!!Mission Impossible

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني


بين يدي الموقف:  

حتى لا تذهب الظنون  بالقراء الكريم بعيداً؛ فإن هذه الورقة لن تناقش سلسلة أفلام الفنان "توم كروز" Mission Impossible؛ لا شكلاً ولا مضموناً، فهذا العالم خارج اختصاص الكاتب، ويعترف أن بضاعته فيه جد مزجاة، كما أنها لن تناقش (عقدة الثمانين)، فقد تحدثنا عنها سابقاً، ولن نتحدث عن الخلافات الداخلية بين الفسيفساء غير المتجانسة لهذا الكيان المؤقت والتي نشهد تأججها في هذه الأيام، كما لم نشهده في تاريخ هذه الغدة السرطانية منذ زرعت في أرضنا واغتصبت خيراتنا، ولن نخوض فيما تركته هذه الخلافات على استراتيجية ردعه والتي باعترافه هو وبـ (عظمة لسانه) أنها بدأت تتآكل وتضررت بشكل غير مسبوق.

 إنما ستناقش هذه الورقة ما شهدت وتشهد به حقائق التاريخ البعيدة منها والقريب، وما بدأ يتحدث به قادة هذا الكيان المؤقت من أنهم أمام وضع أمني استثنائي لم يشهده كيانهم منذ حرب (الاستقلال) كما قال الجنرال "أيزنكوت " مؤخراً، وما قاله ويقوله وزير دفاع هذا الكيان المؤقت الجنرال "يواف غالhنت " من أنهم أمام موقف قد تفرض عليهم فيه حرب على كل الجبهات، وأن هذه الحرب مختلفة تماماً عن سابقاتها، وأن عصر الصراعات المحدودة قد ولى. 

إن هذه الورقة ستحاول ـ فيما يتسع له المجال ـ تحليل موقف العدو وهو يعترف مواربة بأنه أمام "مهمة مستحيلة "، لن (ينفذ) منها بجلده؛ فقط إن أحسنت فصائل المقاومة ـ الشعبية منها والرسمية، الداخلية منها والخارجية ـ وداعموها ومؤيدوها من إدارة هذا الموقف  والتحضير له بشكل حِرَفي ومهني؛ بحيث يجهز للموقف أفضل مقدماته، ليحصل بعد ذلك على أفضل نهاياته. 
ستناقش هذه الورقة هذا الموقف عبر مجموعة عناوين متدرجة، يُسلّم أحدها المعطيات للآخر، حتى نصل إلى خلاصة نجمل فيها الموقف، ونوصي ببعض التوصيات. 
لكن قبل البدء بالتفاصيل، دعونا نذكر أن فرضية كتابة هذه الورقة قائمة على أن العمل الذي سنأتي على ذكره؛ تتعدد فيه الجبهات، مما يعني أنه يجب أن يتم بشكل موحد ومنسق وتكاملي؛ بحيث تحدد المهمة الرئيسية والمهام الفرعية المشتقة منها، كما يجب تفاهم الشركاء الرئيسيين فيه وبشكل مسبق على الأدوار والإجراءات التنفيذية، ومن ثم تخصص القدرات المادية والبشرية، بناء على المهمات والأدوار التعبوية.
 أما عن العناوين فهي على النحو الآتي :  

أولاً : العقيدة العملياتيه لجيش العدو :  

إن أول ما يجب الحديث عنه ابتداءً هو ما فرضته طبيعة جغرافية فلسطين المحتلة، وطبيعة التهديدات التي تواجه هذا الكيان المؤقت وما ينجم عنها من مخاطر، مافرضته هذه الأمور على العقيدة القتالية لهذا العدو من خطورة قتاله على أكثر من جبهة وفي وقت واحد، وهو ما يعرف بالقتال على " الخطوط الداخلية "، وتبسيطاً للموقف دعونا نذكّر بشكل سريع بمفهوم القتال على " الخطوط الداخلية " والقتال على " الخطوط الخارجية ".  

1. العمل على الخطوط الداخلية:  

في طريقة العمل هذه تواجه القوات المتصدية لواجب الدفاع أو الهجوم موقفاً يفرض عليها التصدي لمجموعة تهديدات تتقدم عليها من أكثر من جبهة، مما يضطرها أن توزع قدراتها القتالية على أكثر من جهد للتصدي للخطر الداهم، فتبدأ بالحركة عبر خطوط واتجاهات عمل منطلقة من نقاط متقاربة، متمثلة بنقاط حشدها وتجمعها ومقار قياداتها، تتحرك باتجاه التهديد، مبتعدة عن بعضها البعض، مما يعني صعوبة في التنسيق فيما بينها كلما تباعدت عن نقطة انطلاقها، وما تفرضه استطالة خطوط امدادها من تهديد على زخم العمليات وإدامتها، هذا فضلا ً عن اضطرار قيادة العدو لتوزيع قدراتها لتغطية كل التهديدات التي تتعرض لها، مما يعني ضرباً لأصل"الحشد "، فتتكون لدى العدو ثغرات ونقاط ضعف موضوعية يمكن أن تشكل مقتلاً له ولقواته.  

2. العمل على الخطوط الخارجية:  

أما في هذ النوع من الحركات التعبوية، فإننا نرى مجموعة جيوش تعمل من عدة جهات أو جبهات ضد عدو واحد، بحيث تنطلق هذه القوات من مناطق متباعدة حيث نقاط حشدها وتمركزها، ثم تبدأ بالاقتراب من بعضها البعض كلما اقتربت من هدفها النهائي المتمثل في جغرافيا معينة يجب الوصول لها في زمن معين، وهنا تبدأ هذه القوات حركتها وهي تواجه تحديات تعبوية وعملياتية، تبدأ ــ التحديات ـ بالضمور والتلاشي كلما اقتربت من بعضها البعض أثناء سيرها نحو أهدافها.  

إن فهم هذين المبدأين من الأهمية بمكان، لما ينبني على هذا الفهم من تدابير قتالية، تساعد في مفاقمة أزمة العدو، وحل مشاكل القوات العاملة التي تريد أن تتصدى له أو تتعرض عليه. 

كما يساعد هذا الفهم في تفسير سبب الجهد الكبير الذي يبذله العدو لمنع توحد الساحات في وجهه، وأهمية أن يتفرد فيها ساحة ساحة، فيجمد القتال في منطقة، ليحشد قواته للقتال في منطقة أخرى، وهكذا دواليك حتى يفرغ من جميع الجبهات بضربات متتاليات، فإن نجح في ذلك فهذا يعني أنه تجاوز أهم عقبة وأخطر تهديد ـ العمل على أكثر من جبهة في وقت واحد ـ يمكن أن يشتت قواته و(يخصي) قدراته؛ لذلك هو (يدب) الصوت صارخاً أن لا تجعلوا الساحات تتوحد في وجهنا، ولا تضعونا في موقف نضطر معه للقتال في أكثر جغرافيا ومجال.  

ثانياً : قدرات العدو صاحبة الجهد الرئيسي في مواجهة التهديدات :  

الأمر الآخر واجب الذكر في هذا المقال، والذي نعتقد أنه أحال عمل العدو إلى " مهمة مستحيلة " إن فرض عليه القتال على جبهات متعددة في آن واحد هو قدراته القتالية، وهنا سنتحدث عن عصب هذه قوات ومركز ثقلها التي ستسند لها مهمة التصدي لأي تهديد متعدد الجبهات والاتجاهات، ولن نخوض في تفاصيل فنية وتعبوية يطول سردها.

أما عن القوات التي ستنهض بالواجب عند العدو فهي:  

1. سلاح البر:

إن عمدة قوات العدو التي سيطلب منها التصدي للتهديد الناشئ عن العمل على  جبهات متعددة هو سلاح البر بما يشمله من سلاح مشاة ودروع، حيث يمتلك العدو في هذا المجال 176000 ألف جندي نظامي، يفترض أنهم تحت السلاح، و 445000 جندي احتياط يتطلب تعبئتهم على مدى زمني لا يقل عن 72 ساعة، هذا إن لم تزيد المدة عما ذكر.
 إن هذه القوات موزعة على 6 الوية مشاة نظامية، 4 ألوية مدرعة، 2 لواء مدفعية، أما في الاحتياط فهناك 6 ألوية مدرعة و 15 لواء مشاة.  


2. ثانياً: سلاح الجو

وهو درة تاج قوات العدو القتالية، وعصاه الطويلة التي يهدد ويضرب بها، فيه من القدرات القتالية المادية ـ المسير عن بعد والمقود بشرياً ــ والمسنود بقدرات فنية واستعلامية ما يجعل تحييد هذه القدرات، أو العمل في ظروف قتالية يقيد من بأسها، أمراً واجباً وجوب الوضوء قبل الصلاة، وهذا أمر فني ليس مكان بحثه هنا. 
ونشير هنا إلى أن القدرات البشرية التي تشغّل هذا الذراع، هي من ضمن القدرات الكلية ـ النظامية والاحتياط ـ التي جئنا على ذكرها عند ذكر عديد قوات العدو العاملة والاحتياط.  

ثالثاً: الجبهات الرئيسية ـ قوة واجب الجهد الرئيسي  ـ  في مواجهة العدو ومهامها الكلية:  

في هذا العنوان من البحث سنتطرق سريعاً على الجبهات الرئيسية التي تشكل عصب التهديد ومركز ثقله على هذا العدو الصائل، وهي جبهات عمل تحوي من القدرات المجربة ثابتة الفاعلية ما يجعل العدو يتعامل معها منفردة على أنها تهديد ذو مصداقية ولا يستهان بها. 
وهنا لا يدّعي الكاتب أنه يملك معلومات صلبة عما في هذه المناطق من قدرات بشرية ومادية تمكنه من وضع أرقام أو تحديد قدرات، ولكن سنخمن ما فيها تقديراً، بناء على ما شاهدناه ونشاهده من نشاطات لها عبر ما خاضته من معارك مع هذا العدو وما تصدت له من اعتداءات. أما عن هذه الجبهات فهي على النحو الآتي:  

1. جبهة غزة:  

هذه الجبهة فيها قدرات بشرية ومادية متعددة الانتماء الفصائلي، والمرجعيات السياسية، ولكنها تعمل في ظروف الأزمات عبر عملية تنسيقية ـ غرفة عمليات مشتركة ـ  تحدد الجهود وتوزع الأدوار، ويمكنها أن تحشد قدرات بشرية لا نظن أنها تقل عن 100000 مقاتل، مع سلاح اسناد ناري (قريب) و (متوسط ) و (بعيد)، يمكن حشدها وتنظيمها في تنظيم قتالي قادر على الزحف والخروج في عمل هجومي تعرضي يصل في ذروته، شمالاً إلى عسقلان، وشرقاً حتى مشارف بئر السبع مهدداً وقاضماً مساحات جغرافية لا يستهان بها. 
مع احتفاظه بقدرات احتياط قادرة على حفظ أمن مؤخرة القوات، ومنع العدو من الانزال خلفها.  

2. جبهة الجنوب اللبناني:  

أما عن جبهة الجنوب اللبناني، ففيها أهم تهديد استراتيجي على هذا الكيان، حيث المقاومة الإسلامية ممثلة بـ "حزب الله " الذي قال أمينه العام أن عدد مقاتليه فاق الــ 100000 ألف مقاتل، مدربين ومجربين، وخاضوا حروباً وعمليات مشتركة، تعددت فيها صنوف القوات، واختلفت فيها الطبوغرافيات. هذا فضلا ً عن سلاح مدفعية متعددة الصنوف، يمتلك في ترسانته من الصواريخ الدقيقة وغير الدقيقة ما وقفت عدادات العد عن عده، وتركت لمن يشاء تخمين حده. مضافاً إلى ذلك ما تملكه فصائل العمل الفلسطيني في هذه الساحة من قدرات بشرية وتنظيمية قادرة على تشكيل قوة احتياط وأمن تحمي الجبهة الداخلية من عبث العابثين؛ المحليين منهم وغير المحليين. إن هذه القوات في هذه الجبهة سيقع على عاتقها الاندفاع جنوباً محررة كامل منطقة الجليل، وهذه مهمة قابلة للتنفيذ، وهدف يمكن أن يتحقق، عبر تشغيل ما جئنا على ذكره من قدرات ـ مباشرة أو مساندة ـ  في هذه الجبهة.  

3. جبهة الضفة الغربية :  

إن هذه الجبهة إن أعيد تنظيم ما فيها من قدرات، وتحديد المَهمة لها، فإنها قادرة على تشكيل تهديد ذي مصداقية على العدو، يحرمه من تشغيل كثير من قدراته القتالية لمواجهة التهديدات القادمة من خارج (الحدود )، كيف لا وهو الآن يشغل فيها ما لا يقل عن 60 % من قواته العاملة في جهد مضن فرض عليه حالة من عدم الاستقرار والاستنفار الدائم الذي يفت في عضد هذه القوات، ويحرمها الراحة. إن هذه الجبهة قادرة على تجميد ما لا يقل عن ثلث قوات العدو العاملة، فضلاً عن تقطيع أوصال مسرح عملياته وتحرمه الاستفادة من شبكة مواصلاته المطلوبة لدعم القوات والمناورة بها، الأمر الذي يعني شل قدرات القوات العاملة على جبهتي غزة والجنوب اللبناني، وهذا أمرٌ مهم ومطلوبٌ في ذاته، كما يمكن لهذه القوات أن تفرض على العدو انسحاباً غير مشروط من بعض مغتصبات الضفة الغربية، هذا إن لم يكن منها كلها.    

4. جبهة الداخل المحتل عام الثمانية والأربعين :  

أما عن جبهة فلسطين المحتلة عام الثمانية والاربعين، فإنها تختزن في أحشائها طاقة كامنة يجب العمل من الآن على تحديد مهمتها، وتعريف دورها في الحرب المقبلة التي ستتعدد فيها الجبهات، فإن كانت جبهات غزة أو الجنوب اللبناني أو الضفة الغربية بحاجة إلى بذل جهود وصرف قدرات لالحاق الضرر وتشكيل تهديد على أصول العدو الاستراتيجية، مع ما يتطلبه ذلك من تحمل خسائر ومخاطر على القوات في هذه الجبهات، فإن جبهة الثمانية والأربعين قادرة على تشكيل تهديد ذي مصداقية على معظم الأصول الاستراتيجية ـ البشرية منها والمادية، الفنية منها وغير الفنية ـ  لهذا العدو الصائل، فيكفي أن تقطع طرق المواصلات، وتهدد مراكز الاتصالات، ويُتظاهر أمام مخازن الطاقة والمحروقات، وأن ينزل سكان قرانا ومدننا المحتلة إلى الشوارع والساحات، يكفي ذلك ليصاب العدو بالاختناق الذي يفضي إلى (سكتة ) دماغية ( وجلطة ) دموية، تشله شلاً وتقعده أرضاً.

كان هذا توصيف سريع لجبهات الجهد الرئيسي التي سيقع عليها تنفيذ الواجب، والتي نعتقد أنها قادرة على النهوض به، ولكن هذه المهمة المقدسة، والعملية الكبرى بحاجة إلى جبهات احتياط استراتيجي تشد من عضدها، وتنهض لنجدتها إن تطلب الموقف تدخلها أو تشغيل ما فيها من قدرات، سنتحدث عن هذه الجبهات ، وبشكل سريع في العنوان التالي :  

رابعاً : جبهات الاحتياط الاستراتيجي ومهامها الكلية :  

إن أهم جبهتين يمكن أن يشكلا احتياطاً استراتيجياً لقوات الواجب الرئيسي، هما جبهة الأردن وما فيها ومن فيها، والجبهة السورية وما بني ورُكز فيها.  

1. جبهة الأردن :  

في الأردن لن نتحدث عن شرق أو غرب أردنيين، وإنما سنتحدث عن جغرافيا فيها من العشائر والحمائل ما شهد لهم التاريخ برجولتهم، وهم أهل النخوة والعزوة والأنوف الحامية التي (يتنومس ) لها الراس، في أربد عشائر حريصة على فلسطين وتتوق لتحريرها والقتال على ثراها؛ عشائر بعدد ما في هذه المدينة من فلسطينين ومخيمات، وكذا السلط ومرتفعاتها التى ترى منها مآذن القدس، وعمان ومخيماتها، والطفيلة والكرك وما فيها من عشائر أصولها ممتدة إلى فلسطين، إن  هذه المكونات البشرية كلها تتوق إلى يوم لقاء هذا العدو، لتعيد " الكرامة " مرة ثانية. إن  هذه المكونات البشرية والعشائرية ليس مطلوباً منهم أن يخرجوا على حكامهم، ولا أن يقاتلوا جيشهم، وإنما مطلوبٌ منهم أن ينزلوا إلى الساحات ويملأوا الطرقات، ويزحفوا إلى الحدود، ليراهم عدوهم، فترتعد فرائصه منهم، ليفرض عليه مثل هذا الموقف أن يخصص قدرات ويجمد طاقات لمواجهة ما يمكن أن يتطور له الموقف في هذه الجبهة، وهذا أمرٌ مطلوب لذاته، ويقدم أكبر دعم للقوات التي تقاتل على جبهات الواجب الرئيسي، هي في أشد الحاجة له، لتشتت العدو على "خطوطه الداخلية " وتمنعه من الحشد والمناورة بقدراته القتالية.  

2. الجبهة السورية :  

وهذه جبهة فعل ركّز فيها " محور المقاومة " قدرات قتالية أجبرت العدو على أن يخترع مفهوم "المعركة بين الحروب "، فهو يرى ما شُغل في ساحة العمليات هذه، وما ركّز ويركّز فيها من قدرات بشرية ومادية، وهذه القدرات يعلم العدو أنها ستُشغل في يوم ما، فإن لم يكن هذا اليوم هو يوم وعد الآخرة فمتى يكون ؟ إن هذه القوات المنتشرة في هذه الجغرافيا يكفي أن توكل لها مهمة تحرير مرتفعات جبل الشيخ، لتحرم العدو من أهم نقاط ارتكازه في إدارته لمعركته متعددة الجبهات، نقاط يستطيع منها أن يُعمل مبدأ القيادة والسيطرة والإشراف على مسرح العمليات بكفاءة قل نظيرها، لقد نشر عدونا في هذه المرتفعات قدرات قيادة وسيطرة؛ إن حُرم منها، فإن قدرته على إدارة العمليات على مختلف الجبهات ستتضرر بشكل غير قابل للتعويض أو الإصلاح. هذا فضلاً عن القدرات النارية المنتشرة في هذه الساحة والتي يمكن أن تُستدعى عند الحاجة، فتضيف قدرة إلى قدرة، ونار إلى نار، تحيل عمار المحتل إلى دمار، وليله إلى نهار.

هل هذه القدرات ـ الرئيسية والاحتياط ـ قادرة على النهوض بالمهمة، بحيث تفرض على العدو الهزيمة الناجزة، وتجبره على وضع (ذيله ) بين أسنانه، باحثاً عن أقرب مطار أو ميناء سفر ؟ نعتقد أن هذا يكفي بل قد يفيض عن الحاجة، ولكن (احتياطاً احتياطاً ) دعونا نتحدث عن قوات الغطاء الاستراتيجي التي تشكل طبقة الحماية الثالثة التي إن تم تحديد مهمتها ودورها في حرب الجبهات المتعددة فلن تحيل مهمة الدفاع المعادية إلى " Mission Impossible" ، بل ستحيل مجرد التفكير في وضع إجراءات دفاعية لمواجهة هذه الجبهات ضرباً من الخيال العلمي.  

خامساً : جبهات الغطاء الاستراتجي ومهامها الكلية :

لن نتحدث بالتفصيل عن هذه الجبهات وما فيها ومن فيها، ولكننا سنأتي على ذكرها بشكل مجمل، فهي مكونة من الجبهة العراقية وما فيها من قدرات شعبية ورسمية، تاقت وتتوق إلى المشاركة في تحرير فلسطين، وقد زحفت طلائعها أثناء معركة "سيف القدس " إلى أقرب نقطة استطاعتها، وأعلنت عن استعدادها لأي أمر يطلب منها. والجبهة اليمنية وما فيها ومن فيها من قوات  ومقاتلين قالوا أنهم  مستعدون لأية مهمة تناط بهم ، وأنهم ينتظرون الإشارة من قوات الواجب الرئيسي  للتدخل في المكان والزمان الذي تحدده قيادة هذه القوات ، وهنا وإن كنا نشير إلى " أنصار الله " بشكل رئيسي؛ إلا أننا لا نستثني أي يماني، ففلسطين توحدهم، والأقصى يجمع شتات أمرهم. أما عن الجبهة الإيرانية، فهي واسطة العقد ـ باعتراف العدو قبل الصديق ـ الذي ينظم فعل هذه الجبهات، تنفق على تعاظم قدراتها ـ الجبهات ـ ما جعلها تصل إلى ما وصلت له من امتلاك قدرات وخبرات، وهذه الجبهة أعلنت عداءها لعدونا منذ عشرات السنين ، وتقاطعنا وإياها على أن هذا العدو الصائل هو سبب كل المصائب والملمات، ولها عنده ثأر، وقد امتحن صدق قولها، ومضاء عزمها على قتال هذا العدو، فخرجت منه مرفوعة الرأس.
 إن هذه الجبهات الثلاثة تملك من القدرات النارية، والإرادة السياسية، ما حولها ويحولها إلى قوات " غطاء استراتيجي " يمكن لأية قوة تعمل تحته من تحقيق ما تصبو له من أهداف، وما تكلف به من مهام.
 ولكن أهم دور يمكن أن تنهض به هذه القوات هو (خصي ) قدرات العدو الجوية، وقطع يدها؛ فمجرد مشاركة هذه الجبهات بما لديها من قدرات نارية كفيل بأن يجعل سلاح الجو المعادي يبحث عن مطارات وقواعد جوية للهبوط فيها عند خروجه لأول ضربة جوية كلف القيام بها، هذا فضلاً عن وجودها في حساب وتقديرات (حلفاء ) و(أصدقاء) هذا العدو المنتشرين في البحار واليابسة المحيطة بفلسطين المحتلة، يجعلهم ـ حلفاء العدو وأصدقاءه ـ يعيدون حساباتهم قبل الهب لنجدته، أو التدخل في معركته.  

سادساً: إجمال الموقف 

ننهي بإجمال للموقف لنقول : إن هذا العدو؛ قال أم لم يقل، صرح قادته أو لم يصرحوا، هذا العدو ليس بقادر، ولا يحوز من القدرات القتالية بناء على يملكه من قوات عاملة واحتياط، وما يعتري هذه القوات من نقاط ضعف موضوعية وذاتية، لا يملك قدرات تمكنه من القتال والمناورة على أكثر من جبهة قتال حقيقية، أو مواجهة قدرات وخبرات قتالية مثبتة الفعالية؛ يملك قادتها قرار تشغيلها والذهاب بشوط المعركة إلى نهايته. 
الأمر الذي جعل العدو يدق ناقوس الخطر، ويعلن حالة التأهب، ويحشد كامل قدراته ــ الخشنة والناعمة ــ في سبيل العمل على عدم توحد هذه الجبهات، وتوحد تلك الساحات. 
الموقف الذي نوصي بصدده ببعض التوصيات:  

1. المزيد من المشاورات  بين حلفاء محور المقاومة لتوحيد الأفهام على ما هم مقبلون عليه من مهام.  

2. العمل على ترتيب الملفات الداخلية وتهيئة الظروف العملية في كل ساحة من ساحات الفعل الرئيسية.  

3. وضع المسارات الكلية للوصول إلى الظروف المحلية والإقليمية والدولية المطلوبة لتفعيل خطة التحرير النهائية.  

إن قتالنا لعدونا وفق رؤية استراتيجية معروفة المهام الكلية، والأدوار التعبوية لكل جبهة من جبهات القتال العسكرية ـ الداخلية منها والخارجية ـ سوف تجعل مهمة بناء جهاز دفاعي معادي يصد التهديدات ويكبح مخاطرها، مهمة اشبه ما تكون خيالية، فضلا عن تحولها إلى Mission Impossible. 
هل هذا ممكن ومقدور عليه؟ 
نعم؛ نرى بشائره بدأت تُطل برأسها، ومسار بنائه بدأت خطواته الفعلية. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.  

24 04 2023





جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023