وعد الأخرة على طريقة جنين

بقلم:
رائد أبو ظاهر  



في داخل المنظومة الأمنية العسكرية الصهيونية يطلق على مخيم جنين مصطلح (جرمانيا) وهو مفهوم روماني قديم يعني البرابرة ،وربما يكون المقصود به التبرير: تبرير لقتل الأبرياء وتبرير عدم تحقيقهم للنصر والحسم والقضاء على المقاومة.

  لقد بدأت عملية حديقة وبيت (بأس جنين) بضربة خاطفة أولية استعراضية من سلاح الجو حتى يخيل للمرء أن المبادرة ما زالت بيد الجيش ودولة الكيان في محاولة لتكرار سيناريو حرب 1967 ولإثبات مدى عنف وقوة ذلك العدو الموجود داخل أزقة المخيم، لذا لا غرابة أن نقول بأن العدو قد طبق في هذه العملية كل ما تعلمه خلال المئة عام الماضية ومنها:  

1.نقل المعركة إلى أرض العدو، إلى أرض البرابرة (جنين) حتى لا تعيش جبهته الداخلية أي كابوس من جديد، ولكن عملية تل أبيب أسقطت ذلك وأسقطت مفهوم الحدود الآمنة والعمق الجغرافي.

2. طنجرة الضغط: طبق هذا المفهوم على كل المخيم وليس بيت بعينه ورغم ذلك سقط هذا المفهوم وتحول المخيم إلى طنجرة ضغط عكسية لكل الغزاة الداخلين إلى أرض القسام.  

3.الهندسة العكسية أو التدمير الذكي الممنهج والذي لم يقتصر على إجراء فتحات داخل المنازل بل تشمل كل زقاق وشارع.

4. جز العشب: فقد تبين أن قدرات المقاومة قد نمت أكثر من المتوقع لذا عجزت آلة الدمار على إرجاع جنين ومقاومتها إلى نقطة الصفر.  

5. الاخضاع: عجزت عن اخضاع الجيل الجديد وحاضنته واجتثاث ثقافة المقاومة والتي كانت بمثابة المضاد الحيوي لذلك الاخضاع والذي نما في رحم وعد الآخرة في إشارة واضحة أن ما كان لن يتكرر مجددا وبدأ عهد التسليط على أعداء الله.  

6.بنك الأهداف: قصف سلاح الجو أكثر من 20 هدفاً وآلة الدمار أكملت خريطة الألم الخاصة بها دون أن تصل إلى جذور الأهداف التي أعدت سابقًا.

7. استخدام الوحدات (9900 – 8200 - السايبر) في عملية اختراق وتشويش للاتصالات الداخلية والكاميرات وكأن الحرب هي مع إيران وليس مع مخيم.

8.ضبابية أهداف العملية مثل المعركة بين الحروب وعقيدة بيغن حتى لا تكون هزيمة المحتل واضحة للجميع في إقرار للعجز والضعف الذي تعيشه وستعيشه هذه الدولة مستقبلًا.    

9. الردع بكافة أنواعه لم يبقى منه في رأس الفلسطيني شيء سوى الرغبة بالمواصلة والانتقام، كل تلك النظريات سقطت خلال 48 ساعة وسقط معها مرة أخرى أسطورة الجيش الذي لا يقهر، والذي قهر مرتين عندما جعل في مقدمة عمليته جنود النخبة والذين يعتبر كل جندي منهم عبارة عن ناقلة جند مدرعة، ورغم ذلك خرجوا يجرون معهم آلياتهم العسكرية المدمرة وقتلاهم وبعض العبوات الناسفة والتي ستبقى تذكار خاص من المخيم إلى هؤلاء.  

أما على الجانب الآخر، جانب المخيم فقد أثبتت جنين الآتي:  

1- أن كل جيل يأتي يحضر طاقته معه والتي تكفيه للبدء والمواصلة.

2- مقاومي جنين والذين تدربوا في أزقة المخيم هزموا (1000) من جنود النخبة والذين تدربوا في أفضل الظروف والقواعد ليس ليوم واحد بل على مدار السنوات الماضية؛ لذا دخلوا جنين تسبقهم الأسطورة والخرافة المصاحبة لهم فسقطت.  

3-لقد هزمت إرادة القتال في جنين لواء الكوماندوز رقم 98 ولم تعطي له ممراً آمناً للدخول والانسحاب فقد استقبلتهم وودعتهم بالعبوات وإطلاق النار.  

4- بنت جنين جدارها الحديدي المضاد في عقول الصهاينة وأن الفلسطيني الجديد مختلف عن السابق فهو مقاتل لا يعرف الخوف ومصر على استعادة أرضه وحقوقه، وهذا دليل على أن الشعوب لا تردع بل الذين يردعون هم القيادات والزعماء.

5- فشل كي الوعي وانتصرت استراتيجية تغذية الوعي المقاوم وأنه من هنا تبدأ معركة وعد الآخرة وقد بدأت.

6-الجيش الصهيوني هرب من جنين ولم ينسحب.  



في النهاية انتصرت جنين في كل شيء وانتصر العدو في شيء واحد وهو المزيد من القتل والدمار بشعبنا في جنين.  

كل عام وجنين بخير، والآن يمكن الإعلان عن بداية الحقيقة المتواضعة لوعد الآخرة.



جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023