تطبيع الحكام ووعي الشعوب

د. ناصر ناصر

كاتب وباحث سياسي

تطبيع الحكام ووعي الشعوب 
بقلم ناصر ناصر 
4-9-2020 

نقلت صحيفة هآرتس أمس الخميس 3-9-2020 أن مفاوضات نشطة بين ابن سلمان وكوشنير تجري في هذه الأثناء في محاولة للوصول إلى صفقة تطبيع مع إسرائيل مقابل رزمة مطالب عسكرية وسياسية سعودية، كما أعرب البرفسور تسفي بار ايل في هآرتس عن اعتقاده بأن فتح سماء السعودية يبدو كعربون سعودي أولي لصفقة مع الولايات المتحدة تتراكم في هذه الأيام في سباق مع الزمن قبل الانتخابات الأمريكية ، وأضاف قائلاً بأن ولي العهد السعودي ابن سلمان يسعى لتحسين صورته في واشنطن ، والتي تضررت بسبب سياساته.


وأضاف بار ايل أن الإتفاق بين الإمارات وإسرائيل هو انطلاقة حقيقية قد تغير وعي الشرق الأوسط تجاه إسرائيل، ولكن الأمر بحاجة للسعودية كي تصبح صفقة القرن ممكنة من الناحية الواقعية. "انتهى النقل عن هآرتس"

من الممكن القول أن المراهنة الأمريكية الإسرائيلية الإماراتية على تغيير وعي الشرق الأوسط تجاه اسرائيل هي مراهنة محكوم عليها بالفشل؛ فالوعي يتعلق بالدرجة الأولى بشعوب المنطقة وليس بحكامها المستبدين والمرفوضين من قبل هذه الشعوب المقهورة، فإسرائيل كانت وما زالت وستبقى دولة استعمار استيطاني كولونيالي بُنيت على أنقاض الشعب الفلسطيني المظلوم بعد أن مارست التطهير العرقي والعنصرية بناء على مقولات دينية توراتية أسطورية مضللة بدعم من قوى غربية استعمارية: بريطانيا وأمريكا تحديداً ،والتي كانت تهدف لشلّ الجسد العربي والاسلامي بزرع كيان غريب في قلبه، هذه النظرة لن تتغير على الأرجح والتجربة برهان على ذلك، فهذه عملية أوسلو التي قامت على فكرة حل الدولتين بصورة أو بأخرى لم تنجح في ذلك، بمعنى آخر فجزء من الفلسطينيين قد يقبل حل الدولتين سياسيا وكأمر واقع لا بد منه، أما من حيث الوعي والذاكرة والضمير الفلسطيني فإسرائيل ستبقى صانعة نكبة الفلسطينيين وسبب تشتتهم في البقاع. 
أما بالنسبة لجزء كبير آخر من الشعب الفلسطيني والغالبية الساحقة من شعوب العالم العربي والاسلامي فالإعتراف بإسرائيل مرفوض ، والحل الوحيد المطروح هو حل الدولة الفلسطينية الواحدة التي يعيش فيها كافة المواطنين بشكل متساوٍ دون تمييز في الدين والعرق والجنس. 
وهذه مصر أيضاً لم يتغير فيها وعي الشعب المصري رغم مرور عشرات السنين على مايسمى اتفاقية السلام مع السادات، رغم ما يعانيه هذا الشعب من مشاكل إقتصادية واجتماعية وسياسية جمّة. 
فهل سينجح ابن زايد وابن سلمان فيما عجزت عنه أوسلو واتفاقية السلام مع مصر والأردن ؟ 
بالطبع لا ، وفي المقابل هل سينجحان في تحقيق مكاسب سياسية معينة؟ قد يحققان مكاسب ضيقة تخدم بقائهم على الكراسي، ولكنها بثمن دفن ما تبقى من قيم العروبة والاسلام وعلى حساب آلام وجراح الشعب الفلسطيني ومقدسات الأمة وعلى رأسها القدس والمسجد الأقصى؛ فليطّبع الحكام إذن ، أما وعي الشعوب فلا تملك آلات القمع والاستبداد قوة لتغييره .

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023