هكذا نريد وزراء الكيان الصهيوني: "إيتمار بن غفير" نموذجًا

إسلام حامد

باحث وأسير فلسطيني

الرغبة تختلف بحسب كل طرف، كما لا يمكن عزل القراءات المتباينة عن الظروف التي أنتجتها، إلّا أن الحاسم في مصداقية الرواية ليس القوة التي تحتكر إنتاجها، بل قوة الحق التي تنطلق منها، هنا الكلام نظريًّا، فالواقع هو مَن يُحدد المعاني بدقة.

خلال الأشهر الماضية من هذا العام التي صُنِّفت فلسطينيًا ما بين الانتصارات المهمة وجنازات الشهداء التي زيّنت بأصداء تكبيراتها سماء فلسطين من جهة، ومن جهة أخرى محاولات الحكومة الاستعمارية اليمينية الصهيونية (إعادة المُبعَد) في إشارةٍ لإعادة الدين اليهودي إلى الحيّز العام، باعتباره صاحب كل المرتبات التي تسمح للجماعة اليهودية الاستعمارية بالسيطرة والضبط لكل المسارات التي تواجّهها دولة الكيان الصهيوني في نوعٍ من الاسترجاع الإلهي للحكم، كما الحاصل لفترات الظهور اليهودي كجماعة حاكمة ضمن الحُقبات الثلاث، التناخ، القُضاة، والملوك وتشكُّل الزمان التوراتي فيها، لتأتي الرغبات هنا بوزير الأمن القومي (إيتمار بن غفير) اليهودي الشرقي العراقي الأصل الغاشي القلبي من المدرسة اليهودية الخلاصية ذات الحركة الصهيودينية، يؤمن قطعًا بتطهير الأرض المقدّسة من (النجاسات) أي غير اليهود في طريق تخليصها مما علِق بها وإعادتها إلى ملك اليهود الحصري، عبر قتل أو تهجير الأغيار وهم الفلسطينيون.

الوسيلة كانت تقديم الرواية الصهيونية ذات الحُجّة والإقناع للمجتمع الدولي ولعموم الشعوب الغربية ضمن صورة الضحية التاريخية والمظلومية التي لا تنتهي على الشعب اليهودي، من خلال ثقافة تم هندستها بما يتناسب مع المشروع الصهيوني، مستخدمين جميع الأدوات التي تحقق لهم مسعاهم الاستعماري المصبوغ بالبُعد التوراتي الديني الإلغائي؛ ليجدوا النجاح الواسع والتأثير المطلوب على الساحة الدولية؛ صانعةً بذلك الأرضية الصلبة للحليف الدولي الداعم للمشروع الاستعماري الصهيوني على الأرض الفلسطينية.

ومع التحوّلات الحداثية في السياق الإنساني الحضاري المعاصر، اختلفت الموازين بالأشكال المعرفية وأدوات صناعة الوعي، مانعةً بذلك أي احتكار للأدوات وللوعي ذاته على اختلافاته؛ ليأتي بن غفير موضحًا وشارحًا أصل الرواية، التي لا يمكن تغطيتها برداء القداسة أو المظلومية أو خطاب الحقوق اليوم، مُحدِثًا ضررًا بالِغًا في الرواية الصهيونية المُشكّلة منذ المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897م في بازل والهادمة بالفعل السياسي للحكومة التي ينتمي إليها، الفعل الذي يقوم على التطبيع مع المحيط العربي في نوع من إعادة تشكيل المنطقة بما يتناسب مع الأهداف الاستراتيجية للكيان، ومُعرِّضًا نفسه بما يمثل للمساءلة القضائية في المؤسسات والتجمعات الدولية كاشفًا  حقيقة وجه الحكومة الصهيونية ضمن تحديد التطرّف والعنصرية، قائلًا: (أما حقي وإمرأتي وأولادي بالتنقل والتجول في يهودا والسامرة أي أكثر أهمية من حركة العرب (أي الفلسطينيون) وحقوقي في الحياة مقدمة على حق الحركة)*

ليكون هذا الخطاب الشكل الأكثر بروزًا لعنصرية وتطرّف الحكومة اليمينية الصهيونية بقيادة نتنياهو، في الكيان ينظرون لهذا الخطاب المتصاعد من الأطراف الرئيسية للحكومة الصهيونية الحالية على أنه يساهم في تقديم صورة الأبارتيد المقيتة والتي يعملون جاهدًا على ألا يتم وصفهم بها عالميًا، الفلسطينيون من طرفهم كانوا أكثر سعادة بهذه الكلمات العنصرية باعتبارها تساهم في إعادة تشكيل الرواية الزائفة التي قدّمتها الحركة الصهيونية نحو رواية جديدة، مأخوذة من كلمات وأفكار القيادة الحالية للكيان والمشروع الصهيوني، مفادها التأكيد وأن الكيان الصهيوني يمثل الأبارتيد الجديد وأنه لا يملك أي مقومات وشروط الديمقراطية التي يدّعيها، عبارات العنصرية هذه لا تنتهي بالخطاب الصهيوني المعاصر، التساؤل هنا إلى أي مدى تساهم هذه العبارات والأفكار (باستخدامها فلسطينيًا) ضمن جهود إعادة صياغة الوعي الحقيقي لصورة وأساس الكيان الصهيوني العنصري الإلغائي وتقديمها للجمهور الغربي على وجه الخصوص في سعي حثيث في محاربة وحصار وتهجير الكيان الصهيوني ومشروعه عالميًا؟

بن غفير وسموتريتش وغيرهما يقدمان كل ما نريد من مقولات، فقط علينا استجلاب النصوص وتقديمها للعالم، والعالم سيقرّر.

* مقال لإيتمار اخفر يديعوت أحرنوت 27/08/2023



الأسير الكاتب/ إسلام حسن حامد

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023