غلوبس

دان شموئيل

ترجمة حضارات

لو قال شخص ما قبل عام ونصف تقريباً،إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيستضيف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بحرارة على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، بل إنهما سيتفقان على زيارات متبادلة لكان الأمر قد بدا وكأنه توقع بعيد المنال.

لكن مياها كثيرة تدفقت في مضيق البوسفور منذ اللقاء الأخير بين الزعيمين قبل سبع سنوات، وتحديدا منذ تطبيع العلاقات قبل عام.

نجح رئيس تركيا في اجتياز الانتخابات الرئاسية في شهر مايو الماضي، وفاز بولاية أخرى (وحسب الدستور التركي الأخيرة).

لذلك، فهو ليس بحاجة إلى الاستيلاء على رأس المال السياسي، من خلال سياسة مؤيدة بشكل مطلق للفلسطينيين، وهو قادر على اتخاذ القرارات فقط على أساس مصلحة مواطني بلاده.

وكان لقاءه مع نتنياهو لهذا الغرض، ورغم أن اللقاء بينهما لم يستمر سوى نحو 45 دقيقة فقط، إلا أنه كان يحمل أهمية كبيرة من الناحية السياسية والاقتصادية، وفيما يلي 5 تعليقات على الاجتماع الذي تتطلع إليه دول المنطقة.

1. التعاون في مجال الغاز

وعلى النقيض من الماضي، عندما كانت أنقرة تذيع أن القضية الفلسطينية هي الأولوية القصوى عند لقائها مع مسؤول إسرائيلي، الآن يقدم المسؤولون الأتراك لوسائل الإعلام المحلية أن القضية الرئيسية بالنسبة لهم هي الطاقة.

وكما نُشر في صحيفة "جلوبز" في يوليو/تموز الماضي، يريد أردوغان أن يصبح لاعبًا مهمًا في سوق الغاز العالمية.

تمتلك تركيا بنى تحتية واسعة النطاق لنقل الغاز، والتي تنقل الغاز من روسيا وأذربيجان وإيران، ويريد أردوغان ربطها بحقل ليفياثان أيضًا.

وهذا الغاز ليس مخصصًا للاستهلاك المحلي، وهو الأمر الذي اهتم به أردوغان جيدًا، بل لنقله إلى أوروبا، وبهذه الطريقة، بحسب تصور الرئيس التركي، سيحقق نفوذاً دولياً في مجال الطاقة.

وتدرك أنقرة أن الأمر مجرد مسألة وقت حتى تزداد الصادرات من حقل ليفياثان، وأن بناء خط أنابيب من ليفياثان إلى ميناء جيهان في تركيا ليس سوى أحد الخيارات التي يجري النظر فيها.

وبنفس الطريقة، تقدمت شراكة ليفياثان بالفعل بطلب إلى وزارة الطاقة والبنية التحتية، في أكبر طلب تصدير تم تقديمه حتى الآن في "إسرائيل"، للموافقة على حصة تبلغ 175 مليار متر مكعب على مدى 25 عامًا والتي، وفقًا لها، ستعيدهم الاستثمار في منشأة التسييل العائمة (FLNG)، وهو خيار تصدير منفصل.

في غضون ذلك، من بين صفوف المسؤولين الأتراك الذين حضروا اللقاء مع نتنياهو، وزير الطاقة والموارد الطبيعية ألف أرسلان بيرقدار.

وقبل نحو أسبوعين ونصف تحدث هاتفيا مع نظيره الإسرائيلي يسرائيل كاتس، وقد أعلن الوزير الإسرائيلي حتى الآن أنه سيدير ​​مسألة صادرات الغاز، ولكن يبدو الآن أنه فيما يتعلق بحقل ليفياثان، فإن ومن سيقرر هو نتنياهو.

وذلك لأن كاتس ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، لم يرافقا رئيس الوزراء في رحلته إلى نيويورك.

2. تم دفع القضية الفلسطينية جانبا

حدثت إحدى اللحظات التاريخية المتدنية في العلاقات الإسرائيلية التركية في مايو 2018، عندما تم ترحيل السفير الإسرائيلي في أنقرة في ذلك الوقت وسفير "إسرائيل" في البحرين اليوم، إيتان نا، أثناء خضوعهما لفحوصات صارمة في مطار العاصمة التركية.

وكانت خلفية هذه الخطوة، هي المظاهرات على حدود قطاع غزة.

وهنا، حتى هذه الأيام، تجري مظاهرات على الحدود، ونتيجة لذلك بقي معبر إيرز مغلقًا أمام مرور العمال الفلسطينيين لمدة ستة أيام.

بالإضافة إلى ذلك، في يوم الثلاثاء فقط، داهمت قوة كبيرة من الجيش الإسرائيلي مخيم جنين للاجئين، وقتلت أربعة مواطنين واعتقلت مطلوبين اثنين من حركة الجهاد الإسلامي، ولكن الصمت من جانب أنقرة بقي.

ووفقاً لأفضل التقاليد التركية، أثار أردوغان القضية الفلسطينية أمام نتنياهو وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن لم يُسمع أي انتقاد مباشر لتل أبيب.

إن ذكر القضية الفلسطينية في هذه الحالة، يهدف إلى إرضاء قاعدة الناخبين في تركيا ومؤيديها في العالم الإسلامي، لا أكثر.

ومن الواضح أن الرئيس التركي سيكون سعيدا، من خلال علاقات مثمرة مع "إسرائيل"، بجلب فوائد للفلسطينيين، لكن سبب تجنبه الانتقادات هو أنه لا يريد الإضرار بفرص اختيار نتنياهو لخط أنابيب الغاز إلى تركيا، كخيار مفضل لتوسيع صادرات الغاز الإسرائيلي.

3. عملية التطبيع مع السعودية

موضوع آخر تم طرحه في اجتماع نتنياهو وأردوغان، هو عملية التطبيع التي يقودها الرئيس الأمريكي جو بايدن، بين "إسرائيل" والمملكة العربية السعودية قبل ثلاث سنوات فقط، انتقدت أنقرة بشدة اتفاقات أبراهام.

وهاجمت وزارة الخارجية التركية حينها، "التاريخ وشعوب المنطقة لن ينسوا ولن يغفروا أبدا، السلوك المنافق لدولة الإمارات العربية المتحدة".

ومنذ ذلك الحين، لم تستعد تركيا علاقاتها مع "إسرائيل" فحسب، بل مع دول الخليج بشكل عام، ومع السعودية بشكل خاص.

سيكون الرئيس التركي سعيدًا بأن يكون عاملاً مؤثرًا في عملية التطبيع بين الرياض وتل أبيب، لكن من يقوده هو واشنطن، التي يطالبها السعوديون ببرنامج نووي مدني وتحالف دفاعي وطائرات إف-35.

خلاصة القول، لقد عادت أنقرة إلى المحور السني المعتدل، وتلقت في الأشهر الأخيرة مساعدات بمليارات الدولارات من الرياض لتحسين وضعها الاقتصادي، وستكون سعيدة الآن برؤية تقارب بين "إسرائيل" والمملكة العربية السعودية، بسبب الجار الذي "تحترمه وتشتبه فيه" دائمًا إيران.

4. كبح الوجود الإيراني في المنطقة

لدى إيران وتركيا العديد من المصالح المتعارضة، في اثنتين منها تقف "إسرائيل" مباشرة إلى جانب أنقرة: سوريا وأذربيجان.

وفي حالة سوريا، تدير تركيا قوات عسكرية كبيرة في شمال البلاد، خاصة في المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة السورية القريبة من أنقرة، بينما تهاجم "إسرائيل" أهدافًا إيرانية في البلاد، بهدف كبح الوجود العسكري لنظام آية الله في البلد المنقسم.

إن الوجود الإيراني نفسه الذي يرغب في رعاية نظام الأسد، يحد أيضًا من حجم النشاط العسكري التركي، الذي يعمل ضد القوات الكردية، وأثبت نفسه مؤخرًا في ضرب قادة داعش في المنطقة.

ويبدو أنه لم يكن من قبيل الصدفة أن يكون رئيس الموساد ديدي بارنيع، ونظيره التركي رئيس وكالة الاستخبارات التركية إبراهيم كالين، حاضرين في اللقاء بين أردوغان ونتنياهو.

وفي الوقت نفسه، تعد "إسرائيل" مورداً رئيسياً للنقد الأجنبي إلى أذربيجان، التي تعتبرها تركيا دولة شقيقة، ومن ناحية أخرى، تعد إيران صديقاً مقرباً لأكبر منافس إقليمي لأذربيجان، أرمينيا.

بل على العكس من ذلك، هددت قنوات تلغرام التابعة للحرس الثوري مؤخرا بأن الحرب بين أذربيجان وأرمينيا، ستؤدي إلى هجوم إيراني على باكو.

في غضون ذلك، لم يمنع ذلك "إسرائيل" من زيادة شحنات الأسلحة إلى أذربيجان مؤخرا، وباكو من إطلاق عملية ضد أرمينيا الثلاثاء، استمرت نحو 24 ساعة، وتبين أنها ناجحة بشكل خاص.

5. العلاقات التجارية بين الدول

وتعتبر "إسرائيل" شريكاً تجارياً مهماً لتركيا، وتحتل المرتبة 13 من حيث الصادرات منها.

وبحسب بيانات وزارة التجارة التركية، فإن الصادرات التركية إلى "إسرائيل" ارتفعت العام الماضي بنحو 10% إلى نحو 7 مليارات دولار، وشكلت 2.8% من إجمالي صادرات أنقرة.

وذكر الرئيس التركي لنتنياهو طموحه بتوسيع العلاقات بين البلدين في مجال الطاقة، لكنه تناول أيضا مجالات التكنولوجيا والابتكار والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني.

ولا تعد "إسرائيل" أحد مصادر الاستيراد الرئيسية لتركيا، ومن المحتمل أن تسمح لها هذه المناطق بدخول قائمة قادة الاستيراد وعلى رأسهم الصين وروسيا وألمانيا.