معهد بحوث الأمن القومي
أودي ديكال، ورام كوهين، ونير شيلو
تحديث..
المنطقة ج -التي تشكل 60٪ من أراضي الضفة الغربية- هي نتاج اتفاقيات أوسلو، وهي تحت السيطرة المدنية والأمنية لدولة "إسرائيل".
تضم المستوطنات اليهودية في المنطقة نصف مليون مستوطن، وهي موزعة على أكثر من 150 نقطة استيطانية، بما في ذلك البؤر الاستيطانية غير القانونية، وتحتل 4.5٪ من المنطقة، من ناحية أخرى، يعيش في المنطقة (ج) أكثر من مائتي ألف فلسطيني في أكثر من 530 بلدة.
يمتلك الفلسطينيون ربع الأراضي- 5% للمؤسسات والمساكن، وحوالي 20 % للأنشطة الزراعية والرعي، وتشكل أراضي الدولة وأراضي المسح حوالي 60 % من المساحة.
تنظر الحكومات الإسرائيلية إلى المنطقة (ج) باعتبارها مساحة أساسية للاستيطان والأمن اليهوديين، وأيضًا كأحد الأصول في المفاوضات المستقبلية، وفي المقابل، يرى الفلسطينيون المنطقة (ج) كمساحة ضرورية لإقامة دولة فلسطينية مستمرة ومستدامة.
النهج الفلسطيني ..
أبعاد المنطقة
من وجهة نظر السلطة الفلسطينية، يُقصد بالمنطقة (ج) أن تكون جزءًا مركزيًا وأساسيًا من الدولة الفلسطينية من أجل خلق استمرارية إقليمية وبحكم كونها شاملة للمساحات الزراعية والموارد الطبيعية ومناطق البنية التحتية وتوسيع المناطق الريفية والبناء الحضري.
الهدف الرئيسي للسلطة الفلسطينية هو تهيئة الظروف للسيطرة على معظم المنطقة (ج).
في هذا الإطار، تسعى السلطة جاهدة لخلق تسلسلات جغرافية مأهولة بالفلسطينيين بين المناطق؛ لفرض قبضة خانقة حول المستوطنات اليهودية لمنع توسعها، والسيطرة على شرايين النقل الرئيسية والوصول المباشر إلى المملكة الأردنية.
وتحقيقاً لهذه الغاية، أنشأت السلطة مكتباً حكومياً يشرف على النشاط الميداني، ويضع خرائط للاحتياجات الفلسطينية ويضع الخطط.
ابتداءً من عام 2009، صاغت السلطة الفلسطينية "خطة فياض"، بقيادة رئيس وزراء السلطة الفلسطينية في ذلك الوقت، على أساس مفهوم أن الدولة الفلسطينية يجب أن تُقام من الأسفل إلى الأعلى.
في وقت لاحق، تم وضع خطة تعرف باسم "الحملة على المنطقة ج"؛ تهدف هذه الخطة إلى إخضاع معظم المنطقة (ج) للسيادة الفلسطينية.
يتم تمويل البرنامج من ميزانية خارجية، بل ويتجسد في قرار الاتحاد الأوروبي الذي يقضي بأنه يمكن للفلسطينيين العمل في المنطقة (ج) ليس فقط لأسباب إنسانية واقتصادية، ولكن أيضًا لتعزيز النظام السياسي واستجابة لإجراءات التوسع الاستيطاني الإسرائيلية.
تشمل النية الفلسطينية للاستيلاء على المنطقة (ج) تسجيل ملكية الفلسطينيين للعقارات.
وفقًا لتقرير صادر عن وزارة الاستخبارات، بذلت السلطة الفلسطينية في السنوات الأخيرة جهودًا كبيرة في مجال تسجيل الأراضي، مستغلة الفراغ القانوني الذي نشأ في المنطقة لأن "إسرائيل" جمدت عملية تسوية الأراضي في عام 1968 لاعتبارات قانونية و توفير الموارد.
في الوقت نفسه، يبذل الفلسطينيون جهودًا قانونية لمنع هدم المباني غير القانونية (المباني العامة بشكل أساسي) ونجحوا في الحصول على 113 بلدة غير مرخصة.
في أعقاب فك الارتباط الإسرائيلي عن شمال السامرة (2005)، كان هناك زيادة ملحوظة في حجم البناء الفلسطيني في شمال الضفة الغربية، واتسع نطاق الأراضي المحتلة بنسبة 150٪، وتحظى عمليات السلطة الفلسطينية في المنطقة بدعم أوروبي، مع الفلسطينيين الذين يعملون بتمويل أوروبي، لتسجيل المحرمات الفلسطينية وتنظيم العقارات، وفي الخلفية، يتضح التزام السكان الفلسطينيين بالسيطرة على المنطقة (ج)، وهو ما ينعكس في استخدام المناطق الزراعية والمراعي.
الجهود الرئيسية للسلطة الفلسطينية فيما يتعلق بالمنطقة ج:
وفقًا للنهج الذي يوجه المستوطنين الأيديولوجيين وأنصارهم في الجمهور والحكومة (خاصة أولئك المرتبطين بالصهيونية الدينية الراديكالية)، فإن العقيدة الاستيطانية في أرض "إسرائيل" بأكملها يساوي جميع العقائد الآخرى معًا.
وبحسبهم، فإن الاستيطان يلزم الجيش الإسرائيلي بحماية المستوطنات وشريان حياتها، لأن ذلك يمنع الفلسطينيين من السيطرة على المناطق المفتوحة ويشدّد السيطرة الإسرائيلية عليها، من أجل قمع تواجد ونشاط الفلسطينيين من المنطقة (ج)، تم إنشاء مزارع زراعية ومصادرة مناطق رعي واسعة.
من ناحية أخرى، هناك من يعارض سياسة الاستيطان لأنها تعيق تسوية سياسية مستقبلية، وتزيد من الاحتكاك مع السكان الفلسطينيين وتضر بتطورهم، وتؤجج الانتقادات الدولية لـ"إسرائيل"، وتمدد قوات الجيش الإسرائيلي إلى أقصى الحدود - تتطلب استثمار قوات عسكرية مكثفة وجهود لحماية المستوطنات والطرق المؤدية إليها.
مسألة تطبيق السيادة/ضم الأراضي ج: هذه القضية هي أيضاً في قلب الجدل العميق في المجتمع الإسرائيلي.
ظهرت عدة أفكار حول هذا الموضوع:
(1) تطبيق السيادة على وادي الأردن، والذي من شأنه أن يحدد الحدود الشرقية لـ"إسرائيل" ويمنع "حق العودة" الفلسطيني عبر الحدود الشرقية.
(2) تطبيق السيادة/ضم مناطق المستوطنات فقط (مناطق بناء أو مناطق نفوذ).
(3) ضم الكتل الاستيطانية حسب مسار الجدار الأمني.
(4) ضم جميع المناطق "ج" ؛ (5) ضم نصف مناطق C كما عبرت عنه "خطة القرن" لرئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب (2020).
الفكرة الرئيسية التي تروج لها الحكومة الحالية هي إعداد شروط الضم (البعض يسمي الخطوات التي يتم اتخاذها في الإقليم "ضم الزاحف") وهذا ينعكس في عدد من التحركات، مركزها: صلاحيات الإدارة المدنية للوزير في وزارة الجيش (الوزير بتسلئيل سموتريتش)، وتوسيع المشروع الاستيطاني من خلال "تنظيم المستوطنات الفتية"، أي الاعتراف القانوني بالبؤر الاستيطانية غير القانونية.
أكد الوزير سموتريتش، الذي نُقلت إليه السلطات المدنية في الضفة الغربية، كجزء من وثيقة "خطة الحسم" التي نشرها، أن المهمة هي "إحراق وعي العرب والعالم بأسره بعدم وجود فرصة بإقامة دولة عربية على أرض "إسرائيل"، كما يعتقد أنه يجب تقديم خيارين للفلسطينيين: الهجرة إلى الدول العربية، أو الاستسلام تحت الحكم الإسرائيلي في الكانتونات المتمتعة بالحكم الذاتي كمقيمين.
في نقاش في لجنة الشؤون الخارجية والدفاع، كشف الوزير سموتريتش أن الحكومة تعمل على تغيير في السياسة في إطارها ستعمل أيضًا على فرض البناء في المناطق أ و ب، وأن العمل جار لتحسين نظام الإنفاذ داخل مديرية المستوطنات بوزارة الدفاع التابعة له.
هذا، من خلال إنشاء وحدة تكتيكية مخصصة من حرس الحدود للتنفيذ في الضفة الغربية، حتى أن الوزير سموتريتش كشف عن نية تشجير أراضي الدولة في المنطقة من قبل صندوق إقامة "إسرائيل" القومي، لتخصيص مئات الآلاف من الدونمات للزراعة وتنظيم شرعية أكثر من 50 مزرعة زراعية.
إن تنفيذ سياسة الحكومة الإسرائيلية فيما يتعلق بالمنطقة (ج) يعني الانزلاق إلى واقع "دولة واحدة"، الضم الفعلي للمنطقة من أجل إحباط أي فرصة للتسوية السياسية مع الفلسطينيين وتحقيق رؤية الانفصال عنهم.
تؤدي عمليات الضم الزاحف بالفعل إلى إضعاف السلطة الفلسطينية وإلحاق الضرر بقدرتها على أداء دورها في إدارة حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية.
سيؤدي الضم إلى مزيد من الضعف للسلطة الفلسطينية وحتى إلى تفككها النهائي وسيجر "إسرائيل" لتحمل المسؤولية الكاملة عن الحياة اليومية لما يقرب من ثلاثة ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الضم والسلوك الأحادي الجانب ومعالجة الوضع الحالي على أنه وضع "دائم" وليس "مؤقت"، سيضع "إسرائيل" في موقف إشكالي في مواجهة النقد الدولي والتصنيف كدولة فصل عنصري.
إن استيعاب الفلسطينيين في "إسرائيل" في جو من الصراع المستمر وليس كجزء من نظام سياسي مشترك، سوف يوسع الاحتكاك السلبي، ويؤدي إلى تفاقم تحديات الهوية، وينطوي على صراعات على أسس دينية ووطنية، فضلاً عن تصعيد في الجريمة والمقاومة و الاحتجاجات العنيفة، وستؤدي إلى تفاقم تحديات الحكم.
من منظور بعيد المدى، فإن التوازن الديموغرافي الإسرائيلي الفلسطيني سوف يقوض أساس مهمة "إسرائيل" -دولة يهودية وديمقراطية- ويؤدي إلى تحولها إلى "دولة واحدة" مع "سيادة يهودية" أو "دولة من لكل المواطنين".
ملخص وتوصيات..
من وجهة نظر استراتيجية، يتطلب الحفاظ على دولة "إسرائيل" اليهودية والديمقراطية والآمنة والمزدهرة كبح اتجاهات الاختلاط السكاني في يهودا والسامرة والانزلاق إلى واقع "دولة واحدة".
ولهذه الغاية، يجب تهيئة الظروف لفصل سياسي وجغرافي وديموغرافي عن الفلسطينيين، وفي الوقت نفسه لتحقيق الاستقرار في سلطة فلسطينية مسؤولة ومستقرة وفعالة وتتعاون مع "إسرائيل".
من أجل تعزيز أهداف الانفصال عن الفلسطينيين ووقف الانزلاق إلى واقع "الدولة الواحدة"، يجب على "إسرائيل"، أولاً وقبل كل شيء، تغيير نهجها تجاه المنطقة "ج" من استيلاء أحادي الجانب إلى تحديدها كمنطقة اتفاقيات مع السلطة الفلسطينية.
يقترح تخصيص ما يصل إلى 25% من المنطقة ج لتطوير البنية التحتية والمشاريع الاقتصادية لتشجيع الاقتصاد الفلسطيني، وخلق استمرارية النقل، ونقل المناطق المأهولة الفلسطينية التي توغلت من حدود مناطق أ/ب إلى منطقة ج، للسيطرة الفلسطينية (يعيش ويقيم أكثر من 200.00 فلسطيني في المنطقة (ج)، كجزء من تخصيص مناطق التنمية، سيتم إنشاء لجنة مخصصة، بمشاركة أطراف دولية، لبدء المشاريع في المنطقة (ج).
في المرحلة الأولى، لن يتم نقل صلاحيات التخطيط والبناء (تقسيم المناطق والتخطيط) في هذه المناطق إلى الفلسطينيين، ولكن فقط لاحقًا، بعد بدء العمل في المشاريع، إثبات التنفيذ وتحمل المسؤولية الفلسطينية.
أما بالنسبة للمستوطنات، فلا يوصى بإخلائها، بل تعليق السياسة الاستيطانية الحالية: يجب إزالة جميع البؤر الاستيطانية غير القانونية والمزارع الزراعية غير المرخصة، وإعطاء الأولوية للبناء والتطوير في الكتل الاستيطانية غرب مسار الجدار الأمني.
المستوطنات المعزولة في قلب الأراضي الفلسطينية يجب وقف توسعها، باستثناء احتياجات التكاثر الطبيعي، ويجب إحباط سياسة الوزير سموتريتش لنقل نصف مليون مستوطن آخر هناك.
في إطار المحادثات الهادفة إلى إقامة التطبيع بين "إسرائيل" والسعودية، برزت الحاجة إلى "صفقة فلسطينية"، أي تبديلات من جانب "إسرائيل" بشأن القضية الفلسطينية، والتي قالها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الولايات المتحدة جو بايدن يمكن أن يسجل على أنه إنجاز من شأنه أن يساهم في تحقيق فكرة الدولتين.
أشار توماس فريدمان -في مقاله الذي نشر في صحيفة نيويورك تايمز- إلى العودة المحددة التي يطالب بها السعوديون ضمن الاتفاقية الثلاثية مع الولايات المتحدة: تعهد رسمي بعدم ضم الأراضي؛ وقف بناء مستوطنات جديدة أو توسيع المستوطنات خارج الكتل القائمة.
الوعد بعدم شرعنة المزيد من البؤر الاستيطانية غير القانونية، وكذلك نقل جزء من المنطقة (ج) الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة إلى المنطقتين (أ) و (ب) الخاضعتين للسيطرة الفلسطينية.
لـ"إسرائيل" مصلحة في الترويج لاتفاقية تطبيع مع المملكة لأهميتها الاستراتيجية والاقتصادية والدينية والسياسية - وكذلك ضد المحور الإيراني.
كما أن الاستعداد الأخير للسلطة الفلسطينية للمشاركة في اللعبة السياسية وعدم التخلف عن الركب يشجع التفكير في اتجاه تعزيز المشاريع الاقتصادية والبنية التحتية في المنطقة (ج)، وفيما يلي عدد من المشاريع المحتملة:
* تحسين وتبسيط الرقابة المشتركة على المعابر - تحسين مستوى الخدمة والبنية التحتية، وتركيز خاص على انتقال اللنبي إلى الأردن، ودمج السلطة الفلسطينية في عملها.
* إنشاء مطار مشترك في وادي هوركانيا للمسافرين الفلسطينيين والإسرائيليين والحجاج، وسيشجع المزيد من الاستثمارات في المنطقة، وإنشاء موانئ برية في ترقوميا ومنطقة شعار افرايم لتفتيش البضائع للتصدير والاستيراد للسلطة الفلسطينية.
* الكهرباء - توصيل إمدادات الغاز من "إسرائيل"، وفي نفس الوقت إنشاء محطات كهرباء فلسطينية باستثمارات خاصة لسد الفجوات في استهلاك الكهرباء، بالإضافة إلى إنشاء منشآت لإنتاج الطاقة الخضراء -الشمس والهواء- (حقول الطاقة الشمسية في صحراء يهودا) مع ربطها بشبكة التوزيع، بهدف تقليل اعتماد الطاقة الفلسطينية على "إسرائيل".
* المياه - تجديد نشاط لجنة المياه المشتركة، وتخصيص أراض على ساحل البحر الأبيض المتوسط بتمويل سعودي أو دولي لإنشاء محطة تحلية للفلسطينيين، وإقامة منشآت لتنقية مياه الصرف الصحي الفلسطينية في الضفة الغربية، بالإضافة إلى مواسير مناسبة لإعادة استخدام المياه لصالح الزراعة.
* تطوير وادي الأردن كمساحة اقتصادية مشتركة لـ"إسرائيل" والسلطة الفلسطينية والأردن وعلاقته بالدول العربية الأخرى، ستتيح مشاركة الخليج تعزيز المشاريع الكبيرة وعابرة الحدود (مثل ممر البنية التحتية من الخليج العربي إلى البحر الأبيض المتوسط).
* ربط السلطة بهيكل إقليمي متعدد الأطراف، (الماء مقابل الطاقة بين "إسرائيل" والأردن والإمارات؛ مشاريع مشتركة في مجالات التكنولوجيا والسياحة والتوظيف والنقل).
* إنشاء مزارع زراعية للترويج للتسويق الفلسطيني للفواكه والخضروات مع منع تلوث المياه الجوفية.
* جودة البيئة - وقف عمليات تلوث الهواء والماء والتربة (يمنع تصريف مياه الصرف الصحي في الوديان والجداول، وتلوث التربة والمياه الجوفية بمياه الصرف غير المعاد تدويرها، وحرق المواد الملوثة، ونثر النفايات الإلكترونية).
* أزمة المناخ - تشجيع المشاريع المشتركة التي تخدم المصالح المتعددة الأطراف بمساعدة التقنيات الإسرائيلية.
إن الترويج لهذه المشاريع، بعضها أو جميعها، سيعزز مكانة السلطة الفلسطينية على الساحتين الداخلية والإقليمية باعتبارها جهة فاعلة ذات صلة بالترتيبات، كما سيساعد على اندماج دولة "إسرائيل" في المنطقة.
علاوة على ذلك، فإن التحركات في هذا الاتجاه ستكون مفيدة في تهدئة الصراع المتنامي بين "إسرائيل" والفلسطينيين وخاصة في تهيئة الظروف للانفصال عن الفلسطينيين.