة.

وكما ذُكر، فإن حقيقة أن الصين كانت هي من ردم الهوة بين البلدين وقادت المحادثات التي أجراها كبار المسؤولين من كلا البلدين في بكين، إلى الاتفاق والإعلان المشترك، أمر مثير للدهشة.

ويأتي هذا الحدث بعد زيارة مهمة قام بها رئيس الصين إلى المملكة العربية السعودية والقمة التي عقدها مع رؤساء دول منظمة التعاون الخليجي، وبعد زيارة رئيس إيران، رئيسي، إلى الصين، والتي كان الهدف الأساسي منها ضمان أنه لم يحدث تآكل في العلاقات الثنائية بعد ما اعتبرته طهران تصريحات مخالفة لمصالح إيران من قبل الرئيس شي.

هذا بلا شك إنجاز دبلوماسي مهم للصين، التي تسعى إلى تعزيز نفوذها على جانبي الخليج الفارسي - في إيران ودول الخليج العربي، وهذا الاهتمام يعبر عن اعتماد الصين الكبير على النفط من كلا البلدين، وضرورة تحسين العلاقات بينهما كجزء من استراتيجية أوسع للحفاظ على الاستقرار الإقليمي.

يعكس الإنجاز الصيني بشكل أساسي زيادة مشاركتها في الخليج، لا سيما في مجال المصالحة بين دول الصقور في منطقة مليئة بالتوترات، وبالتالي يعزز موقفها، على الأقل على مستوى الصورة، في مواجهة الولايات المتحدة، التي كانت لعقود عديدة الحليف الثابت لدول الخليج.

من جهتها هنأت واشنطن رسمياً تجديد العلاقات بين السعودية وإيران، بل وصرح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بأن الرياض أبلغت الإدارة بالمباحثات التي جرت لتجديد العلاقات.

كما شدد المتحدث على أن "الضغوط الداخلية والخارجية، بما في ذلك الردع السعودي الفعال ضد الهجمات من إيران أو وكلائها، دفعت طهران إلى طاولة المفاوضات"، حسب تقدير الإدارة.

وتجدر الإشارة إلى أن تجديد العلاقات بين طهران والرياض يخدم مصالح الإدارة الأمريكية التي تولي أهمية كبيرة لتخفيف التوترات في الخليج وتسعى جاهدة لمواصلة الجهود لتجديد المفاوضات للعودة إلى الاتفاق النووي.

هذا بالتأكيد إذا كان الاتفاق سيؤدي إلى تمديد وقف إطلاق النار في اليمن وربما اتفاقيات أوسع كما يتوقع السعوديون، هذا حتى لو كان التدخل الصيني وإنجاز الدبلوماسية الصينية هادئًا في نظر واشنطن، وهو ما يتبع التحركات الصينية لدق إسفين والاستفادة من الخلافات القائمة بين واشنطن والرياض.

واستمرت هذه الخلافات منذ خيبة الأمل المذكورة أعلاه؛ بسبب عدم الاستجابة بعد الهجوم الإيراني على منشآت أرامكو، واستمرت منذ دخول إدارة بايدن وأيضًا بعد زيارة الرئيس الأمريكي للرياض.

الخطوة التي ترعاها الصين هي خطوة أخرى في سلسلة خطوات بدأت بقطع إنتاج النفط بالتنسيق مع روسيا ومخالفة لطلب صريح من الرئيس بايدن، وكذلك مطالب صريحة للسعوديين نُشرت مؤخرًا في وسائل الإعلام الأمريكية (وول ستريت جورنال) في سياق الضمانات الأمنية والأسلحة المتطورة، وهو ما لم يتضح ما إذا كانت الإدارة مستعدة لترويجه والتقدم فيه، وبالتالي بالنسبة لاستثمارات الصين الكبيرة في إنشاء المدينة الجديدة، خطاب روج له ولي العهد بن سلمان.  

إن إشارة المتحدث باسم البيت الأبيض إلى حقيقة أن واشنطن تواصل مراقبة النشاط الصيني في محاولة لكسب النفوذ والسيطرة في جميع أنحاء العالم، في حين أن رد الفعل على تجديد العلاقات بوساطة الصين، يعكس بشكل جيد وجهة النظر الأمريكية تجاه ما يُنظر إليه على أنه محاولة من الصين بتقديم نفسها كقوة تسعى إلى السلام وصنع السلام.

سارت المملكة العربية السعودية على خطى الكويت والإمارات العربية المتحدة اللتين أعادت العام الماضي إرسال سفيريهما إلى طهران، ومع ذلك، فإن إيران والمملكة العربية السعودية تقودان معسكرات أيديولوجية متعارضة وتقاتل كل منهما الأخرى، بشكل مباشر وغير مباشر، في جميع أنحاء الشرق الأوسط لسنوات، حيث يسعى كل منهما إلى تشكيل المنطقة على صورته الخاصة وتقوية المعسكر تحت قيادته - السنة ضد شيعي وعربي ضد الفارسي.



الإعلان عن تجديد العلاقات محاولة لتخفيف التوترات بينهما وإرسال رسالة "العمل كالمعتاد"، لكن العمل ليس كالمعتاد.

سيستمر الطرفان في رؤية بعضهما البعض كتهديد، وسيعملان على تعزيز نفوذهما في مختلف الساحات، وستستمر إيران في رؤية العلاقات الوثيقة بين الرياض وواشنطن والوجود العسكري الأمريكي في دول الخليج باعتباره تهديدًا لمصالحها، لكن يمكن الافتراض أن تجديد العلاقات سيساهم في خفض مستوى التوتر وربما يمنع تحركات أحدهما ضد الآخر.

من المتوقع أن يكون الاختبار الرئيسي في الحرب في اليمن، والتي تسببت في السنوات الأخيرة في هجمات صاروخية لا حصر لها من قبل الحوثيين ضد الأراضي السعودية حتى وقف إطلاق النار.

ورحب عناصر مقربة من إيران في المنطقة وعلى رأسهم زعيم حزب الله نصر الله وكذلك العراقيون بتجدد العلاقات.

أما بالنسبة لـ"إسرائيل"، فهل يعتبر تجديد العلاقات مفاجأة استراتيجية استخباراتية؟ على أي حال، فإن التحرك السعودي، على الأقل من وجهة نظر عقلية، يعد انتهاكًا لكل من الجهود، التي أعلنها رئيس الوزراء علنًا، للتوصل إلى تطبيع رسمي مع الرياض، وكذلك جهود" إسرائيل" لإنشاء معسكر معادي لإيران في المنطقة.

توضح الخطوة السعودية مرة أخرى مصالحها الجيواستراتيجية الناشئة عن توازن القوى الواضح لصالح طهران.

وعلى الرغم من أن القلق السعودي من إيران لم يتضاءل حتى بعد تجديد العلاقات بينهما، ورغم استمرار الاهتمام بعلاقات أمنية عميقة مع واشنطن، إلا أن هناك تحركًا أخيرًا يعكس فهمًا/ قلقًا من أن الالتزام الأمريكي غير كافٍ، من أن إيران هي بالفعل دولة عتبة نووية وربما في طريقها إلى دولة نووية، و"إسرائيل" لا تشكل شبكة أمان سواء في مواجهة التهديد الإيراني، لذلك، يجب عليها التحوط من المخاطر، وتقليل حدة المواجهة مع منافسها الرئيسي، ومن الأفضل "إبقاء عدوك قريبًا".

علاوة على ذلك، يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن تجديد العلاقات مع السعودية بوساطة الصين سيعزز شعور إيران بالأمن في قوتها للتعامل مع تشديد العقوبات التي تهتم بها واشنطن و"إسرائيل"، في ظل التقدم المقلق في البرنامج النووي الإيراني.

قد تعزز هذه الخطوة أيضًا الجبهة مع روسيا والصين التي تعتمد عليها إيران، رغم كل هذا، لا يوجد تجديد فعلي للعلاقات بين السعودية وإيران، لأنه يمنع التطبيع المستقبلي مع "إسرائيل".

حتى في حالة الإمارات، بعد إعلان تطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، لم يمنع ذلك عودة السفير إلى طهران وتوثيق العلاقات، بما في ذلك العلاقات العسكرية معها.

إن اعتبارات الرياض أوسع ولها لمسة في القضايا المتعلقة بالساحة الفلسطينية، ولقضايا عميقة في العلاقات مع الولايات المتحدة، لا سيما فيما يتعلق بمبيعات الأسلحة والضمانات الأمنية والمكانة الخاصة للمملكة العربية السعودية كحامية للأماكن المقدسة للاسلام.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023