معهد بحوث الأمن القومي

أورنا مزراحي  ويورام شفايتزر

في الآونة الأخيرة، تجدد النشاط ضد "إسرائيل" من الحدود اللبنانية بقوة أكبر، هذان حدثان غير مألوفين: في الثالث عشر من الشهر، هجوم على شارع 65 عند مفترق مجدو، بتصميم قنبلة جانبية (كليمغور)، نفذه فلسطيني دخل "إسرائيل" من الحدود اللبنانية وتسبب في إصابة خطيرة لمواطن إسرائيلي.

تم العثور على المنفذ، وقتل وهو في طريق عودته إلى لبنان وبحزام ناسف على جسده، وزعمت المسؤولية عن الهجوم باسم منظمة فلسطينية تطلق على نفسها اسم "قوات الجليل - الذئاب المنفردة".

يتضح من المعلومات المنشورة أن حزب الله كان وراء إدارة وتنفيذ العملية، رغم أن التنظيم نفسه امتنع عن تحمل المسؤولية، ففي خطاب ألقاه في 22 آذار/مارس، تجنب نصر الله الإشارة صراحة إلى التورط في الهجوم، وادعى أن حزب الله ليس مضطراً للتعليق على تفاصيل الحادث، الذي تسبب في مفاجأة كاملة في "إسرائيل"، وأن صمت حزب الله جزء من إدارة المعركة، وهي تعبر عن الحكمة وتربك العدو.

وتشير التقديرات إلى أن الهجوم كان مستوحى من إيران، التي أحبطت بسبب فشلها في الإضرار بالمصالح الإسرائيلية في سوريا وخارجها رداً على الإجراءات ضدها المنسوبة إلى "إسرائيل"، وأن الهجمات على أهداف من قبل إيران وحزب الله في سوريا التي تسببت في مقتل مستشارين إيرانيين، وإلحاق أضرار بالبنية التحتية العسكرية لحزب الله (نهاية آذار - بداية نيسان)، منسوبة لـ"إسرائيل"، رداً على هذا الحدث.

الحادثة الثانية الخطيرة وغير العادية كانت إطلاق وابل صاروخي على "إسرائيل" في 6 أبريل/نيسان من جنوب لبنان في إطار الجهد الفلسطيني متعدد الجبهات (القدس وقطاع غزة ولبنان)، في أعقاب الاشتباكات بين المصلين المسلمين والشرطة الإسرائيلية في الحرم القدسي الشريف في شهر رمضان.

وشمل وابل الصواريخ الذي أطلقته عناصر حماس من لبنان 34 صاروخاً (تم اعتراض 25 صاروخاً وسقط خمسة على الـ"أراضي الإسرائيلية")، وهو مقياس غير معروف منذ حرب لبنان الثانية (2006).

وقرر مسؤولون في الجيش الإسرائيلي والمخابرات الإسرائيلية أن حماس هي المسؤولة عن إطلاق النار، ونفى مسؤولو حزب الله من جانبهم أي مسؤولية عن الحادث، لكنهم أعربوا في الوقت نفسه عن دعمهم الكامل للنضال الفلسطيني.

على الرغم من عدم وجود دليل على تورط حزب الله المباشر، يمكن تقدير احتمالية كبيرة أنه تم الاتفاق من حيث المبدأ في إجراءات التنسيق الاستراتيجي بين كبار مسؤولي حزب الله ومسؤولي حماس، حتى لو لم يكن هناك تنسيق ملموس وموافقة حزب الله على الإطلاق.  

وذلك بالنظر إلى سيطرة حزب الله على منطقة جنوب لبنان، الأمر الذي يتطلب في نظر المنظمة التنسيق معها من جانب المنظمات الفلسطينية العاملة من لبنان ضد "إسرائيل" والتي قد تؤدي أنشطتها إلى المواجهة معها.

الدليل على العلاقات الوثيقة والتنسيق المستمر بين عناصر محور المقاومة جاء من زيارة قائد الحرس الثوري، إسماعيل قاني، إلى بيروت على مقربة شديدة من إطلاق الصواريخ من لبنان، بوجود إسماعيل وهنية (رئيس حماس) وزياد نخالة (رئيس الجهاد الإسلامي) في لبنان، والاجتماع الذي عقد في 9 نيسان ونشر علناً بين نصر الله ووفد حماس بقيادة هنية الذي زار لبنان.

وزعم حزب الله في إعلانه عقب الاجتماع أنه تمت مناقشة التطورات في المنطقة والمسجد الأقصى وجاهزية محور المقاومة والتعاون بين عناصره.

من جهة أخرى، سارعت الجهات الرسمية في لبنان، وعلى رأسها رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، في إدانة إطلاق النار، ووجهت انتقادات بين الجمهور المسيحي في لبنان لاستخدام الأراضي اللبنانية في خدمة المصالح الخارجية.

من جهتها، تعاملت "إسرائيل" مع الحادث على أنه تحرك فلسطيني، واكتفت في ردها المباشر على إطلاق النار، إلى جانب نيران المدفعية بهجوم محدود من الجو في منطقة إطلاق الصاروخ في منطقة الراشدية (يوم الثلاثاء 7 أبريل).

يشار إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تعمل فيها عناصر فلسطينية ضد "إسرائيل" انطلاقاً من جنوب لبنان، فهي تعمل انطلاقاً من هذه الساحة منذ عملية "حارس الأسوار"، على ما أذكر، خلال العملية (أيار 2021) استأنفوا إطلاق الصواريخ من لبنان.

لذلك في حالتين تم إطلاق عدد صغير من الصواريخ (حوالي 3 صواريخ في كل مرة) ولم تسقط في الـ"أراضي الإسرائيلية" (في 13 مايو/أيار سقطت في البحر؛ وفي 18 مايو/أيار سقطت في الأراضي اللبنانية)، وفي مواجهة هذه الأحداث غير المعتادة، اكتفى الجيش الإسرائيلي بإطلاق نيران المدفعية على مصادر الإطلاق فقط.

لكن بعد إطلاق صاروخ آخر من لبنان في آب/أغسطس 2021، نُسب أيضًا إلى عناصر فلسطينية، ومنذ سقوط صاروخين في الـ"أراضي الإسرائيلية" وتعرض المستوطنين للخطر، هاجمت طائرات سلاح الجو أهدافًا في جنوب لبنان، لأول مرة منذ 2013.

نصر الله، الذي تعهد بالرد على أي هجوم على الأراضي اللبنانية، رداً على هجوم الطيران أطلق وابل من الصواريخ على مناطق خالية في جبل دوف، بقصد "إغلاق" الحدث من جانبه أيضاً.

على عكس المرات السابقة، تجنب حزب الله حتى الآن الرد على هجوم القوات الجوية في 7 أبريل/نيسان وعملية سرية أخرى ضد حزب الله (والتي ذكرت من قبل مصادر صحفية، ولكن لم يتم تأكيد وجودها رسميًا في "إسرائيل") بعد إطلاق الصواريخ.

في خطابه في 14 أبريل -الجمعة الأخيرة من رمضان ويوم القدس الإيراني- استخف نصر الله بالهجوم الإسرائيلي، وادعى بشدة أنه لم يكن يستهدف أهدافًا لحزب الله في لبنان، على عكس ما قاله رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو (في خطابه في 10 من أبريل )، ولكن في مزارع الموز، وجدد نصر الله وحدة الصفوف بين عناصر محور المقاومة.

وزعم أن إلحاق الضرر بالحرم القدسي والشعب الفلسطيني خط أحمر بالنسبة لحزب الله، كما شدد على ضعف "إسرائيل" الداخلي من وجهة نظره، إلى جانب إضعاف التأييد الأمريكي لها، بالإضافة إلى ذلك، هدد مرة أخرى بأن العدوان الإسرائيلي من شأنه أن يثير ردود فعل من شأنها إشعال المنطقة بأكملها، وألمح إلى احتمال الرد على الهجمات في سوريا، وأكد مرة أخرى أن أي هجوم في لبنان سيقابل "برد مناسب".

لحزب الله مصلحة في الإبقاء على سيطرته على الفصائل الفلسطينية التي تستخدم الأراضي اللبنانية لنشاط عسكري ضد "إسرائيل" أو لتنسيقها حتى لا تجره إلى التصعيد - طالما أنها تخدم أهداف المحور الموسع المقاومة التي تضم ما وراء المحور الشيعي أيضًا حماس والجهاد الإسلامي، وتمارس ضغوطًا منسقة ضد "إسرائيل".

على أية حال، فإن "فضاء الغموض" الناجم عن صمت حزب الله بشأن تورطه في النشاطات الفلسطينية ملائم للتنظيم الذي يستفيد من عدة نواجي:

من ناحية، يمكنه التباهي بضعف "إسرائيل"، وتقديم مساهمته كجزء من محور المقاومة للنضال الفلسطيني وخدمة للمصالح الإيرانية، والادعاء بأن قوته تردع "إسرائيل"، ومن ناحية أخرى فإن إنكار تورطه يحرره في الوقت الحالي من رد فعل إسرائيلي ضده.

تنضم هذه الإجراءات ضد "إسرائيل" إلى سلسلة من الأحداث السابقة، والتي أدت بشكل تراكمي إلى تآكل ميزان الردع بين "إسرائيل" وحزب الله لصالح التنظيم، الذي يعمل بلا كلل على تحسين قواعد اللعبة في إطار معادلة الردع التي تشكلت بعد حرب لبنان الثانية.

وبالفعل، في العامين الماضيين، يمكن لحزب الله أن يشير إلى عدد من الإنجازات، بما في ذلك ادعائه بأن أنشطته أدت إلى تقليص نطاق أنشطة سلاح الجو الإسرائيلي في المنطقة اللبنانية، وتوسيع وجود عناصر حزب الله بالقرب من منطقة الحدود مع "إسرائيل" وذلك بتواجد أبراج المراقبة له، والتي أضيفت تحت غطاء "أخضر بلا حدود"، والاحتكاك مع جنود الجيش الإسرائيلي على طول الحدود، بالإضافة إلى إحساس بالأمن أظهره نصرالله عقب توقيع اتفاقية تحديد الحدود البحرية بين "إسرائيل" ولبنان في تشرين الأول (أكتوبر) 2022، وهو ما يعتبره نصر الله إنجازًا بفضل تهديداته لـ"إسرائيل".

بالإضافة إلى ذلك، يرى حزب الله، مثله مثل المكونات الأخرى للمحور، الجدل الداخلي العميق في "إسرائيل" حول الأزمة الدستورية والاحتجاج الواسع النطاق ضد الحكومة الإسرائيلية على أنه تعبير عن ضعف "إسرائيل" المتأصل ويفسر هذا بشكل غير صحيح على أنه ضرر أساسي لقوة جيشها.

إن الوعي الزائف الذي طوره نصرالله، بل وأكثر من ذلك في العام الماضي، والذي تم التعبير عنه بوضوح في خطاباته، هو، على ما يبدو، أصل الجرأة المفرطة التي أظهرها في الأحداث الأخيرة.

في الوقت نفسه، فإن عدم وجود تحرك عسكري، وحتى محدود، كرد فعل من جانب حزب الله، إلى جانب تجنب التنظيم للاعتراف الرسمي بتورطه في عمليات ضد "إسرائيل"، يثبت أنه على الرغم من جرأته المفرطة، لا يزال التنظيم مقيّدًا ويريد تفادي مواجهة وجهاً لوجه مع "إسرائيل"، خشية أن يؤدي ذلك إلى مواجهة واسعة النطاق وإلحاق أضرار جسيمة ليس فقط في التنظيم بل في لبنان أيضًا - والأكثر من ذلك، أن الانتقادات الموجهة لـ "حزب الله" تتوسع في لبنان، رغم ادعاء نصرالله أنه مستعد لمواجهة واسعة أيضاً.

على أي حال، تشير الأحداث الأخيرة إلى اتجاه تآكل في الردع الإسرائيلي ضد حزب الله وشركائه في المحور، و في ظل هذه الظروف، من المهم أن يشرع المستوى السياسي في "إسرائيل" في نقاش عميق وشامل مع الجهاز الأمني لصياغة استراتيجية لتقوية الردع ضد حزب الله، وهو رأس السهم في محور المقاومة الممتد، والذي يعد حاليًا المحور التقليدي الرئيسي في تهديد "إسرائيل".

يبدو أن العمل العسكري ضد حزب الله سيُطلب منه توضيح الثمن الذي سيتحمله من استمراره في استفزاز "إسرائيل" من أجل منع النشاط المعادي من لبنان من أن يصبح روتينيًا، بما في ذلك إطلاق الصواريخ من قبل حماس.

تواجه "إسرائيل" تحديًا معقدًا: كيفية تعزيز الردع ضد حزب الله وحماس، ولكن دون أن يؤدي ذلك إلى تصعيد إلى درجة الانزلاق إلى الحرب، فلديها مجال للعمل ويجب أن تختار مسار العمل المفضل وتوقيته والاستعداد لعواقبه.