مقاومة تتعاظم ومحتل يتراجع

رجائي الكركي

مختص بالشأن الإسرائيلي

بقلم:
المختص في الشأن الصهيوني:
 رجائي الكركي.  





عملية موقع " 16 " أو النقطة رقم (38) حسب ما أطلق عليها الاحتلال، ليست إلاّ واحدة من بين معارك نوعيّة سبقها الكثير وقد يليها معارك أخرى، عملية دارت تفاصيلها في عالم الظل التي خطّها وسطّرها العقل المقاوم متحدياً ترسانة استخباراتية وأمنية ذات كفاءة عالية يتملكها الكيان "الإسرائيلي".

برنامج "عوفدا עובדה – الحقيقية" الذي بثته القناة الـ12 العبرية، أقرّ أنها حادثة كانت معقّدة، حيث أُسدل الستار عن حقائق كبرى أحدثتها المقاومة خلال دقائق معدودة من زمن العملية البطولية أبرزها:




 قدرة المقاومة على اختراق الحدود الفاصلة بين غزة ومستوطنات الغلاف، فلقد تفوّقت المقاومة على منظومة الرقابة والأمن المتطورة المنتشرة على تخوم القطاع، والتي تعد من أحدث ما توصل له عالم الرصد والتجسس.




 براعة التمويه المتقن أربك الراصدين لحدود القطاع، خصوصًا مُوجهي الطائرات بدون طيّار التي ترصد حدود القطاع لحظة بلحظة، بالتزامن مع اعتراف “الاحتلال" بأن لباس المقاومين، يتطابق تماماً مع لباس جنوده في ميدان القتال.




 وصول المقاومين لمسافة تبعد 700 متر من مستوطنة اسديروت، كونها تعتبر مستوطنة رئيسية ذات أهمية لمستوطني غلاف غزة، ذاك الوصول حقق اختراق مادي ومعنوي في معادلة فقدان الأمن لدى "مستوطني الغلاف"، وكشف أيضاً عن مدى هشاشة المنظومة العسكرية والأمنية "الإسرائيلية.




 قائد سلاح الجو آنذاك " أمير إيشل" قال مرتبكاً: لم نستطع المعرفة من أن هل هؤلاء جنودنا أم مقاومين؟، وهل نطلق النار أم لا؟!!، حالة الإرباك كانت لصالح المقاومين في كسب دقائق الزمن في إيقاع خسائر بين صفوف جنود الاحتلال.  




عملية " موقع أبو مطيبق" ليست وحدها فحسب !!، بل سبقها فعل نوعيّ جسّد طريقاً جديداً في ركب صراع العقول القائم، يكاد لا يتوقف الدهاء المقاوم في وضع نظريات فنون القتال المتجددة، فعملية "الوهم المتبدد" التي دارت أحداثها عام 2006، وأسر فيها الجندي " جلعاد شاليط" وقتل جنديين آخرين، أفصحت عن عظمة العقل  المقاوم وما لديه من براعة في كيفية الأسر والتمويه وإخفائه لمدة خمس سنوات متواصلة، في حين عجز الكيان وأجهزته المختلفة في الوصول إليه؛ لينتهي المطاف باستسلام الكيان المحتل والاستجابة لشروط المقاومة التي أفضت بالإفراج عن أكثر من ألف أسير فلسطيني.




لم تمضي سنوات طويلة ليسدل الستار عن جولة أخرى من جولات الصراع الخفي، عملية "حد السيف" عام 20118،  اعتبرت الأكثر خسارة في العصر الحديث لمنظومة الامن "الإسرائيلية"، من صراع يدور بهدوء نسمع عنه لكن لا نراه، فراسة القائد نور بركة ومن معه أوقعوا أقوى نخب جيش الاحتلال قتالاً وكفاءةً الوحدة " سييّرت متكال" التي وقعت بين يدي المقاومة، فحدث اشتباك مسلح من مسافة صفر؛ لتكون النتيجة مقتل ضابط الوحدة الأسطورة بنظر قادة المحتل، ولتضرب القيادة السياسية والأمنية والعسكرية "الإسرائيلية" في صميم قوّتها؛ فيعترف رئيس الاستخبارات العسكرية "الإسرائيلية" آنذاك،  تامير هيمان"، بفشل العملية، واصفًا إيّاها: "كانت ثلاث دقائق صعبة جدًّا".

 إذاً المقاومة وبشروطها وما يتناسب مع نهجها، نجحت بكتابة عقد جديد من جولات صراع مستمر وسيبقى لحين الوصول للحظة الانتصار، متسلحة بمقولة الجنرال الصيني صن تزو" إذا كنت تعرف العدو وتعرف نفسك فإنك لا تحتاج إلى الخوف من نتائج المعركة".




جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023