بقلم:
الخبير العسكري والأمني:
عبد الله أمين
مقدمة:
تعد الصحة وبمختلف أنواعها البدنية والنفسية والروحية، والمحافظة عليها من أهم ما يشغل الشعوب والدولة وحكوماتها، ومتولي أمور هذه الوحدات السياسية والتجمعات البشرية، حيث تعد مراقبة هذا الشأن البشري ـ الصحية ـ والحرص على تمتع جميع مكونات تلك التشكيلات بأفضل مستوياتها من المؤشرات الرئيسية في تطور الشعوب ونهضتها، ووسائل تنميتها المستدامة وتقدمها . وحيث أن الحركات السياسية والثورية هي أحد نتائج هذه المجتمعات وتلك الدول ؛ عنها تنبثق، ومن أجلها تتكون؛ فإنها ـ الحركات والأحزاب ـ يعتريها ما يعتري الكائن البشري من أمراض وعوارض صحية، وتصور أن هذه المكونات السياسية والحركية لا تمرض ولا تصاب بما تصاب به الكائنات البشرية من نواقص صحية؛ قد يفضي إلى اضمحلال وزوال هذه التجمعات السياسية والبشرية، أو في أحسن الأحوال إصابتها بأمراض الشيخوخة؛ من هشاشة في العظام وترققها، إلى آلام المفاصل بتنوعها، وصولاً إلى فقدان القدرة على الحركة، والسكون؛ انتظاراً لقدر الله المكتوب، وأجله المحسوب.
وحيث أن الحركات الثورية والأحزاب السياسية، يجب أن تحافظ على لياقة بدنية عالية، وقدرة على تجديد خلاياها التكوينية؛ جاءت هذه الورقة للحديث عن هذا الموضوع، والذي لن ينصب أصله على مناقشة ما قد يتبادر للذهن عند قراءة العنوان، من أن المقصود من اللياقة البدنية هو أن يتمتع منتسبو هذه الحركات والعاملين فيها باللياقة البدنية والرياضية التقليدية، على أهمية التذكير بأنه يجب على العاملين في هذه الحركات أن يكونوا من ذوي البنية الجسدية والنفسية السليمة، لما تعكسه هذه الصحة من آثار إيجابية على حركاتهم وأحزابهم أثناء عملهم وتنفيذهم لبرامجها ونشاطاتها.
إن موضوع هذه الورقة هو عبارة عن محاولة إسقاط ما يصيب الكائن البشري من أمراض ناتجة عن البدانة والسمنة الزائدة، على سير ونمو وتطور الحركات الثورية والأحزاب السياسية، كونها ـ الأحزاب والحركات ـ نتاج الفعل البشري وأحد تجليات نشاطه . وستقارب هذه الورقة هذا الموضوع عبر مجموعة من العناوين التي تتحدث أولاً عن خطورة البدانة، لنشعل ضوءاً أحمراً يشد انتباه القارئ، ثم نذكر أسباب هذه البدانة؛ لنتقي الإصابة بها، ثم نجتهد في اقتراح الحلول ووسائل العلاج والوقاية، علّنا نكون بذلك قد أضأنا على مساحة نعتقد أنها مهمة، وأنه يُغفل عنها نتيجة تسارع الأحداث، وسرعة حركة رتم الحياة اليومية، خاصة في زمن ثورة المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعية . وهنا لا بد أن نُذكّر بأن مصطلح البدانة الذي سيرد ويتكرر في ثنايا هذه الورقة كصفة ونعت؛ إنما يراد به المعنى المجازي، وليس المعني الحقيقي المتبادر للذهن إبتداءً .
خطورة البدانة:
إن أول عامل من عوامل الصحة البدنية، لتوقي الأمراض والأوبئة؛ معرفة خطورة هذه العوارض، وما يمكن أن تتركه من آثار قاتلة أو معيقة أو مقيدة، تحول دون الكائن البشري ( إقرأ الحزب أو الحركة السياسية ) وتحقيق أهدافه وأصل غايته من التكون أو التشكل، لذلك سنتحدث ابتداءً عن أهم الأخطار التي تتولد عن ( بدانة ) التنظيم أو الحركة وزيادة وزنها، وترهل جسمها، والتي من أهمها ما يأتي:
1. التسبب في الجلطات بمختلف أنواعها:
أولى المخاطر الناتجة عن السمنة الزائدة، والشحوم الضارة ــ عديد زائد عن الحد، هياكل إشغالية، علاقات غير ضرورية ـ التي تتكدس في جسم التنظيم ، على وحول أعضائه الحيوية، إصابة هذا الجسم بمختلف الجلطات الدموية التي قد تفقده حركة عضو من أعضائه، أو جزء من أجزائه، إلّا أن أخطرها، هو ما يصيب الدماغ فيفقده السيطرة، أو القلب فيفقده القدرة على ضخ الدماء الجديدة في شرايين هذا الجسم التنظيمي، وقد تؤدي هذه الجلطات إلى حالة من الموت السريري، فترى البدن ( التنظيم أو الحركة أو الحزب ) هيكلاً عظمياً، أو كتلة لحمية، تشغل حيزاً ولا تنتج فعلاً !! وتستهلك طاقة وتطلب موارداً للتغذية وإدامة الحياة، ولكنها لا تقدم ناتج أو فوائد، فيصبح هذا البدن آخذاً غير معطٍ، طالباً غير سادٍّ، لا يلبث أن يموت ويطويه النسيان بمجرد فصل وسائل وأدوات إدامة الحياة عنه، أو تيقن الجهة التي ترعاه ( البيئة والحاضنة الشعبية ) ومستعدة لبذل كل ما هو مطلوب في سبيل شفائه، بمجرد وصول هذه الجهة الراعية إلى نتيجة أن لا فائدة مرجوة من هذا الكائن الممدد أمامها، والذي يشغل حيزاً من اهتمامها، فتفصل عنه مدعمات الحياة والبقاء ــ قدرات بشرية أو مادية واحتضان معنوي ــ، فيذوي الجسم ويموت، ثم يكفن بورق التاريخ، ويدفن في بطون الكتب، ككائن مر من هنا ومضى .
2. انخفاض مستوى المناعة:
قد لا تتسبب السمنة الزائدة في التنظيمات أو الأحزاب والحركات بالجلطات؛ ولكنها بصورة أكيدة ستسبب انخفاضاً في مستوى مناعة الجسم، وانحطاطٍ في قدرته على مقاومة هجمات الفيروسات الخارجية، فتتعدد فيه الرؤى ولا تجمعه استراتيجية واحدة، وتكثر فيه التيارات والتكتلات، وحصص الدول والعائلات، فهذا محسوبٌ على ذاك، وذاك ينتمي إلى هؤلاء، ويكثر مدعو الحرص والخوف على سلامة المسير والمصير، ومدعو الوصل بليلى، وليلى لا تقرهم بذلك. إننا نكاد نجزم أن انخفاض مستوى المناعة الناتج عن السمنة وزيادة الوزن الضارة هي أخطر بمئة مرة من جلطات الدماغ المفضية إلى الموت السريري، ففي هذه الحالة الأخيرة لا يُخشى على البدن من الاتيان بأي حركة أو إجراءٍ ضار على البيئة أو المحيط الراعي والحاضن له، أما في الأولى ـ انخفاض مستوى المناعة ـ فخطر الانحراف المتعمد، أو غير المقصود عن الأهداف والغايات وارد في أي لحظة، ومع أي حركة أو إجراء، عندها ـ عند الانحراف ـ ستتضرر البيئة الحاضنة، التي يرجى إن أصابها مرض جزئي أن تعيد توليد وولادة وتكوين كائن آخر، لتمضي في مسيرتها نحو أهدافها، وتجدد ـ البيئة الحاضنة ـ خلاياها فلا تشيخ ولا تهرم، فنضمن الوصول إلى الهدف ولو بعد حين.
3. انخفاض مستوى المرونة والحركية:
ومن المضار والأخطار التي توجدها السمنة الزائدة ــ عديد زائد عن الحد، هياكل اشغالية، علاقات غير ضرورية ـ للتنظيم أو الحركة أو الحزب؛ انخفاض مستوى مرونة وحركية هذا الجسم، فيصبح هدفاً ثابتاً، كبير الحجم، بائن المكان، يسهل استهدافه، والتصويب عليه.
كما أنه يصبح بطيء الحركة، غير قادر على التأقلم مع متغيرات البيئة أو المحيط؛ وإن أبدى حركة؛ فمتأخرة ! فقراراته وإن بدا بعضها صحيحاً؛ فليست في الزمان ولا المكان المناسب ! ولا خير في قرار أو تصميم، وإن صح، لا خير فيه إن لم يكن في زمانه المناسب ومكانه المناسب.
إن أخطر ما يصيب الجسم متكدس الشحوم؛ عدم قدرته على اهتبال الفرص واقتناصها، إن البدانة تعني الكسل والنوم الزائد، والاستفاقة المتأخرة، فأهلها ( شمسهم عالية)، فلا غدوة يدركونها فتنجيهم، ولا روحة يحصلونها فتثمر فيهم.
4. انخفاض مستوى التنبه واليقظة للمخاطر وهجوم الفايروسات:
إن ما يرفع مستوى المناعة لدى الفرد أو الحركة والتنظيم ؛ مقدار تنبه وصحوة أجهزة دفاعه الأولية ومدى حساسيتها تجاه ما يمكن أن يهاجمها من فيروسات وميكروبات، فأولى تجليات ارتفاع مستوى المناعة؛ صحوة البدن، وانتباه أعضائه وتحفزها، فلا تسمح لمتطفل أن يتطفل، ولا لمهاجم أن ينفذ إلى الداخل، فتقاومه وتمنعه وتحاصر حركته، وإن حالفه ـ المهاجم المتطفل ـ الحظ فدخل إلى حيز البدن وداخله قضت عليه بما تملكه من مضادات حيوية ذاتية . إن اليقظة والتنبه وارتفاع الحساسية أمورٌ ينخفض مستواها كنتيجة فعلية لتكون الشحوم والدهون الضارة في البدن، فيصبح معها الجسم مرتعاً لكل دخيل وغريب، ويتحول إلى دفيئة ومحضن لكل الأمراض ـ كولسة، تآمر، فساد، نفعية، شللية، استزلام ـ الحالقة، لا أقول تحلق الرأس؛ وإنما تحلق التنظيم وتأتي على أساساته.
5. انخفاض مستوى الجاهزية الدفاعية أو الهجومية:
آخر وأهم الأخطار الناتجة عن سمنة التنظيم الزائدة، وشحومه الناتئة؛ انخفاض مستوى جاهزية هذا التنظيم أو الحركة أو الحزب، للهجوم، فضلاً عن الدفاع، فهو في مربع رد الفعل دائماً ، أليس (سميناً ) غير قادر على الحركة، فلا مرونة تساعد على المناورة، ولا رشاقة تساعد على سرعة الحركة والابتعاد عن سهام العدو، فلا الدفاع مقدور عليه لجسم ( بدين ) عديم الحركة، ولا الهجوم الذي من متطلبات نجاحه؛ السرعة والشدة والحسم، ممكن القيام به، فكيف يهجم جسمٌ بطيئ الحركة، مكشوف التفاصيل، غير قابل للتغطية أو التمويه ، حيث سيصيب منه المدافع مقتلاً مع كل حركة أو سكنة!
كانت هذه أخطر تجليات واسقاطات السمنة الزائدة، التي تصيب الأجسام التنظيمية والحركية، فتقعدها عن الحركة، وتجعل منها أجساماً مشلولة ساكنة بلا حراك، محولة ـ السمنة ـ هذه البنى والهياكل إلى أهداف ثابتة في مرمى أعدائها، فلا يتعنى في إصابتها، ولا يبذل مزيداً من الجهد في القضاء عليها.
أسباب البدانة والسمنة الزائدة:
وعن أهم أسباب السمنة المفضية إلى بطء الحركة، وشلل الأبدان، فيمكن إيراد الكثير منها، ولكن سنختصر الحديث عما نعتقد أنه أهمها وهي على النحو الآتي:
1. قلة الحركة:
إن أول أسباب ظاهرة البدانة والسمنة الزائدة هي: قلة الحركة، والركون إلى الراحة، وعدم المبادرة بالأفعال، وقبول البقاء في مربع رد الفعل، والظن أن أكلاف الحركة وبذل الجهد أكثر بكثير من جدواها، والتخوف من المستقبل.
ومن أهم بواعث عدم الحركة؛ عدم امتلاك رؤية حقيقية للمكان الذي يريد أن يصل له الفرد أو الحركة أو التنظيم مستقبلاً، فالحركة تتطلب حكماً أن يكون هناك مكان مرغوب الوصول له، وقبول فكرة أن المكان الذي أنا فيه الآن إنما هو مكان ظرفي آني مؤقت، تطلبته ظروف مؤقته، مما يعني أنه لا يجب أن ننزرع في هذا المكان المؤقت، ونمد الجذور فيه، ونثقل الذات بغير الحيوي والضروري من المتطلبات والمستلزمات.
إن الشخص أو الحركة أو الحزب، ما لم يعِ حقيقة أن بقاءه في المكان الذي أجبرته ظروف العمل أو الحركة على المكوث المؤقت فيه أثناء سيره نحو هدفه النهائي وغايته السامية، ما لم يعِ أن هذا المكوث مؤقت وغير دائم؛ فإنه سيثقل نفسه بأثقال وأحمال؛ ستقعده إن هو عزم يوماً على الحركة أو دعته الظروف إلى الانتقال طائعاً أو مجبراً، لذلك وجب التنبه، فلكل من اسمه نصيب، واسم الحركة يعني: دوام التحرك أو الاستعداد والجاهزية الدائمة للحركة.
2. توهم الحركة:
ومن أسباب السمنة إقرأ ( عديد زائد عن الحد، هياكل، إشغالية، علاقات غير ضرورية ) توهم الحركة، والظن أن مجرد التململ في المكان سوف يؤدي إلى قطع مسافة باتجاه الهدف، أو أن كل نشاط أو فاعلية ، تعني حرقاً للدهون الضارة، وتخلصاً من الأوزان زائدة، وهنا يأتي دور المدرب ( إقرأ القائد) ليحدد ما هي الإجراءات والنشاطات التي تصب في أصل هدف بناء العضلات، وتساعد في تكوين الجسم الصحي والصحيح المطلوب امتلاكه لتحقيق الأهداف وبلوغ الغايات، إن النوادي ( بيئات العمل ) الرياضية تعج بمن يدّعون أنهم مُدربون أو متدربون، ونظرة متفحصة دقيقة ترشدك إلى الفاعلين الحقيقيين، واللاعبين المؤثرين، وهنا نقول أنه يستطيع المرء أن يخدع من يشاء؛ ولكنه غير قادر على خداع نفسه، فيدعي حركة وانتقالاً من المكان لمجرد توهم التململ، وتغير نقطة ارتكاز ( التشويعة) من مرفق إلى آخر !!
3. تفضيل الدعة والسكون والراحة والبعد عن بذل المجهود وتحمل الأكلاف:
إن النفس البشرية مجبولة ومفطورة على حب الدعة، والبحث عن الراحة، وتجنب كل ما يمكن أن يتطلب أكلاف، ودفع أثمان، وامتلاك قوام ممشوق، وجسم رشيق، وبدن صحيح، دونه بذل الأوقات، وتجشم الصعاب، والخضوع للتمارين المجهدة، والتعرض للتحديات الصعبة، فإن تقبل الشخص هذه التحديات ورضي بها كأهم سبب من أسباب جمال القد والمظهر و الصحة النفسية و البدنية؛ فإنه سيصل إلى هدفه، وينال مبتغاه، ولأن الحركات والأحزاب، بل الدول من سنخية بني آدم، وتنمو وتهرم وتشيخ، كما هم ـ بنو آدم ـ كما قال بن خلدون في مقدمته، لأنه كذلك، فإن ما يدفع عنها السمنة الزائدة، والوزن الضار، ويبعد عنها خطر التجلطات والتكلسات، قبولها بالأكلاف، ورضاها بتحمل الصعاب، وتجشم المخاطر، فإن كانت الأحزاب والحركات كذلك؛ فإنها ستلفظ عنها كل أنواع الشحوم ( إقرأ المتسلقين والمتعطلين وصائدي الجوائز والفرص ) الثلاثية والرباعية، وستغدو رشيقة الجسم، حسنة المظهر، مرنة الحركة، يصعب حصارها أو إضرارها.
4. عدم التنبه للتغيرات البطيئة والطفيفة الطارئة على الجسم:
إن أسوأ أسباب البدانة والسمنة البشرية أو التنظيمية هو: عدم التنبه للتغييرات البطيئة والطفيفة التي تبدأ بالظهور على الجسم، فقول: هذه آخر لقمة ولن تضيرني، وقطعة هذه الحلوى لن ترفع منسوب السكر عندي، أو تزيد الشحم حول معدتي، مثل هذه الأقوال هي التي توجد السمنة، وتزيد من نسبة الشحوم في البدن والدم، كما أن القول أن هذا الشخص، أو تلك الهيكلية لا تضر الجسم الحركي، وأنها لا تزيد ولا تنقص من كفاءته وفعاليته، أو أن فتح العلاقة لمجرد فتح العلاقة يعني مؤشراً على كفاءة أو فاعلية، كل هذه الأمور وتلك الإجراءات إن بدأت تتسلل إلى البدن البشري أو الهيكل التنظيمي، فإنها ستتراكم مع الأيام ويصعب التخلص منها، وسيصحو الآدمي أو المسؤول التنظيمي على واقع لا يمكن تداركه، أو إصلاحه، وسيسلم نفسه للقدر، وسيفرض عليه مثل هذا التضخم غير المدروس أو المحسوب وغير المنتبه له عند بدء تكونه، سيفرض عليه خيارات خطيرة، وأمراض بدنية وتنظيمية تشغله عن ملاحقه أصل أهدافه، والسعي نحو أعلى غاياته .
5. نظام التغذية غير الصحي:
ومن أسباب السمنة غير الحميدة؛ اتباع نظام غذائي أو تنظيمي ( تجنيد واستيعاب ) غير صحيح ولا صحي، فيدخل الجسم ما هب ودب من أطعمة وأشربة لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تقي من أمراض ولا تبني عضلات، إنما هي فرحة ظرفية (بزلط ) لقمة مذاقها (طيب) ولكنها تحمل في ثنايا تركيبها السم الزعاف ! إن من يريد أن لا (ينتفخ ) جسمه أو هيكله انتفاخ البالونات زاهية اللون، فارغة الجوف، يجب عليه أن يضع لنفسه ولتنظيمه وحركته نظام تغذية صحي، ومعايير تقييم لصحة الغذاء من سقمه، وإلّا فإنه سيصبح (يَرُم ) و (يزلط ) كل ما يوضع أمامه، أو يعترض طريقه، والمنافسون كثر، والمتآمرون أكثر، والحساد، وضيقو النظر أكثر من هذا وذاك، وكلهم يريدون الإضرار بك، واخراجك من المنافسة، ولا تعرف متى يضعون لك السم في (العسل ) فتبتلع لقمة ترفع منسوب السكر في جسمك، أو تزيد ضغط الدم عندك، فلا تجد نفسك إلّا وقد مددت على سرير، تنتظر ما سينتهي بك له هذا المسير، الذي ظننت أنه عبّد بالحرير؛ فإذا به يسوق إلى أسوأ مكان ومصير .
هذه بعض أهم أسباب السمنة البشرية، والتي نزعم أنها يمكن أن تُسقط على حالات السمنة التنظيمية والحزبية أو الحركية، فإن أفضت ـ السمنة ـ بالآدمي إلى المستشفيات؛ فإنها ستفضي حكماً بالحركات والتنظيمات إلى هزائم وتنازلات . أما عن أهم أسباب الوقاية وطرق العلاج، فلن نفصل كثيرا ً، وسنختصر حتى يحلل من يريد التحليل، ويشتق من يريد الاشتقاق، فما كل الأجسام متشابهة، ولا كل البنى التنظيمية متناظرة، لذلك فإن توصيف العلاج سوف يراعي استفادة أكبر شريحة ممن يستشعرون زيادة الوزن، وثقل البدن، وتكلس الأطراف، وألم المفاصل . مقترحين مجموعة من وسائل العلاج والوقاية، نجملها على النحو الآتي:
1. معرفة خطر السمنة وزيادة الوزن، فبدون هذه المعرفة، وهذا القناعة، لن نعرف الخطر، ولن نشخص الحلول، ولن نمتلك بدناً أو هيكلاً صحيحاً وصحياً .
2. التأكد من الاستعداد لفعل ما يتطلبه إنقاص الوزن، ومعرفة المردود الإيجابي على الصعيدين الشخصي والتنظيمي من رشاقة وجمال ومرونة وقدرة على التأقلم مع المتغيرات والمستجدات دون الاضطرار إلى دفع ما لا يحتمل من آلام أو أكلاف، هذه المعرفة تساعد في بدء مشوار انقاص الوزن، وترشيق الهيكل.
3. الأكل دون تشتت في الذهن، أو بمعنى آخر؛ التركيز على ما تريد وما يفيد، وعدم السماح للآخرين أن يشتتوا انتباهك عن سفرتك، فيضعوا فيها ما يفسد عليك صحتك .
4. الأكل الصحي، وتناول الوجبات الخفيفة والمضغ الجيد، فما كل ما يدفع إلى الجسم صحي، وكبر حجم اللقمة لا يعني امتلاكها قيمة غذائية عالية، لذلك إن أردت قواماً ممشوقاً، وبناء تنظيمياً سليماً وصحيحاً، فتنبه إلى كل ما يوضع أمامك من غذاء، (بطنياً) كان أم بشرياً، ولا تنتقل من صنف (هدف أو إجراء ) إلى آخر قبل أن تتأكد من أنك قد مضغت اللقمة السابقة، وأحسنت ابتلاعها، وأصبحت جزءاً من نسيجك العضلي وبنائك الهيكلي.
5. معرفة أسباب البدانة وخطورتها، فمثل هذه المعرفة تساعد على الوقاية، وتجنب الضرر، والابتعاد عن التهديد والخطر .
6. الاستعداد لبذل الجهد وتحمل أكلاف الصحة، فإن أصيب البدن ببعض السمنة الزائدة، أو ترهل الهيكل التنظيمي بما لا طائل منه أو فائدة فيه ـ وهذا من طبيعة الأشياء ـ، عند حدوث هذا؛ يجب إدراك أن أول إجراءات التخفف من هذا الحمل الزائد، والشحم الفائض؛ الاستعداد لتحمل الأكلاف والمشقات، عندها ستذوب الدهون، وتتفتح الشرايين، وسيتخلص الجسم من السموم، والعقل من الهموم، وسيقفز (المتشعبطون ) والمتسلقون من المركب الذي ركبوه بالمجان، فليس لهم جلَد على دفع أكلاف أو تحمل مشاق، فما لهذا جاؤوا، وما لذلك ( تشعبطوا ).
7. التخلص من الوزن الزائد حتى و إن بالجراحة؛ فآخر الدواء الكي، فإن اضطر الشخص أو التنظيم لعمل جراحي ليتخلص من دهونه الزائدة، وأحماله الفائضة، فعليه أن يبحث عن طبيب حاذق، وجراح ماهر، فيزيل ما تجب إزالته، ويتخلص مما يجب أن يُتخلص منه، دون الإضرار بالأعضاء الحيوية، أو الأنسجة العضلية، حتى لا تطول فترة تعافي الجسم من هذا الإجراء وتلك العملية.
أخيراً نعيد التذكير بأن كل ما قيل حول السمنة والبدانة ـ مع احترامنا لكل من ابتلاهم ربنا بها ـ لم نقصد به بشراً ولا إنساناً بعينه، وإنما هي اسقاطات حاولنا أن نسقطها على الأجسام التنظمية والبنى الحركية، ونبحث لها عن مصاديق، نراها ونشعر بها ونلمس أثرها في كثير من الأجسام التنظيمية والبنى الحركية، إنطلاقاً من قاعدة أن تغير زاوية النظر، ومقاربة العلاج بطرق مختلفة، قد تفيد في جلاء الحقيقة، وتشخيص الموقف، فإن أصبنا فمن الله، ولله، وإن أخطأنا فمن أنفسنا والشيطان . والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .