معركة التحرير وجدلية الداخل والخارج 1/2

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

بقلم: الخبير العسكري والأمني:
عبد الله أمين
  30 04 2023

أولاً: بين يدي الموقف:  

لا ينفك يطرح موضوع تحرير فلسطين وهل أن عملية التحرير ستكون من الداخل، بحيث ينهض بجهدها الرئيسي أهلنا في الداخل المحتل؛ لتأتي باقي الجهود الخارجية، كجهود إسناد ودعم، أكثر منها جهود فعل رئيسية، وهذا الأمر -التحرير من داخل أو من الخارج-  أكثر ما يطرح بين أبناء فصائل المقاومة الفلسطينية التي تتوزع ساحات تواجدها بين الداخل، وساحات اللجوء المتعددة، فمنذ احتلال فلسطين وتشكل حركات المقاومة؛ برزت جدلية الداخل والخارج، وأيهما يجب أن يولى أهمية أكثر من غيره، ومن منهما يجب أن تخصص له القدرات وتنفق عليه المدخرات، وهل أن الخارج بما يمثل من ثقل بشري وقيادي هو محور العمل ومحركه ومديره وقائده؟ أم أن الداخل هو صاحب اليد العليا بما أنه يقدم الأكلاف الكبرى في المواجهة والتصدي للاحتلال وأعوانه؟إن هذا النقاش وهذا الجدل، يبقى في مساحة المحمود والمطلوب ما بقي الدافع له هو المصلحة العليا لشعبنا وأرضنا المحتلة، وما بقيت النتائج التي تصدر عنه تصب في تحسين الأعمال ورفع نواقصها والحد من نقاط ضعفها وسدّ ثغراتها، ويتحول -النقاش- إلى نار تأكل أخضر العمل قبل يابسه إن هي تحولت إلى نقاشات من نوع الدجاجة والبيضة، فتبدأ تأكل من رصيد الأعمال والأشخاص، وبدل أن توظف مثل هذه الاحتكاكات الفكرية والمفاهيمية كطاقة حركية تدفع بالأعمال إلى الأمام؛ وإذا بها تبرز كطاقة تفجيرية (تنعف) بنيان الحركات والمنظمات.

الأمر -جدلية الخارج والداخل- الذي ستناقشه هذه الورقة عبر مجموعة عناوين، بدءاً من فرضيات الموقف -عملية التحرير- الذي بين يدينا، مروراً بطرق العمل المتصورة، والتي ستأخذ الحيز الأكبر من التفصيل والحديث، وانتهاءً بخلاصة الموقف وتقديره، الذي سنختمه بمجموعة من التوصيات.

  ثانياً: فرضيات الموقف:  
قبل الولوج إلى تفاصيل الموقف الذي نحن بصدده؛ لا بد لنا من تحرير مجموعة مفاهيم وفرضيات لا نعتقد أنها تخفى على العاملين في الشأن الفلسطيني -فصائل ومنظمات، دول وحركات- حيث إن غيابها أو عدم أخذها بعين الاعتبار؛ سيترك أثراً مهماً لا يستهان به في التحضير لعملية التحرير وإنجاز مقدماتها، وأهم هذه الفرضيات يمكن أن يجمل على النحو الآتي:  

1. حتمية التحرير:  الفرضية الأولى هي فرضية حتمية تحرير فلسطين، فهذا أمرٌ أقرته كافة الشرائع السماوية، والسنن الأرضية، فنحن موعودون بتحرير أرضنا بقول ربنا سبحانه عز وجل، وبوعده الناجز لعباده حيث قال عز من قائل:  "... فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار..." الجوس لا يكون بدون تحرير، وبقوله عز من قائل: "فإذا جاء وعد الآخر ليسوؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرًا" وهذه وعودٌ ناجزة، ولن نناقشها من حيث التحقق؛ أجاءت أم هي في طور الإتيان، فهذا بحث شرعيٌ نتركه لأهل الاختصاص والعلم ليفصلوا فيه بعلمهم ولغتهم، ولكن ما يعنينا نحن أن هذه وعودٌ ممن لا يُخلف وعده، ولا يخذل عبده، فقط  إن تحقق شق هذه المعادلة الثاني والمعنيون به نحن قبل غيرنا من تحقيق العبودية لله، لينجز لنا ربنا وعده، أما في السنن الكونية، فيكفي أن نقول أنه لم يدم احتلال لأرض، ولم يضع حقٌ وراءه مُطالب، وفي (التاريخ بر يمينِ) وصدق شواهدِ.

  2. محددات الجغرافيا والديموغرافيا: الفرضية الثانية التي تجب الإشارة لها، هي الطبيعة الجغرافية والطبوغرافية والديموغرافية لمنطقة العمليات، والأرض المنوي تحريرها، ففلسطين من حيث الشكل بلد مستطيل الشكل مكتظ بالسكان، ممتزج بعض ناسها ببعضهم الآخر، فمدن الداخل المحتل في الثمانية والأربعين مختلطة القاطنين حتى النخاع، ومحافظات الضفة الغربية مليئة بالمغتصبات والمغتصبين، والعمل في مثل هذه البيئات لتطهيرها وتحريرها فقط بجهد داخلي؛ يترتب عليه أكلاف عالية لا يمكن تصورها أو تحمل وقوعها، وهذا بحث يطول التفصيل فيه، وشرح ما يترتب عليه من نتائج وآثار.  3. تعدد الشركاء وطلاب الدم والثأر:

أما ثالث هذه الفرضيات فهي: تعدد الشركاء وطُلاب الدم والثأر من هذا المحتل الصائل؛ ففضلاً عن أصحاب الدم الرئيسين والذين هم نحن الفلسطينيون بفصائلنا وشخوصنا وحمائلنا وعشائرنا، فضلاً عن هذا المكون الرئيسي، هناك طلاب دم هم (عاقلتنا) وعائلتنا الكبيرة المتمثلة بأبناء هذه الأمة المترامية الأطراف، المتعددة المذاهب والأعراق، فهم يرون أنفسهم عاقلة الشعب الفلسطيني وعائلته الكبرى، ودرعه الذي يجب أن يتدرع به، كما يرونه -الشعب الفلسطيني- الحارس الأمين على  أرض إسراء نبيهم ومعراجه، ولا يرون هذا المحتل إلّا غاصباً لأولى قِبلاتهم، وثالث أحرامهم، ونحن كأبناء بلد وأصحاب أرض؛ لا يمكن ولا نستطيع، فضلاً عن أنه من غير المعقول حرمان هذه الشريحة البشرية من حقها هذا، فضلاً عن أن عدم الاستعانة بمثل هذه الطاقات -البشرية المادية- في مشروع تحريرنا، أو الزهد في تخصيص دور لها؛ إنما هو الجنون والعبث وقلة المسؤولية بعينها!!

4. طبيعة المحتل:  الفرضية الرابعة التي لا يجب نسيانها أو التغافل عنها هي: طبيعة هذا المحتل، إن هذا الاحتلال من نوع الاحتلال الإحلالي، والذي معادلة العمل معه معادلة صفرية؛ فما نكسبه يخسره هو، والعكس صحيح، كما أننا نقاتل الجيل الثاني لهذا المحتل، والذي يرى أنه ولد في هذه الأرض ولا يعرف سواها -وإن ملك جنسية غيرها من باب الاحتياط للمستقبل- لذلك فمشكلتنا مع هذا العدو، وبنيه من الجيل الحالي في أنهم يعتقدون أنفسهم أصحاب أرض ولدوا فيها ولا يعرفون غيرها، لذلك هم (يستشرسون) في قتالهم و(الدفاع) عما يزعم أنه حق لهم، و(أفضلهم) حالاً معنا؛ من يريدون أن يقاسمونا أرضنا وخيراتها!! لذلك فإن أخذ هذه الفرضية بالحسبان؛ سينعكس حكماً على طرق عمل التحرير، وخطط ومعركة وعد الآخرة.  5. تفاوت ميزان القوى:  أما خامس وآخر وأهم هذه الفرضيات، فهي: تفاوت ميزان القوى بيننا وبين هذا المحتل، وهنا الحديث يطول، ولا يجدي معه استدعاء الأرقام والإحصاءات للدلالة عليه، أو لإثباته، لذلك لن نخوض فيه، ولكننا في المقابل لن نقع فريسة فرضية أن هذا العدو لا يمكن قتاله ما لم تتكافأ قوتنا مع قوته، أو ترجح موازين القدرة لصالحنا؛ الأمر -تكافؤ القدرات- غير قابل للتحقق أو الحصول، على الأقل في المدى القريب أو المتوسط.ومثل هذه الفرضية يعني حكماً النظر في كيفية الاستفادة من الفرضية الثالثة -تعدد الشركاء- وكيف يمكن جبر كسرنا بما يملك شركاؤنا من قدرات وإمكانات، وأيضاً هذا بحثٌ يطول الحديث فيه بطول شارع الـ 90 في فلسطين.
  أمام هذه الفرضيات الخمسة، تشخص أمامنا الأسئلة التالية:  
1. ما هي سيناريوهات العمل المتوقعة لتحرير فلسطين؟  
2. وما هي طرق العمل الرئيسية الكلية في مسار التحرير؟ 
 3. ما هي متطلبات كل طريقة من هذه الطرق؟  
4. ما هي العقبات التي تقف حائلاً دونها؟  وللإجابة على هذه التساؤلات وغيرها؛ سنتحدث في الجزء الثاني من هذه الورقة  عما يمكن أن يطلق عليه سيناريوهات العمل أو طرقه المتوقعة للتحرير الذي نراه قريباً، والتي نحسب أنها لا تتجاوز الفرضيات الثلاثة الآتية: 
 1. فرضية التحرير من الداخل، جهد رئيسي، والخارج كجهد ثانوي. 
 2. فرضية التحرير من الخارج، كجهد رئيسي، والداخل كجهد ثانوي.
3. فرضية تقاسم الأدوار ومهام التحرير بين الداخل والخارج. 
 سنناقش هذه الفرضيات الثلاث، وما يترتب عليها من مترتبات، وما تقتضيه كلٌ منها من مقتضيات، علّنا نكون بذلك أجبنا على أهم ما يتوارد على الذهن عندما يُستدعى نقاش خطة التحرير، معتقدين أن مثل هذا النقاش وهذا التفكير يجب أن يأخذ مداه إلى أبعد حدود، وأن تخضع كامل فرضياته للتمحيص والامتحان، وأن يشارك فيه فضلاً عن أصحاب القرار وصناعه، أهل الاختصاص الرئيسي في هذا الجهد الاستثنائي  وهم العسكر، كونهم هم من سيقع على عاتقهم تحويل الرؤى والأهداف السياسية المطلوب تحقيقها في مشروع التحرير هذا، وتحويلها إلى مهام عسكرية وإجراءات تعبوية، تفضي إلى تحرير الأرض والإنسان.

والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.  

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023