الفوضى تعم الشوارع وبن غفير يصب الزيت على النار

هآرتس
عاموس هرائيل
ترجمة حضارات



يبدو أن هذا هو آخر ما تحتاجه "إسرائيل" الآن، لكن وزير الأمن الوطني المتطرف ايتمار بن غفير نجح في إثارة ضجة جديدة خلال نهاية الأسبوع من خلال مراسيم جديدة أصدرها بشأن الأسرى الفلسطينيين.

ويعمل بن غفير الآن على تعقيد وضع معقد بالفعل بلا داع، مما يثير استياء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وزملائه الوزاريين وجميع الأجهزة الأمنية، بإجماع نادر.

أشك في أنه يزعجه، الرجل الذي يقود حالياً المنافسة الشرسة على لقب الوزير الأقل ملائمة لمنصبه في حكومة مليئة بمثل هؤلاء، هو أكثر انشغالاً بالحفاظ على غروره الهش، ومحاولة منع المزيد من التخفيض في مجموعة ناخبيه المتضائلة.

وساهمت أعمال الشغب الجماعية لطالبي اللجوء الإريتريين في تل أبيب يوم السبت، والتي انتهت بمواجهات عنيفة مع الشرطة وإصابة أكثر من 150 شخصا، من بينهم العشرات من الجروح الناجمة عن أعيرة نارية، في الانطباع الصعب الذي تركه الوزير في نهاية الأسبوع.

وستحاول الحكومة تحويل جزء من المسؤولية بطريقة أو بأخرى إلى الحركات الاحتجاجية ضد الانقلاب، لكن الواقع واضح: في الساحة الداخلية الإسرائيلية، كما في الضفة الغربية، هناك فوضى متزايدة والحكومة غير قادرة على تهدئة الأجواء أو إعادة النظام إلى الشوارع.

 إن الوضع المزري للشرطة، التي يتحمل ضباطها منذ سنوات عديدة عبئا لا يطاق، لا يساهم بالتأكيد في تحقيق الهدوء.


توقيت حساس


قرر بن غفير، بحسب ما نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الجمعة، تقليص الزيارات العائلية للأسرى الفلسطينيين إلى النصف وحصرها مرة كل شهرين، رغم تحذيرات مصلحة السجون والشاباك من التأثير السلبي، وربما يكون لذلك تأثير على ما يحدث في الضفة الغربية.

 وبناءً على طلب الوزير، لا تزال هناك إجراءات عقابية إضافية معلقة، وليس من الواضح تمامًا ما إذا كانت تقع ضمن نطاق اختصاصه.

وتشكل معاملة الاسرى المسجونين هاجسا قديما لدى بن غفير الذي تعهد بالإضرار بأوضاعهم حتى خلال الحملة الانتخابية، وفور تعيينه في منصبه، فرض عليهم سلسلة من العقوبات، لم ينفذ سوى بعضها.

 تمكن بن غفير من تمرير إجراء واحد، حظر خبز البيتا للأسرى داخل أجنحة الأمن (والذي أطلق عليه لقب مهين "ملك خبز البيتا")، لكنه أعلن عن إجراءات أخرى، مثل تقليص دقائق الاستحمام التي يستحقها الأسرى؛ بسبب مخالفات أمنية، تم رفضها على الفور من قبل مصلحة السجون.

والآن يتبين أنه يريد اتخاذ خطوات إضافية، منها إلغاء الفصل العرفي بين أسرى حماس وفتح، والتنقل القسري لقادة الأسرى بين السجون، والآن أولويته القصوى هي الحد من حقين أساسيين للأسرى: الزيارات العائلية وعدد القنوات التلفزيونية المسموح لهم بمشاهدتها.


يدرك الوزير المتطرف هنا الشعور الذي سيتمكن من خلاله من تسجيل نقاط سهلة بين ناخبي اليمين، لكنه في الوقت نفسه يثير ردود فعل قاسية في الضفة الغربية.

ويحدث هذا في وقت حساس، حيث تشهد الضفة الغربية زيادة واضحة في الهجمات والحوادث وتتصاعد التوترات في السجون.

وفي نهاية الأسبوع، ترددت أنباء عن أن قيادة الأسرى الفلسطينيين تدرس إعلان إضراب جماعي عن الطعام، احتجاجًا على خطوة الوزير.

وهناك أمر آخر: منذ سنوات، خضعت "إسرائيل" مرارا وتكرارا لمطالب الأسرى، في محاولة للحفاظ على الهدوء المصطنع في السجون.

هذا قيد يتم الاتفاق عليه عادةً بين مصلحة السجون والشاباك، ويستند إلى الخوف من أن يؤدي الإضراب عن الطعام لفترة طويلة أو المواجهات المتعددة بين الأسرى والحراس إلى إشعال المزيد من العنف الحاد في الضفة الغربية.

بن غفير، في إصراره على الصدام مع الأسرى، يقدم نتنياهو علناً على أنه جبان وضعيف تجاههم.

وهذا أيضاً، على ما يبدو، على خلفية كلام نتنياهو بأن توجيه بن غفير بشأن تقليص الزيارات هو "أخبار كاذبة"، وأنه "لم يتم اتخاذ مثل هذا القرار ولن يتم اتخاذ مثل هذا القرار"، إلى حين مناقشة خاصة حول ذلك. سيتم عقدها حول هذا الموضوع خلال الأسبوع المقبل، لكن بن غفير، الذي يشم رائحة ضعف في نتنياهو ويدين بمكانته باعتباره العلامة الأكثر تطرفا في الحكومة في ضوء استمرار العمليات في الضفة الغربية، لم يتراجع، على الأقل ليس على تويتر.

وسارع وزير الأمن الوطني المتطرف إلى التغريد قائلاً: "في تعليماتي لمصلحة السجون على أن الأسرى الفلسطينيين سيحصلون على زيارة مرة كل شهرين وليس مرة واحدة في الشهر كما تعمل مصلحة السجون، في منصبي، الأسرى الذين من قتل وألحق الضرر باليهود لن يحصلوا على شروط إضافية".


والآن سيتعين على مفوضة مصلحة السجون، كاثي بيري، التي توترت علاقتها بالوزير المعين، وبالتالي لا تسعى إلى الحصول على دعمه في تمديد فترة ولايتها، أن توفق بين التعليمات المتضاربة.

ومهما كان الأمر، فمن الواضح أن بن غفير يقضي معظم وقته إما في أمور تافهة ضارة، مثل التوجيه الخاص بمنع رجال الشرطة وضباط الإطفاء من الذهاب إلى البرامج الدراسية لمؤسسة فيكسنر في جامعة هارفارد، أو في أمور تافهة ضارة مثل التدخل مع المتخصصين في النظام الأمني.


 ويتجلى ذلك بشكل مزدوج على خلفية فشله والفشل الكامل للشرطة في كبح الجريمة المتفشية في الجمهور العربي، والتي أودت في نهاية الأسبوع بثلاثة ضحايا آخرين.

وينعكس غياب الأيدي الشرطية أيضا في مواجهة أحداث العنف التي وقعت بين عناصر الشرطة وأفراد من الجالية الإريترية في تل أبيب، يوم السبت، وحتى في هذه الحالة، فإن مساهمة رئيس الوزراء المباشرة والحاسمة في الوضع الفوضوي واضحة.

وكان نتنياهو، قبل نحو خمس سنوات، هو الذي انسحب في اللحظة الأخيرة من الخطوط العريضة المتفق عليها مع الأمم المتحدة بشأن طرد عشرات الآلاف من اللاجئين الأفارقة من "إسرائيل"، فقط لأن ابنه ومستشاريه يخشون ردود الفعل القاسية من اليمين على وسائل التواصل الاجتماعي.


وأمام مطالب بن غفير الصبيانية فيما يتعلق بالأسرى، يبدو أن نتنياهو يتصرف كشخص بالغ مسؤول عندما يستمع إلى صفوف المهنيين ويسعى إلى الحد من الإجراءات العقابية الاستفزازية ضد الأسرى، لكن يجب ألا ننسى أن رئيس الوزراء هو السبب المباشر في الوضع الذي نشأ، عندما تأكد من ترشح بن غفير في قائمة مشتركة مع بتسلئيل سموتريتش ومن ثم وضعه في منصب حرج في الحكومة.

ونتنياهو هو المسؤول أيضًا عن ترقية أشخاص إلى قائمة الليكود مثل تالي غوتليب، عضوة الكنيست التي اتهمت يوم الجمعة الجيش الإسرائيلي والشاباك بـ "العمل لصالح المقاومين والأسرى الفلسطينيين"؛ بسبب معارضتهم لبن غفير.

الواقع السياسي المجنون، الذي يحبط فيه بن غفير الحكومة ويعلق فيه غوتليب ("لن أحزن إذا مات الاسرى الأمنيون جوعاً") من على المنصة هو بالكامل من عمل رئيس الوزراء.


القطاع يشتعل


في الأسبوعين الأخيرين، وبعد هدوء دام أكثر من عام، تجددت التجمعات العنيفة للفلسطينيين على حدود قطاع غزة ضد الجيش الإسرائيلي المنتشر على طول السياج الحدودي.  

في الخلفية، من المحتمل أن يكون هناك خوف من قطع المساعدات الاقتصادية القطرية لحماس، ولكن هناك أيضًا توتر بشأن الأسرى الفلسطينيين.

وكان القطاع، باستثناء عملية "الدرع والسهم" التي شنتها "إسرائيل ضد حركة الجهاد الإسلامي في شهر أيار (مايو) الماضي، في خضم عام هادئ على نحو غير عادي.

كل هذا يزيد من القلق المتزايد بشأن ما يحدث في الضفة الغربية. ويتغذى العنف المتصاعد من الجانب الفلسطيني باستمرار على الاحتكاك مع المستوطنين في البؤر الاستيطانية غير القانونية، الذين يحاولون طرد السكان الفلسطينيين من أراضي الرعي والمحاصيل الزراعية.

 وتدعمهم التحركات الحاسمة التي يقودها بتسلئيل سموتريتش، كوزير في وزارة الدفاع، لتوسيع مناطق المستوطنات والبؤر الاستيطانية.

والآن يأتي بن غفير ويصب المزيد من زيته في النار التي لا تزال مشتعلة بقوة كبيرة.


جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023