جريح الأقصى.. الأسير أيمن الكرد

إسلام حامد

باحث وأسير فلسطيني

بقلم الأسير/ إسلام حسن حامد

05/04/2023


بكلمات بسيطة، أحببت المسجد الأقصى منذ طفولتي، مع الغياب صِرتُ مُتيّمًا به أكثر، كأنه الروح التي تملأني بجمالها، وريح مسكها، وَجدِي وكُلِّي، أذوب فيه وأحيا معه بالهيام.

في ذلك اليوم 19/09/2016، عند التاسعة صباحًا وقفت مستذكرًا كل الذكريات الجميلة، أمي، أبي، إخوتي، طفولتي، أحلامي.

بكيت للحظة، وقلبي تتسارع دقاته، حرارة غريبة تسري بأوصالي، وسيلٌ من الأفكار تصارعني،

حشدت جوامعي والتقطت انفاسي ثم مشيت!

وهناك الخطاب الأثيم بيني وبين نفسي، أوشَكت أن أتوه، تتلّوى ذاتي بأجنحي، كأنها فجأة الموت. لكن تفجّرتُ في آية المولى وهو يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ}، حينها قلت: والكون قد توقف عندها، سأُعلي اليوم كلمة الله.

بدون أي حسابات، أو خطة، تقدير موقف أو قراءة للصورة، قادني القدر والهوى فيه إلى باب الزاهرة، صهيونيان من بغاث الناس، يلبسان الموت وينتعلان الحقد، يتموضعان بنفسيهما كعائق أمام السور، صنمي حراسة لكيان أجوف من كل المعاني، ينكلان، يزجران، يصرخان في وجه عجوز فلسطينية، أشرقت لها أنوار الدنيا، وهي تشُدّ الخُطى إلى الأقصى، مهلِّلة ومسبحة، ترنو الوصول إلى مسجد القبة الذهبية، لتحجز مكانها، يمين المحراب، وأمامها المصلى القبلي، تستذكِر ذلك اليوم الذي وقف صلاح الدين الأيوبي فيه فاتحًا، إن كانت ستراه قريبًا لتمسح عن وجنتيها دمعة الفرح بنصر الله الذي اقترب.

من جديد تعود الأفكار الغريبة، تساءلتُ إن كان لي أن أستهدف أيضًا تلك الشرطية؟ لا أدري، لكنها تتمترس بالسلاح، وجبينها قاطب بالغضب، فلماذا لا أستهدفها؟!

أقف، أتنهّد من بعيد، مشاعر في القلب تأخذني إلى جلال الله، ثم نشيد للمقاومة، أستنفرُ من حالي، وأستلُّ سكِّيني، تقتحمني المعركة، وأصوات التكبير تضج في الكون، زلزلة كما الساعة عند قيامها.

ثبات من الله لا جرأة مني، طاقة غريبة تدفعني للمواجهة، وبشيء من البساطة سألت نفسي إن كان مناسبًا أن أتناول وجبة الفطور من عدمه؟ فقلت: ستكون في الجنة.

بلمح البصر أو أسرع من ذلك، انتهى المشهد في طريقي إلى الله، لأصبح أسيرًا، مضرجًا بدمائي، وشلل أقعدني الفراش.

يا قارئي لا تحزن!!

أنا صابر مرابط في أسري كما الأمس، في المعركة، في وجه الموت، واليوم أتحدى ألمي والاحتلال معًا.

فأنت مَن تتحدّى؟

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023