الردع الاستراتيجي مقابل التهديد الاستراتيجي

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

بقلم:
الخبير الامني والعسكري:
عبد الله أمين  

16 04 2023

أولاً: قاعدة الحديث وأرضيته:  

إن المتابع للشأن الصهيوني؛ يرى ويسمع ويقرأ في الآونة الأخيرة، وبشكل متكرر ما بات يردده قادته من أن تآكلاً في ردعهم لعدوهم قد حصل،  وأن عدوهم ما عاد يهابهم، وأنهم باتوا يواجهون أعداءً (اقرأ مقاومة) لا تعبأ بتهديدهم، ولا بزبدهم فضلاً عن رغائهم، وأن جيشهم وأجهزتهم الأمنية تواجه جيلاً فلسطينياً على عكس ما وعدهم به " دايتون " أو " فيتزل " من بعده؛ جيلاً يتعمد الاحتكاك بهم، وتقويض اسطورة جيشهم الذي لا يقهر، جيلاً تمرس التعرض لهم و(تلطيش) حواجزهم ونقاطهم الأمنية، والـ (حركشة) بمغتصبيهم على الطرقات وفي الممرات، لكن كل هذا في كفة، وأن تتوحد ضدهم الجبهات الداخلية والخارجية في جهد مقاوم واحد، في كفة ثانية، أن تتجرأ عليهم غزة المحاصرة منذ عقدٍ أو يزيد؛ فتقصف عمق فلسطين المحتلة بمئات الصواريخ، وتفرض على مغتصبي مدننا وقرانا حظراً للتجول، دون خوفٍ أو وجلٍ من ردة فعل هذا العدو الغاصب! فهذه لعمرو الحق كبيرة!! وأن تنهض مجموعة من المقاومين من خارج فلسطين فيصلونهم بصلية صواريخ من هنا وأخرى من هناك، دون أن يرف لهم جفن! فهذه الكبيرة بعينها! كيف لا وهم على زعمهم القوة النارية الأولى في منطقة غرب آسيا، كل هذا وما (خفي أعظم) هو ما حمل رئيس حكومتهم المأزوم "نتنياهو" للخروج من مقر وزارة الدفاع ببيان صحفي (مخصي ) يقول في خلاصته أن  ردعهم قد تقوض، وأنه سيعمل على إعادة ترميمه ولو طال الزمن، وأنه ينذر من تسول له نفسه بمعاودة التعدي عليه وعلى كيانه المؤقت، ينذرهم بالويل والثبور وعظائم الأمور، ولكن (على بال مين يلي بترقص بالعتمة)، حيث لم يعبأ له من يفترض أن يعبأوا به، وأن ترتعد فرائصهم من عنترياته، وردوا عليه قائلين : (روح بلط البحر) و (أعلى ما في خيلك اركب) و(أحمض ما عندك اطبخ)، فقد ولى عصر الهزائم وجاء عصر الانتصارات؛ من غزة إلى لبنان فالضفة المنتفضة إلى باقي ساحات المواجهة.  

إن أصل هذه الورقة جاء للحديث عما يمني ويعزي به العدو نفسه من أن "ردعه الاستراتيجي " كما عبر عنه الجنرال " عاموس يدلين " لم يتضرر!! وأن ما تضرر هو "الردع التكتيكي " وأن أول خطوة في طريق ترميم ما تضرر هي وقف مسار الإصلاح القضائي الذي أوصل الأمور إلى ما وصلت له ـ على حد زعم هذا الجنرال ـ، تأتي هذه الورقة لتطرح مفهوم " التهديد الاستراتيجي " في مقابل " الردع الاستراتيجي " لتدلل على أن ما تضرر لن يعود إلى ماكان عليه من قبل، بل سيسير في مسار تنازلي، وأن صورة هذا العدو التي تهشمت بفعل المقاومين في مختلف الساحات، لن يعاد إصلاحها ولا بث الروح فيها من جديد، حيث ستناقش هذه الورقة هذين المفهومين عبر مجموعة من العناوين الفرعية، بحيث يتم تعريف " الردع الاستراتيجي " و " التهديد الاستراتيجي "، ثم ستتطرق وبشكل سريع إلى مرتكزات نظرية الأمن القومي الإسرائيلي، ثم ستعرض أهم الأسباب التي قوضت "ردع " العدو، ثم نختم بأهم معالم " التهديد الاستراتيجي" التي تجعل هذا العدو مرعوباً في مكان ـ غزة ـ، ومردوعاً في آخر ـ لبنان ـ.

لكن قبل أن نخوض في تفاصيل هذا الموضوع، من المناسب أن نعيد تنشيط الذاكرة حول ما حفلت به لجان التحقيق التي حققت ودققت في إخفاقات العدو بعد حرب تموز 2006 حيث ركزت معظم تلك اللجان على أنهم ما كان ينبغي لهم أن يخوضوا تلك الحرب، وأنه كان يكفي أن يتم تسديد ضربة موجعة لـ "حزب الله " في الجنوب اللبناني، تجبي منه أثماناً على ما قام به من خطفٍ، ثم يفسح المجال أمام الجهود السياسية والدبلوماسية لحل ملف الخطف والأسر، دون تعرض الآلة العسكرية الصهيونية لاختبار جدارة، وفحص قدرة، تخرج منه خالية الوفاض، مهشمة الصورة، مكشوفة الـ (عورة )، ظاهرة على حقيقتها أمام أعدائها، وإذا بهم ـ المقاومون ـ  أمام جيش يبذل قصارى جهده، مدعوماً بمختلف وسائط النار؛ الجوية والبرية البحرية، ليغرس علماً في مدينة لا تبعد عن حدود فلسطين المحتلة الكيلومترين؛ فيخفق  في إنجاز المهمة!، إن الكاتب يرى أنه من هنا بدأ تآكل الردع الصهيوني، والذي ـ التآكل ـ بنت عليه المقاومة الفلسطينية حساباتها من أن هذا العدو ليس كما يُصور لنا، وليس كما يريدنا المنهزمون أن نراه فنتقي شره، فزادت ـ المقاومة الفلسطينية ـ من تهشيمه وتحطيم صورته على مدار معاركها التي خاضتها معه منذ 2008 وحتى 2021، حين استل "سيف القدس ". 
إذاً لم يبدأ تآكل الردع ولم (يقوض) مع بدء مسار التعديلات القانونية في جهاز القضاء كما يزعم الجنرال " يادلين " وباقي محللي الشؤون الأمنية والعسكرية الصهاينة، بل قبل ذلك بسنوات. كانت هذه الاستفاضة مطلوبة حتى نبني هذه الورقة على أرضية صلبة، وحتى لا نقع أسرى لمفاهيم ومنطلقات يريدنا العدو أن نقع فيها ونبقى ندور في حلقاتها المفرغة.

ثانياً: تعريف المفاهيم:  

1. الردع الاستراتيجي :  

الردع هو حالة نفسية وذهنية مبنية على وقائع ومعطيات مادية، وسوابق تاريخية، يفرضها أحد المتنازعين على الآخر، بحيث يوصله إلى قناعة بأن ما سيجنيه من مكاسب جراء اعتدائه أو حربه، هي أقل بكثير مما سيلحق به من خسائر وأضرار نتيجة لعدوانه، فيحجم المعتدي عن اعتدائه، ويبحث عن سبل ووسائل غير عسكرية توصله إلى أهدافه، وتحقق له مبتغاه.  

2. التهديد الاستراتيجي:  

التهديد هو الموقف أو الفعل الذي يحمل في طياته خطراً مُحرَزاً ؛ يرى معه طرف ـ حقيقي أو حقوقي ـ  ما أنه إن وصل له ـ للموقف ـ أو تجمعت نذره ومؤشراته، فإنه سيتعرض إلى مخاطر ذات مصداقية، تؤثر على أصل وجوده المادي والمعنوي، وستقوض مصالحه الحيوية التي يقوم عليها بناؤه،  ويشيد عليها عمرانه.  

هذا باختصار شديد ودون الخوض في تفاصيل هذه المفاهيم النظرية والتعبوية، وكيفية تشكلها ومسار بنائها.  


ثالثاً: ركائز نظرية الأمن القومي الصهيوني:  

لقد بنى عدونا المحتل لأرضنا نظرية أمنه القومي على مجموعة من الاعتبارات فرضتها عليه طبيعة فلسطين الجغرافية، ومكونات كيانه الديموغرافية، وشبكة علاقاته السياسية، وطبيعة التهديدات المتصورة التي تواجهه، فكانت ركائز أمنه قائمة على قواعد من أهمها ما يأتي:  

1. الردع:

فهو ابتداء معنيٌ بأن لا يفكر أعداؤه بالعدوان عليه، عن طريق ردعهم وتخويفهم والتلويح لهم بعصا عقابه الطويلة؛ اختصاراً للمشاكل، ودحراً للتهديد، ومنعاً له من الخروج لحيز التنفيذ، لتجنب الخسائر قبل وقوعها، فالوقاية في نظره خيرٌ من العلاج.  

2. الإنذار:  

فإن لم يرعوي العدو عن عدوانه، وبقي مشرئب الرقبة للاعتداء؛ يُنذَر عبر وسائل  وطرق الإنذار والاشعار الممكنة والمتصورة لوقف اندفاعه، وسد ذرائع عدوانه، أيضاً لتجنب أكلاف حرب يمكن أن تقع، وعدوان يمكن أن يشن.  

3. الحسم:  

فإن لم يفلح الردع أو الإنذار؛ فإن العدو بنى فرضية أمنه على أنه قادر على شن عملية عسكرية حاسمة يحيّد فيها التهديد، ويقضي على مصادره البشرية المادية، في أسرع وقت وأقل الأكلاف.  

4. الدفاع:  

وبعد تعاظم قدرات المقاومة في داخل فلسطين وخارجها، وبعد تزايد مستوى التهديدات والمخاطر الناجمة عنها التي بات يشعر بها العدو، ويحسها على جلده، وبعد ما شهده هذا الكيان من تطور ونمو في مختلف مناحي الحياة، وحتى يحافظ على نمط عيشه ويحمي أصوله الاستراتيجية؛ أدخل على نظرية أمنه مبدأ الدفاع، والذي بنى له أجهزة ومنظومات يعتقد أنها كفيلة بخفض منسوب التهديدات والحد من مخاطرها في حال تعرضه لأي عدوان من أي عدو في دوائر ( أمنه ) الثلاث.  

هذا أيضاً وباختصار شديد ما يمكن ذكره حول دعائم وركائز الأمن القومي لهذا الكيان المؤقت، ودون الإغراق في التفاصيل التي يطول شرحها، أما عن أسباب تقوض الردع المعادي، فنأتي عليها في العنوان التالي.

رابعاً: أسباب تقويض الردع الصهيوني:  

قد يتبادر إلى أذهان البعض أن ( شيخوخة ) هذا الكيان المؤقت، وما يعصف به من خلافات داخلية، هو ما حمل أعداءه (اقرأ المقاومة) على التجرؤ عليه، وإن كان هذا صحيحاً في بعضه، إلّا أن عوامل أخرى هي ما ساعد وبشكل رئيسي في عملية تآكل الردع المعادي والتي من أهمها ما يأتي :  

1. مقاومة تملك قدرات بشرية ومادية ذات مصداقية:

إن أول هذه العوامل هو وجود مقاومة في داخل فلسطين وخارجها قرأت هذا العدو بشكل صحيح، فعرفت نقاط قوته ومكامن ضعفه، وعلمت أن مثل هذا العدو لا تجدي معه الخطب الرنانة، ولا المظاهرات الحاشدة، وأن الحديد لا يفله إلّا الحديد، وأن أكلاف الصبر والمقاومة أقل بكثير من تبعات الهزيمة والاستسلام، فحسمت أمرها، وتوكلت على ربها، ثم على شعبها، وسارت في مسير بناء قوتها، فراكمت قوة إلى قوة، وخبرة إلى خبرة، وبدأت الاحتكاك بهذا العدو، متدرجة في تخير أهدافها، وخوض معاركها، إلى أن وصلت إلى ما وصلت له الآن، حيث أصبح هذا المحتل الصائل ينظر لها على أنها تهديدٌ استراتيجيٌ، ذو مصداقية، لا يجب الاستهانة به، فَرُعب منها في مكان، ورُدع منها في آخر.  

2. قرار تشغيل هذه القدرات:  

إلّا أن امتلاك القدرات وحده ليس هو ما دفع إلى تآكل ردع العدو فقط، ففي المنطقة من الدول ما لو حشدت ما لديها من قدرات بشرية ومادية لغطت بها عين الشمس، ولأغرقت العدو بها دون استخدامها، ومع ذلك لا يأبه هذا المحتل لهذه القدرات، ولا يضعها في حسبانه، فهي قدرات (مخصية ) لعدم توفر قرار لتشغيلها، على عكس ما لدى قوى المقاومة ـ الشعبية والرسمية ـ التي تواجه هذا الكيان المؤقت، حيث أن قرار تشغيل هذه القدرات جاهز ولا يتطلب كثير عناء، فهي قدرات أعدت للقتال لا للاحتفال، وهذا ما يعيه العدو وبشكل دقيق، بل ذاق بأسه، واصطلى بناره، وعلم أن قوى المقاومة هذه (ما بنمزح معها) فقرار الفعل عندها أسهل من شربة الماء، فرُعِب ورُدِع وارعوى، وهذه هي أول طريق الزوال وبداية طريقة التبار.    

3. قدرة على تحمل الأكلاف:

ومع ما تملكه قوى المقاومة من قدرات، وحضور قرار تشغيلها، تملك أيضاً بيئة شعبية حاضنة رأت إنجازاتها ـ المقاومة ـ وعلمت أنها لا تَعد بما لا تفي به، وأن تحمل أكلاف مقاومة العدو؛ مهما عظمت؛ إلّا أنها تبقى أقل بكثير من أكلاف وتبعات الاستسلام له، والنزول عند رغباته، فآثرت المقاومة، وتحمل نتائجها، مفوضة الحاضنة الشعبية قيادة المقاومة أمر تشغيل قدراتها، والتي عصبها الرئيسي من أبنائها وبناتها، غير ضانة بهم، ولا مدخرة لهم، فارتفع مستوى تحمل الأكلاف لدى هذه البيئة، فنزعت من عدوها أهم عامل من عوامل الردع ، ألا وهو التهديد بإيقاع الخسائر في بيئة المقاومة، وجبي الأرواح منها، ومصادرة أو هدم ممتلكاتها وأصولها، فنزعت بذلك (أسنان) آلة العدو العسكرية، فتآكل ردعه وقوضت هيبته.  

هذه هي بعض أهم العوامل التي ساعدت على تآكل الردع المعادي. أما ما جعل ردعه يتقوض ـ والحق ما شهدت به الأعداء ـ فهو " التهديد الاستراتيجي " ذو المصداقية الذي تمثله قوى المقاومة ـ الشعبية والرسمية ـ على هذا العدو، والذي سنأتي على ذكره في العنوان التالي:    

خامساً: مصاديق التهديد الاستراتيجي ومعالمه الرئيسية:  

لا يكفي لترعب عدوك أو تردعه، أن تملك قدرات قتالية بشرية ومادية تشكل تهديداً لعدوك مالم يكن لديه تصورٌ واضحٌ عما تشكله هذه القدرات عليه من تهديد ومخاطر، يرتعب عندما يتذكرها، ويرتدع عندما يفكر بها، وهنا سنأتي على أهم مصاديق هذه التهديدات والمخاطر التي تشخص أمام العدو عندما يتصور تشغيل قدرات المقاومة في أي مواجهة معها، فيحسب حساباته، ويرتدع عن اعتدائه، ومن أهم هذه التهديدات ما يأتي:  

1. تهديد ضرب الأصول المادية الاستراتيجية للعدو:  

إن أول تهديد يشخص أمام هذا العدو عندما يتذكر قدرات المقاومة ـ البشرية والمادية ـ ما يمكن أن يلحق به من خسائر حقيقية في أصوله الاستراتيجية؛ السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية،  ومراكز ثقله التي يقف كيانه عليها، وقد رأى جزءاً يسيراً مما يمكن أن تسببه له نيران المقاومة ـ البعيدة منها والقريب ـ من أضرار، وما خفي أعظم مما بدا، لذلك بدأ يعيد حساباته، ويكثر من مشاوراته قبل خروجه لأي عمل أو رد فعل على فعل المقاومة.  

2. تهديد ضرب الأصول البشرية للعدو:  

أما التهديد الثاني، فهو الأخطر على هذا الكيان المؤقت من التهديد الأول، ألا وهو مخاطر استهداف الأصول البشرية لهذا الكيان والمحشورة في بقعة جغرافية ما أسهل أن تستهدفها المقاومة بالنار، لتحيل ليلها إلى نهار، وعمارها إلى دمار، فتستفيق من حلم أرض اللبن والعسل، فإذا بها في أرض (الخل ) و(البصل ) فتحزم أمتعتها مسرعة إلى أقرب مطار أو ميناء إلى الدول التي يحملون جنسيتها، وهنا يسقط عمود الـ (واسط) لهذا الكيان المؤقت، وتتداعى قواعده، ليتبر ما علا تتبيراً.  

3. تهديد بضرب شبكة المواصلات الاستراتيجية للعدو:  

إن هذا العدو بنى شبكة مواصلات في داخل فلسطين التاريخية، وإن بدت للمراقب المدني أنها ما جاءت إلا لتسهيل عيشه وعيش  من جلبهم  من مغتصبين ومحتلين ـ وهذا التوصيف دقيق ـ  ولكن ما هو أدق منه، أن شبكة الطرق هذه ـ الطولية منها والعرضية ـ ما وزّعت ولا مدت على هذا الشكل إلا لتخدم الجهد العسكري الدفاعي والهجومي لهذا العدو الصائل، وأن استهداف هذه الطرق وعُقَدها إنما يعني شلاً لقدرات العدو عن الحركة، ومنعاً له من المناورة، وهذا أمر متيسر بسيط الأكلاف، فيكفي أن تهاجم شبكات المواصلات هذه  من قبل سكان قرانا ومدننا، حيث تتلوى في أراضينا تلوي الثعبان حول فريسته، وتقطع حواضرنا طولاً وعرضاً، كيف وإن تهاجم فتخرج من الخدمة وتصبح أثراً بعد عين؛ وكيف لو وجهت ـ وستوجه ـ نيران المقاومة إلى عُقد المواصلات هذه، و مفارق الطرق تلك، ألن نحيلها إلى شبكة عنكبوت نصيد عدونا عليها وفيها كلما قصد استخدامها والاستفادة منها؟  

4.  فتح جبهات داخلية تهدد بتشظي الجبهة الداخلية للعدو:  

أما ما يقف له (شعر) عدونا عند ذكره وتذكره، فهو ما يمكن فتحه عليه من جبهة داخلية مكونة من قرانا ومدننا المحتلة في مناطق الثمانية والأربعين، وقد خبر هذا التهديد الجدي إبان معركة " سيف القدس " وعرف ماذا يعني أن تخرج مدينة كمدينة " اللد "عن السيطرة لمدة الاثنتين والسبعين ساعة، وأحس بخطر مدن المثلث عندما تتحرك منتفضة في وجهه، وهو ما حمله على إقرار تشكيل " الحرس الوطني ". إن هذا التهديد ما زال شاخصاً أمام هذا العدو، وقابل للتفعيل، ويُعمل عليه، ويُرتب لاستثماره، كجهد قادرٍ على شل هذا العدو و(خصي) كثير من قدراته عندما تأزف الآزفة، ويأتي وعد الآخرة.

5. عدم ضمان تأمين مظلة الدفاع الخارجية عن هذا الكيان:  

آخر هذه التهديدات التي يتصور العدو حدوثها، وتنعكس عليه بشكل مباشر، ما يمكن أن تلوح به قوى المقاومة، من تهديد لكل من تسول له نفسه النهوض للدفاع عن هذا العدو في معركة حاسمة تخاض معه، وهذا التهديد ليس تهديداً متخيلاً ولا هي رؤية في منام، وإنما حقيقة ناصعة البياض، فما يظنه البعض قوات دعم وإسناد لهذا العدو جاءت هنا واستقرت لتسرع في نجدته؛ يراه آخرون فرصة ذهبية، وأهدافاً يمكن تهديدها، وضربها، ليقطع (حبل ) الناس عن هذا الكيان المؤقت، في مثل هذا الموقف، بدل أن تهب هذه القوات لنجدة عدونا، ستبحث عما تحمي به رأسها، وتدافع به عن نفسها، إن معركة وعد الآخرة التي تحشد لها قوى المقاومة ومحورها؛ معركة ستدفع الأعداء ليبحث كل منهم عن مصالحه وما يحمي به نفسه، ليصدق فيها قول المثل (كل شاة معلقة من عرقوبها ) و (سلمني وخذلك عباة ) و (يا روح ما بعدك روح)، هذه حقيقة واضحة نراها رأي العين ونرى بشائرها مع كل قذيفة في غزة أو طلقة في الضفة الغربية، أو صاروخ في سوريا يطلق على قواعد المحتل الأمريكي، أو مسيرة إيرانية على نقالة نفط هنا أو معسكر هناك.    

سابعاً: الخلاصة:  

نختم بخلاصة نُسرها في أذن الجنرال "عاموس يدلين " وهو العالم ببواطن الأمور، من موقعه الذي شغله سابقا ً، أو يشغله حالياً، وبما يملك من علاقات واتصالات، نقول لهذا الجنرال : إن ما تضرر لن يرمم، وأن "الردع الاستراتيجي " الذي تزعم أنه لم يُنل منه؛ نزعم نحن أن قواعده تتآكل بفعل " التهديد الاستراتيجي " الذي يواجه كيانك المؤقت، وأن الأرض من تحتك تمور، فلا تهولن علينا بالثبور وعظائم الأمور، فمن (بيته ) من زجاج لا يرجم الناس بالحجارة، وإن غداً لناظره قريب. ترونه بعيداً ونراه قريباً. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.  





جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023