مثلث الرعب الفلسطيني

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

عبد الله أمين

02/ 04/ 2023


أولاً: مقدمة واستهلال:

هل قلت مثلث الرعب الفلسطيني؟ نعم، وبكل ثقة، وبملئ الفيه؛ إنه الرعب الذي بدأ يتشكل في شمال الضفة الغربية، والذي ما فتئ العدو وعملاؤه الخارجين منهم والمحلين، بالحديث عنه، حيث بدأ يصنع لهم صداعاً مزمناً، تداعوا له في (قمة) العقبة ، ثم في شرم  الشيخ، بالمناسبة شرم كلمة فارسية تعني العار، علّهم يجدون له علاجاً يقيهم ألمه، أو حلاً يكفيهم شره، أو يرد عنهم بأسه.

إننا نتحدث عن المثلث التي تتشكل قاعدته من الطريق الواصل بين نابلس شرقاً وطول كرم غرباً، أما ضلعه الشرقي فإنه يتكون من الامتداد بين نابلس جنوباً وجنين شمالاً، وضلعه الغربي فهو بين جنين إلى طول كرم.

إذاً فرأس هذا المثلث هي جنين، وقاعدته نابلس وطول كرم، أما لماذا أطلقنا عليه صفة الرعب؟ فيكفي أن نوصّف منطقة العمليات هذه، وما تحويه وتزخر به من أهداف معادية تجعل من حمايتها والدفاع عنها عامل قلق للعدو.

إن هذه المنطقة فيها ما لا يقل عن 16 مغتصبة وتجمع استيطاني، وما لا يقل عن 18 معسكراً أو نقطة عسكرية أو أمنية معادية، وكلها مرتبطة بحبل سُري يصلها ببعضها بعضاً، إنه شاع 60، وهو من أهم الطرق في شبكة مواصلات العدو البرية الممتدة في طول بلادنا وعرضها، إن هذا الشارع يقطع الضفة الغربية من جنوبها حيث مدينة الظاهرية جنوب الخليل، متوغلاً شمالاً حيث القدس فرام الله، وصولاً إلى عرابة في أقصى شمال الضفة الغربية، لينتهي إلى حاجز الجلمة (اقرأ ملطشة المقاومين) شمال مدينة جنين، قاطعة هذه الطريق مسافة تصل إلى 58 كيلومتر من الظاهرية وحتى الجلمة.

وهو محاط بقرى ومدن فلسطينية لا يعوز أهلها المرؤة ولا الشجاعة ولا امتلاك الأدوات لتحويله إلى مصيدة موت للعدو، كما أن هذه الطريق فيها من الانعطافات والانحناءات، ما يمكن استثماره بحيث تحيل المسير عليه إلى مستحيل، فهو مثلاً يتعرج بشكل حاد في المنطقة الواقعة بين سبسطية وسيلة الظهر، كما أنه يمر في ودياناً ومنخفضات تشرف عليه بشكل مباشر، مما يعني إمكانية الاستفادة من هذه الطبوغرافيا المثالية في أعمال سنأتي على ذكرها لاحقاً، تجعل من المرور منها أو العبور من خلالها كابوساً يومياً للمحتل ومغتصبيه، فواد " دعوق " مثلاً والممتد من المنصورة جنوباً حتى الضمايرة شمالاً، يعد مكاناً مثالياً لأعمال المقاومة، أما عن المرتفعات المشرفة على هذا الشارع في منطقة العمليات هذه؛ فحدث ولا حرج؛ فمن العصاعصة بتجاه الشمال حتى عنزة؛ كلها مناطق مرتفعة مشرفة من الناحية الشرقة على هذا الشارع، الذي يتلوى في بطن الضفة تلوي الثعبان على فريسته.

كما أن نظرة سريعة على خريطة هذه المنطقة تريك أن مرتفعات غرب سبسطية (راكبة ركوب) على هذا الشارع، مما يمنح هذه المرتفعات قيمة قتالية لا تعوض، إن أحسنا استثمارها والاستفادة منها والتماهي معها؛ كيف لا وخلاصة الفن العسكري هي الموائمة والتناغم بين المقاتل والسلاح والأرض، في حركة متناسقة لتنفيذ المهمة في أقصر وقت وأقل الخسائر.

كان لا بد من هذه المقدمة الاستدلالية لنثبت أن مثلثل الرعب هذا ما أخذه اسمه من فراغ، وما هابه العدو من لا شيء، وما اجتمع وسيجتمعون له عملاء الداخل والخارج لفائض وقت عندهم، وهنا يأتي دور هذه الورقة لتقترح على أهل الأرض ما يمكن أن يساعد في مفاقمة خطر هذا المثلث على العدو، وما يمكن أن يقوى أضلاعه، ويشد من عضد العاملين فيه، علّنا بذلك نسهم ولو بكلمة، في مقاومة أهلنا في الضفة الغربية، فننكأ لعدونا جرحاً، ونحقن لأهلنا دماً.


ثانياً: طبيعة الأهداف المعادية في المنطقة:

إن منطقة العمليات هذه غنية بمختلف الأهداف التي يمكن أن يتم العمل عليها بحيث نلحق بالعدو خسائر لا تعوض، ونفرض عليه حالة من الخوف والاستنفار واللاستقرار الدائم، التي تحيل حياة جنوده ومغتصبيه إلى جحيم، ففي هذه المنطقة من المغتصبات ما جئنا على ذكر عدده، مما عني أن هذه التجمعات المعادية يمكن أن تكون أهدافاً لعمليات الاستنزاف التي تشنها المقاومة ضد عدوها، كما أن فيه من القواعد العسكرية مختلفة الأحجام والأدوار، بحيث تصلح أن تكون هي أيضاً أهدافاً لعمليات الكر والفر، التي يمارسها المقاومون في مواجهة هذه العدو الصائل، وما مثال حاجز الجلمة عنا ببعيد، فقد أحاله المقاومون إلى محج ومزار وهدف لتجريب أسلحتهم وضبط رمايتها.

إن هذه المعسكرات والنقاط العسكرية حتى تصل إلى أهدافها، أو لتتنقل بين بعضها البعض، فإنها مجبرة على سلوك الطرق التي تشكل شبكة مواصلاته الرئيسية في منطقة العمليات هذه، ومن أهم هذه الطرق الطريق 60 كما قلنا سابقاً، فهي تعد شريان الحياة للنقاط العسكرية و(الاستيطانية) تلك، وعليه فإن العدو إذا ما أرد أن ينتقل من قاعدة أو معسكر إلى آخر في هذه المساحة، فإنه لا بد سيسلك هذه الطريق، وهنا يمكن أن يُصاد عليها وفيها، وتوقع فيه الخسائر الجسام، كما أن مغتصباته التي تنتشر في هذه المنطقة؛ ليس لها طرق تسير عليها وتتصل فيما بينها خارج شبك المواصلات المعروفة في ساحة العمليات هذه؛ والتي من أهمها أيضاً شارع 60 ومتفرعاته، لذلك يمكن أيضاً أن توضع الخطط والتدابير لإلحاق الخسائر في هؤلاء المغتصبين وهم يسلكون هذه الطريق، ويستخدمونها؛ ليلاً ونهاراً.

إن البعض يظن أن هذه الأهداف المنتشرة في منطقة العمليات هذه، والتي يشكل عصبها الرئيسي مغتصبات العدو ومعسكراته، يعتفد البعض أنها من الأهداف الصلبة المحصنة صعبة المنال، والتي لا يمكن الوصول لها دون خسائر في العتاد والأرواح، وهذا التوصيف إن كان في بعضه صحيحاً؛ فإنه في كله ليس دقيقاً، الأمر الذي سنتحدث عنه في العنوان التالي حول طرق العمل الممكنة في منطقة العمليات هذه.    

ثالثاً: طرق العمل الممكنة:

بعد أن وصفنا منطقة العمليات بهدف التدليل على أهميتها، وكف أنها تمثل صُداعاً للعدو ، ورعباً يقض مضجعه، وبعد أن تحدثنا باقتضاب عن طبيعة ما في هذه المنطقة من أهداف، وأنه وإن بدت من أنها من النوع الصلب المحصن؛ إلّا أنه يمكن اجترح طرق عمل توقع في هذا العدو خسائر بشرية ومادية، وتضعه تحت ضغط نفسي ومعنوي، تحيل حياته وحياة مغتصبيه في مغتصباته تلك إلى جحيم لا يطاق، تجعلهم يفكرون ملياً في جدوى البقاء في مثلث الموت هذا.

وهنا سنتحدث أيضاً بإيجاز يفهمه أصحاب الاختصاص، ولا نظنه غائباً عن المقاومين المنتشرين في طول هذا المثل وعرضه، حيث تتشكل طرق العمل من بعض التكتيات الآتية:

كمائن النار:

إن شبكة الطرق التي تنتشر في طول هذا المثل وعرضه، توفر أفضل الفرص لعمل الكمائن بتختلف أنواعها النارية والبشرية، لقوات العدو التي تتحرك عليها، أو تستخدمها للوصول إلى أهدافها أ، كما أن المغتصبين لأرضرنا الذين يترددون من وإلى مغتصباتهم في هذه المنطقة، يشكلون أهدافاً أقل صلابة مما يتصور البعض، بحيث يمكن أن تُلحق بهم خسائر معتبرة أثناء تنقلهم على هذه الطرق. وهذه الكمائن من الممكن أن تكون من النوع المخطط له مسبقاً بحيث يتم رصد الأهداف وجمع المعلومات عنها، من ثم عمل الكمائن المناسبة في المكان المناسب لهذه القوات، كما ويمكن أن تكون الكمائن من النوع السريع المستعجل، بحيث تنصب للعدو كمائن النار بمجرد أن يُعلم عن حركته، أو يبدأ في الانتشار في مناطق هذا المثلث المختلفة.    

الغارات السريعة:

كما تشكل الغارات السريعة نمطاً مهماً من أنماط العمل الممكنة ضد هذه الأهداف المنتشرة في هذا المثلث، فهو كما ذكرنا سابقاً يزخر بالأهداف التي تجعل المناورة عليها، وتناوب ضربها أمراً لا يمكن توقعه من قبل العدو، فبدل من أن (نحج ونرحل)، كل يوم مثلاً على حاجز الجلمة الذي ناله قسطاً وافراً من نار المقاومين، لماذا لا نجرب ضرب بؤرة الاستيطان "حفات جلعاد "؟ وهي الملاصقة للشارع 60، بحيث يمكن استهدافها أثناء الحركة والمرور السريع  بمحاذاتها، أو لماذا لا نفكر في ضرب بؤرة "سنيه يعقوب" أو غيرها من المغتصبات وبؤر الاستيطان التي تزخر فيها منطقة العمليات هذه، عندها لن يستطيع العدو توقع لا الزمان ولا المكان الذي سنضرب فيه، عوضاً عن تكرار (تلطيش) حاجز الجلمة كل ما (دق الكوز بالجرة)، ماذا عن الإغارة على معسكرات العدو ونقاطه العسكرية في هذه المنطقة، فهي ليست قليلة، ويمكن تخيّر اللين منها فيُغار عليه ، بدءاً من معسكر "كفار تبواح" غرب شارع الستين، والذي يبعد عنه 200 متر مروراً بالـ"جت" الملاصق له من جهة الشرق، وليس انتهاءً بمعسكر "سالم"، وكلها أهداف يمكن العمل عليها، والتخطيط للإغارة عليها، والتناوب على التعرض لها، بحيث لا يتوقع العدو متى وأين سيُضرب، هل هذا ممكن؟ نعم ثم نعم ثم نعم.    

عمليات الرمية الدقيقة على الأهداف الثابتة والمتحركة :

كما أن الرمايات الدقيقة على الأهداف الثابتة والمتحركة تعدُ نوعاً من أنواع العمليات الممكن إجراؤها ضد هذا العدو، فهي الرمايات الدقيقة إن تصب هدفاً، فإنها ستوجد رعباً، على عكس رمايات الأعراس والـ(فاردات)، نحن بحاجة إلى رباطة جأش، وقوة عزيمة، وشجاعة لا تضاها، وكلها موجود في مقاومينا في الأرض المحتلة، نحن بحاجة لمثل هذه الصفات حتى تجدي نيراننا، إن رصاصة واحدة تصيب مركبة متحركة في مقتل، إطارها مثلاً يمكن أن تجبي من العدو خسائر تجعله يفكر ألف مرة قبل أن يعود للحركة مرة ثانية على شارع ما، أو طريق معين.

كما أن رصاصة دقيقة الرماية من قناص محترف يمكن أن تفرض حظراً للتجول في مغتصبة كاملة، أو تفرض انتشاراً واستنفاراً في معسكر أو نقطة عسكرية من نقاط العدو، ومثل هذه النتائج، الخسائر البشرية، والضغط النفسي على العدو، أمور مطلوبة لذاتها، ويمكن أن يراكم عليها، لنوصل العدو إلى حالة يأس من البقاء في أرضنا، أو على الأقل نجعل حياته نكداً في نكد، ومقامه في أرضناً كمداً، بعد أن ظن أنه سكون رغداً.

العمليات الباردة:

أما عن العمليات الباردة، فيمكن الحديث مطولاً، فمن سكب الزيت على الطرقات والمنعطفات ، إلى نثر القطع المعنية الحادة، من مسامير وبراغي، لثقب إطارات السيارات، إلى وضع العوائق والمطبات، على الأكواع والمنحنيات، مروراً بتخريب الشوارع والممرات، كلها من عمليات المقاومة الباردة التي تفرض على العدو تحدياً يجبي منه أثماناً مادية ونفسية لا تطاق.

كما أن مثل هذه العمليات الباردة، يمكن أن تكون تمهيداً وتحضيراً للعمليات الساخنة، بحيث توجد هذه العمليات الباردة بيئة قتالية مناسبة، للمقاومين فيها الأفضلية على عدوهم، فيوقعون به الخسائر، ويجبون منه الأثمان.

هذه كانت بعض طرق وتكتيكات العمل التي يمكن أن يقوم به المقاومون ضد عدوهم في منطقة العمليات هذه.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هذه العمليات سوف تكسب المقاومين خبرات عملياته، وصلابة نفسية ،هم في أشد الحاجة لها؛ بشرط أن تتم دراسة وتقييم كل عمل يتم القيام به، لتُستخلص منها الدروس والعبر ، فلا نكرر أنفسنا، ولا نصبح كتاباً مقروءاً لعدونا.


رابعاً: القدرات المطلوبة:

نصل إلى القدرات المطلوبة للقيام بمثل هذه العمليات، إنطلاقاً من أن العمل العسكري عبارة عن أهداف ووسائل وطرق عمل، وحيث أننا تحدثنا عن الأهداف وطرق العمل؛ يبقى أن نشير إشارة سريعة إلى الوسائل، وهي من الأمور الممكن الحصول عليها دون كبير عناء، فمنطقة عملياتنا هذه وما فيها من أهداف (مدنية) وعسكرية، لا تتطلب امتلاك منظومات نار متطورة، ولا وسائط قتال معقدة، ولا فوهات نار ثقيلة، إنها أهداف من الليونة بمكان بحيث أن مسدساً محشواً بـ 14 رصاصة، يمكن أن يوقع على الأقل خمسة قتلى في سيارة تسير على منعطف حاد، بعد أن أبطأنا سرعتها بما وضعناه لها من عوائق ومطبات، كما أن بندقية M16 تزود بمنظار يمكن أن تعمل أفضل من قناصة شتاير ذات متى بعيد، بشرط أن نعرف متى وكيف وأين نُشغّل هذه القدرات، كما أننا لسنا بحاجة إلى سريا ولا كتائب تنتشر في طول هذه المنطقة عرضها، وإنما نحن بحاجة إلى مجموعات مكونة من ثلاثة عناصر على أكثر، يرصد أحدهم الهدف ليطبق عليه الثاني، ويحمي ظهرهما الثالث، والسلام.

إن مثل هذه التركيب للقدرات، يعني إمكانية نشر أكثر عدد من هذه المجاميع المقاتلة لتغطى أكبر مساحة في مثل الرعب هذا، بحيث نجعل عدونا يتوقعنا في كل مكان وفي كل زمان، عندها نفقده حس السيطرة، ونسلبه ميزة التفكير المنظم، ونحشره في مربع رد الفعل، ونجعله بدل أن يسأل: أين العدو؟ يسأل: من العدو؟ وهذا التحول العملياتي في سلوك العدو سوف يرهقه ويستنزف قدراته.

خامساً: السياسات والضوابط:

أما عن السياسات والضوابط التي يمكن أن تساعد في تنفيذ مثل هذه التوجيهات، فيمكن ذكر أهمها، وهي على النحو الآتي:

الحفاظ على الذات أصل تجب رعايته.

جمع المعلومات قبل وأثناء وبعد أي عمل، أمرٌ مهمٌ للتخطيط واستخلاص العبر والدروس، ومراكمة الخبرات وتطوير المهارات.

الانتشار في مساحة المثلث كلها، بحيث يصعب العثور علينا.

ترك العراضات والاستعراضات، وليتحدث الفعل عن نفسه.

توزيع الجهود على كامل منطقة العمليات، وعدم قصرها على أهداف بعينها.

هذه بعض الأفكار والمقترحات، التي نعتقد أن بحثها من قبل أهل الأرض، والمقاومين في الضف الغربية؛ من الممكن أن يحيل هذا المثل إلى مثل "برمودا" بحيث يبتلع كل من يقترب منه، في مسار يفضي إلى جعل العدو يفكر بجدية من جدوى بقائه في هذا (الثقب) الاسود، كما يساعد تطويرها "الأفكار" في تشكيل مثلثات أو مربعات أو دوائر مقاومة أخرى، في مسيرالنصر والتحرير، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.  

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023