الآثار التعبوية للخلافات السياسية على المؤسسة العسكرية

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

بقلم:
الخبير العسكري والأمني:

عبد الله أمين  


ورقة تأصيلية

أولاً: مقدمة:  

تعج هذه الأيام صحف العدو ووسائل إعلامه بمختلف أنواعها وانتماءاتها السياسية بمقالات وتحليلات وتصريحات؛ ومن مختلف المستويات والتخصصات، حول خطر آثار الخلافات السياسية الحالية بين شرائح هذه الفسيفساء غير المتجانسة على ما يطلقون عليه بوتقة الصهر، ومعمل التجانس والصقل، وحامي البقاء، ودرع الصد؛ عنينا به المؤسسة العسكرية، حيث أن خلافات الأحزاب السياسية في هذا الكيان المؤقت وصلت إلى الحد الذي لم تدع مجالاً من مجالات حياتهم لم تقرعه، وحيث أن أي أثر لهذه الخلافات؛ مقدور عليه، ممكن التحمل؛ ما لم يصل إلى المؤسسة العسكرية، وينعكس على كفاءتها وطرق تشغيلها، وترتيب أولوياتها، الأمر ـ الخلاف ـ  وصل أثره فعلاً هذه المؤسسة وقرع بابها؛ لذلك ارتفعت الأصوات؛ وأٌشعلت الشارات الحمر، وتنادى قدماء  منتسبي هذه المؤسسة وحديثهم، وعلى صعيد واحد (دابين) الصوت، موحدي النداء وبمضمون واحد فحواه: أن الدرع قد تشقق، والسور قد تصدع، وأننا بتنا أمام أعداء، يفركون أيديهم شماتة، ويتجنبون (الحركشة) بنا لقناعتهم أننا ـ هم ـ كنار تأكل بعضها بعضاً، لذلك لا دعي لإلقاء حطب فيها، أو صب زيت عليها، فلندعها تأكل نفسها، وتفني ذاتها. إن هذا التوصيف أقرب ما يكون إلى الواقع، حيث أن الخلافات السياسية في هذا الكيان المؤقت، وما تركته على مؤسستهم العسكرية، تكاد تكون أخطر تهديد يواجه هذه الدولة المصطنعة المؤقتة على مدار تاريخها القصير، لذلك فإن هذه الورقة التأصيلية تبحث في مسألة ما تتركه الخلافات السياسية بين قادة الدول وأحزابها، أو مسؤولي الحركات التحررية ومكوناتها، ما تتركه خلافاتهم السياسية من آثار قاتلة على مبنى قوتهم الذي يعد الدرع الواقي، والسور الحامي لهذه الدول، وتلك الحركات، والذي إن تصدع أو انهار؛ فعلى الدول والحركات السلام، حيث ستناقش هذه الورقة، هذا الموضوع عبر مجموعة من العناوين، ثم تخلص إلى مجموعة من الخلاصات، علّنا بذلك لا نكرر خطأ المخطئين، ونجني فائدة من خلاف المختلفين، فيقوى عودنا حيث يَضعف الآخرين.      

ثانياً: أهم مجالات النزاع:  

أن هذه الورقة كما قلنا تأصيلية في مبناها وما تتطرق له من مفاهيم، لذلك سنتحدث في بدايتها عن أهم المجالات التي تشكل محطات النزاع الرئيسية بين المؤسسة العسكرية، وباقي مؤسسات الدولة السياسية والقانونية، حيث تقع المشاكل بين هذين المكونين في المجالات الخمس التالية:  

1. تجنيد النُخب:  

أول مجالات الخلاف هو الخلاف على تجنيد النخب في المجتمع، النخب العلمية والمعرفية والاجتماعية، فكلا المؤسستين تتصارعان على ضم أفضل ما في شرائح المجتمع من قدرات بشرية، كون هذه القدرات هي التي تنهض بالمؤسسات، وترعى تطورها، وتحقق فيها ولها الإنجازات التي ترفع من مستوى تقدير المجتمع للجهة التي تضم أفضل تلك الشرائح البشرية، والطاقات العلمية، وهنا يقع على عاتق القيادة العليا للدولة أو الحركة أو الحزب، الفصل في هذا النزاع، وتخصيص القدرات وتوزيعها بين مختلف مؤسسات وهياكل الدولة أو الحركة أو التنظيم، بناء على سُلم أوليات متفق عليه لدى صناع قرار في هذه الأجسام السياسية وقادتها، حتى لا يحصل تشويه في المبنى الكلي للدولة أو الحركة أو الجماعة السياسية.  

2. صناعة السياسات العامة:  

مربع الخلاف الثاني بين المستويين السياسي والعسكري في الدول والحركات والجماعات، هو مربع صناعة السياسات العامة، أو النظم الداخلية التي تَنظم عمل هذه الوحدات السياسية، فإن غابت الرؤية الكلية والاستراتيجية الكبرى الحاكمة لسير عمل هذه الأطر، وتلك المؤسسات؛ فإن كل واحدة منها ستسعى لصوغ ما يريحها ويخدم أهدافها هي من سياسيات وضوابط عمل ولوائح تشغيل، وستتداخل الصلاحيات، ويتدخل غير أهل الاختصاص فيما لا يعنيهم، ومثل هذه الشد الجذب، وعدم التفاهم عند صوغ هذه اللوائح سوف يؤدي إلى تضارب في المصالح، وعدم توافق على ترتيب الأوليات، وتخصيص القدرات، كما أنه سيتسبب في النزاع ومحاولة كل مكون (سحب اللحاف ) تجاهه، مما (يخلق)  تشوه في شكل ومضمون هذه الوحدات السياسية.  

3. الأمن الداخلي:  

ومن الأمور الخطيرة جداً والتي يوجدها هذا التجاذب والخلاف بين هذه المؤسسات، ما يتركه من أثر على موضوع الأمن الداخلي للدولة؛ وتعريف التهديد واللا أمن الذي يتطلب العمل على كبحه، وبأي وسائل يجب أن يواجه ؟ وهل أن مبنى الأمن المطلوب تأمينه هو الفرد ؟ أم المجتمع ؟ أم الدولة ؟ أو النظام ؟  وما هي الهياكل المطلوب بناؤها والإجراءات المطلوب تنفيذها لحفظ الأمن ؟ إن عدم التفاهم والتناغم والتنسيق بين هياكل الدولة أو الحركة، السياسية منها والعسكرية، سوف يؤدي إلى تعارض في فهم الأمن المطلوب تحقيقه، ومن ثم آليات تأمينه والمحافظة عليه، الأمر الذي يؤدي إلى فوضى عارمة، ونزاعات، بل وحروب داخلية، لا تحمد عقباها.  

4. الدفاع الخارجي:

كما انعكس الخلاف بين ركني الدولة أو الحركة، السياسي والعسكري على الأمن الداخلي، فإنه حكماً سينعكس على شؤون الدفاع الخارجية، فأي خطر خارجي ينبغي الشخوص والتصدي له، وتعبئة كامل الطاقات للحد منه وكبح جماحه ؟ وما هو الخطر الذي يجب التعامل معه قبل أن يتبلور ويخرج إلى حيز التنفيذ، فيبادر لضربه في عقر داره ؟ وما هي مكونات الدولة أو الحركة التي يجب أن تشارك في عملية التصدي هذه ؟ ومن هم الحفاء أو الأصدقاء الذين يمكن أن يستعان بهم ويطلب مددهم ؟ أصلاً من هو العدو الذي لا يمكن التعايش مع وجوده ويتطلب بذل الغالي والرخيص للتصدي له ؟ إن مسألة الدفاع الخارجي من أهم المسائل التي يجب أن يُجمع على فهم مركباتها لدى مختلف مكونات الدول والوحدات السياسية والحزبية، وفي غير هذه الصورة؛ فإن الهزيمة والخسارة حتمية الوقوع، وهي هزيمة ستأتي على أصل الكيان السياسي أو الحزبي أو الحركي.  

5. تنظيم المؤسسة العسكرية:  

آخر انعكاسات الخلاف بين تلك المكونات، ما يظهر أثناء صوغ القوانين والتشريعات والتدابير والسياسات الحاكمة والناظمة لعمل المؤسسة العسكرية والأمنية. لقد جبل الانسان على حب التسلط وحيازة السلطة، وكما قيل " فإن آخر ما ينزع من صدور الصالحين حب الرئاسة " هذا على صعيد الفرد، أما على صعيد المؤسسات، فإن رؤوس هذه المؤسسات ـ السياسية والعسكرية ـ  وقادتها يسعون عند بناء الدول والحركات والأحزاب لصوغ ما يريحهم وما يعتقدون أنه لا يقيد حركتهم، ويمنحهم أوسع هامش حركة. وهنا يبدأ الشد والجذب، والخلط بين ما هو مصلحة عامة ومنفعة فردية، والخطير في الأمر أن هذا التنازع يُصور على أنه نزاع على تأمين المصلحة الكلية وليس المنفعة الفردية، وينسى قادة المؤسسات العسكرية ومنتسبيها أنهم من الكل وللكل، وأنهم لا يجب أن يحسبوا على جهة دون أخرى، فهم حماة (الهيكل) والذابين عنه، وهم من يجب أن يكونوا القاسم المشترك الذي يلتقي عنده وعليه الجميع، هذا من جهة؛ أما من الجهة الأخرى؛ قد ينسى الساسة والسياسيون  أو يتناسون أنهم أداة تذليل المصاعب أمام المؤسسة العسكرية أو الأمنية، وأنهم لا يجب أن يُدخلوا هذه المؤسسات في النزاعات الداخلية، والمنافسات الحزبية، وأن عليهم كقادة وكسقف للوحدة السياسية أو الحزبية أوالحركية مطلوب منهم أن يصوغوا ويوافقوا ويقروا من اللوائح والسياسات ما يحقق أصل الهدف من تشكيل وإنشاء هذه المؤسسات؛ وليس ما يخدم أهداف فئة أو شريحة معينة من شرائح المجتمع. وفي غير هذه الصورة؛ ستبنى مؤسسات عسكرية وأمنية غير منضبطة، ولا يقيد فعلها قانون، وهنا لا بد من لإشارة إلى أن المؤسسات العسكرية غير المنضبة بقوانين ولوائح تولد انقلابات عسكرية، كما أن المؤسسات الأمنية التي لا يردعها قانون تولد ثورات !!!  

هذه أهم مجالات النزاع والخلاف بين المستويين السياسي والعسكري، التي يجب أن تفرد لها مساحات تفكير، وحلقات نقاش، وورش عمل، حتى لا يحصل الخلط، وليعرف كل حده فيقف عنده. أما عن تأثير الخلافات السياسية على المؤسسة العسكرية، فسنناقشه في العنوان الآتي.

ثالثاً: تأثير الخلافات السياسية:  

هناك نوعين من التأثيرات؛ جذرية، وأخرى تابعة، تتركها الخلافات السياسية بين مكونات الدولة أو الحركة أو الحزب، على مؤسساتهم العسكرية أو الأمنية، ومن أهما ما يأتي:  

أ‌. تأثيرات جذرية:  

التأثيرات الجذرية هي تلك التأثيرات التي تتركها الخلافات على أصل القوة، ومباني القدرة التي تحكم سير بناءها وتطور شكلها وكمها ونوعها، وهي تأثيرات قاتلة غير قابلة للإصلاح أو الاستدراك، ومن أهم هذه التأثيرات ما يأتي:

 

1. في تعريف التهديد:  

إن أهم مرتكز في بناء القوات، والذي يترك أثره على سائر مجالات تطور وتعاظم القدرات؛ شكلاً ومضموناً، هو تعريف التهديد؛ حيث أن هذا التحديد هو الذي يحدد النوع والكم والشكل والتنظيم، ومسار التطور، وقواعد الاشتباك، فإن لم يتم تعريف التهديد بشكل دقيق قبل أخذ قرار بناء القدرات؛ فإن انحرافاً قاتلاً سوف يصيب هذا المسير، ولن يوصل إلى أفضل مصير، وستهدر الطاقات وتبدد الدنانير، و ستلقى الدول والتنظيمات والحركات أسوء مصير.  

2. في تعريف المصالح و/ أو الأهداف:  

الأثر الثاني الذي يتركه خلاف الساسة على المؤسسة العسكرية هو: تعريف الأهداف أو المصالح، فالمهمة الكلية للمؤسسة العسكرية تحول القرارات أو التوجهات السياسية إلى مهام تعبوية، وتقوم بذلك من خلال تجسيد هذه القرارات على صورة إجراءات، واسقاطها على أهداف تعبوية يجب أن تُحقق، كون تحقيق هذه الأهداف يعني تحقيقاً لمصلحة عامة، ودرء لمفسدة طامة. لذلك فإن خلاف الساسة يشوش بوصلة الجهاز التنفيذي فلا يصل إلى مبتغاه ولا يحقق ما يتمناه.  

3. في تعريف منظومة الأصدقاء والحلفاء:

الأثر الجذري الآخر والذي يتأثر بالخلافات السياسية البينية، ما يظهر على آليات ومعايير تعريف وبناء منظومة وسلسلة الأصدقاء والحلفاء، فمن هم الأصدقاء والحفاء ؟ هل هم أصدقاء هذا التيار ؟ أم ذاك الاتجاه ؟ هل ما يراه فريقٌ سياسي من معايير لتعريف الصديق من العدو هو الذي يجب أن تعتمده المؤسسة العسكرية أو الأمنية ؟ أم ما وضعه الفريق الآخر من معايير وتوجهات هو واجب الرعاية وليس غيره ؟ إن تعريف الصديق من العدو عند المؤسسات العسكرية يعني تحديد مصدر القوة الإضافية الممكنة الاستدعاء عند الحاجة، ونقطة ارتكاز بناء القوة وتخصيص القدرات، لذلك فإن ضبابية هذا التعريف يؤدي إلى عدم القدرة على استدعاء التعزيز عند الحاجة أو الضرورة، أو تخصيصها عند البناء والمراكمة.  

4. في مبنى مسار بناء القوات:  

إن القوات المسلحة عندما يؤخذ قرار بنائها، والسير في تطويرها، تضع لنفسها مبناً قائماً على معايير وقرارات سياسية، متفق عليها وغير حمالة أوجه، وهذه المبنى إن صدر عن جهتين مختلفتين أو متصارعتين أو متعارضين؛ لا يمكن أن تقوم له ـ مبنى مسار البناء ـ قائمة، ولا يمكن أن يقف على قواعد صلبة، وهو معرضٌ للنقد ثم النقض مع كل تغير في الهيكل السياسي المرجعي. أو بمعني آخر فالدول والحركات  تقرر بناء على الجغرافيا التي تعمل فيها، والتهديد والأهداف والمصالح المطلوب تأمينها، وتقرر أنه ولتحقيق الأهداف وليتلاءم الشكل مع الجغرافيا ويخدمها، لابد أن يكون هيكل القوات المسلحة شاملاً ثلاثة قوى أو أذرع ـ برية بحرية جوية مثلا ـ وأن الموارد يجب أن تخصص لهذا الأذرع، بأولوية الذراع الفلانية كجهد رئيسي، والأذرع الأخرى كجهد ثانوي، عندها تعبئ المؤسسة العسكرية كامل طاقاتها الفنية والبشرية لترجمة هذا القرار السياسي وتحويله إلى إجراءات عمل وخطط تنفيذية، فإن تصارع الساسة وتناطحوا؛ فلن تكون هذه المسألة بالوضوح الذي يمكّن الجهاز التنفيذي ـ المؤسسة العسكرية ـ من تحويل تلك القرارات إلى إجراءات، عندها ستهدر الطاقات، وتبدد الموازنات.  

5. في القوانين والأنظمة واللوائح الداخلية للمؤسسة العسكرية:  

أما الأثر الأخير الذي يتركه خلاف المكونات السياسية للدول أو الحركات التي تملك مثل هذه الأجهزة التنفيذية، فهو شكل ونوع وطبيعة القوانين والأنظمة واللوائح الداخلية التي تنظم عمل هذه المؤسسات التنفيذية، ما هو توصيفها الوظيفي ؟ وما هي اختصاصاتها ؟ وما هي مهامها ؟ وما هي السياسات والضوابط الناظمة لعملها ؟ كلها أمورٌ ستتأثر بشكل أكيد من خلاف السياسيين فيما بينهم، ولن تشعر أطر العمل التنفيذية هذه أنها في أمان، وأن ظهرها محمي، وأن هناك من يسهر للدفاع عنها، وتأمين متطلبات حياتها، لتنصرف وتتفرغ لتنفيذ ما هو مطلوب منها تحقيقه، وتأمين ما هو مطلوبٌ منها تأمينه.  

هذه بعض أهم الآثار الجذرية التي يتركها خلاف الساسة والقادة  في الدول والحركات على مؤسساتهم العسكرية أو الأمنية، أما عن التأثيرات التابعة فهي في العنوان الآتي.  

ب‌. تأثيرات  تابعة:  

التأثيرات التابعة هي مجموعة من الآثار التي تتولد من خلاف الساسة وألي الأمر، وهي تأثيراتٌ يمكن استدراكها والعمل على تصحيح مسارها؛ بشرط أن يُتغلب على التأثيرات الجذرية أولاً، ومن أهم التأثيرات التابعة ما يأتي:  

1. في تحديد الموازنات:  

إن أول الآثار التابعة الناتجة عن الخلاف السياسي أو الحزبي ، والتي تقع على المؤسسة العسكرية أو الأمنية، هو خلاف في تحديد موازنات عمل هذه المؤسسات، فالخلاف يعني عدم التوافق على الأهداف، والأولويات، وهذا كله ينعكس على تخصيص القدرات المادية والبشرية، وهي أمور تظهر حكماً في اعتماد وتحديد موازنات هذه المؤسسات، فقد تأخذ أقل مما تريد، فتخفق في تحقيق ما هو مطلوب منها، وقد تأخر أكثر مما هو مطلوب، فتتولد خلافات ومشاحنات بين هذه المؤسسة وغيرها من مؤسسات الدولة أو الحركة التي ترى انها ظُلمت ولم تأخذ ما يناسبها من موازنات، وهذه هي عين المفسدة.  

2. في الغطاء السياسي وتحمل المسؤوليات:  

كما يظهر الخلاف جلياً في تحمل مسؤولة ما تقوم به المؤسسة العسكرية من أعمال ونشاطات، وما يقع في صفوفها من خسائر أو أضرار، فهذه المؤسسة بحاجة إلى أفضل وأشمل وأعم غطاء سياسي لممارسة عملها بحرية كبيرة، ومثل هذا الغطاء لا يمكن أن يتوفر في حالة التنازع والمشاكسة السياسية، لذلك ستفتر همة العاملين والمنتسبين لهذه المؤسسات عن العمل عندما يجدون أنفسهم محط نقد أو رجم من بعض الجهات السياسية، بدل أن يكون محل حماية ورعاية الجميع.  

3. في تخصيص القدرات:  

الأثر المهم الثاني الذي يتركه الخلاف بين قادة الدولة أو الحركة أو الحزب على ما يملكون من قدرات خشنة، ما يظهر في تخصيص القدرات؛ فعلى أي شيء ستركز المؤسسة العسكرية أو الأمنية في بناءها قدراتها، ومراكمة خبراتها ؟ ما هو مركز ثقل عملها وجهدها الرئيسي في عملية البناء لتلك القدرات ؟ إن العجز في تحديد المبنى الرئيسي الذي على أساسه ستخصص القدرات، وتتمركز الجهود، يؤدي إلى هدر الطاقات، وتبديد الموارد دون أي عائد.    

4. في قواعد الاشتباك:  

كما يظهر أثر الخلاف في تحديد قواعد الاشتباك التي تضبط تشغيل القدرات العسكرية، فهل كل طلقة أو استثارة معادية تتطلب الرد عليها بنار أو بإجراء ؟ وما هو سقف الإجراءات التعبوية المسموح للمؤسسة العسكرية أن تتحرك تحته دون الرجوع إلى المستوى السياسي ؟ ومن هو صاحب الرأي الأهم في تحديد وقف إطلاق النار ـ مثلاً ـ من عدمه ؟ ما هي التدابير القيادة التي يجب أن تلتزم بها المؤسسة العسكرية عند وضعها لقواعد الاشتباك ؟  

5. في هامش المناورات والإجراءات:  

آخر الآثار التي يتركها الخلاف السياسي على المؤسسة العسكرية هو في تحديد هوامش المناورات والإجراءات التي تتحرك في إطارها التشكيلات القتالية، وتتحرك ضمنها، فالمؤسسة العسكرية أو الأمنية التي يحكم قرارها قادة متنازعين أو متشاكسين، ستجد نفسها وبحثاً عن السلامة وعدم (وجع ) الرأس تتحرك في هامش ضيق من مناورات العمل وإجراءات التنفيذ، والتي ـ المناورات والإجراءات ـ من الممكن أن يصحبها خسائر وأضرار، لذلك ستحجم المؤسسة العسكرية عن القيام بمثل هذه النشاطات والفعاليات المهمة في عملية التطوير والبناء حتى لا تقع تحت مقصلة المسائلة الناتجة عن المناكفة والمشاكسة.  

كانت هذه أيضاً بعض الآثار التابعة التي تتركها الخلافات السياسية على بناء المؤسسات العسكرية في الدول والحركات الثورية. أما ما تتركه هذه الخلافات من آثار مدمرة كمحصلات نهائية لهذه المشاكسات السياسية على هذه المؤسسات التخصصية، فيمكن اختصاره بالمتون التالية، والتي سنتركها دون شرح لأهمية بقائها كمتن، يستنبط منه كل ما يراه مناسباً لوضعه وموقفه، حيث من أهمها ما يأتي:  

1. تشوه في البناء التطوير.  

2. عجز في التشغيل والتسييل.  

3. ضعف في الروح المعنوية والانتماء.  

4. هزائم في المعارك والحروب.  

5. فرض إرادة الآخرين على المتخاصمين المتشاكسين.  

هذه بعض الأفكار والخطوط العريضة التي تتولد عن الخلاف بين ساسة الدولة أو الحركة أو الحزب، وما تتركه هذه الخلافات من آثار جذرية أو تابعة، على جدارهم الواقي، وقلعتهم التي يفترض أن يلوذون بها، وهي ـ الخلافات ـ سبب ذهاب الريح، وترك العدو مستريح. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.  




جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023