من البيت الأبيض إلى الغرفة البيضاء!

إسلام حامد

باحث وأسير فلسطيني

غرابة المشهد من داخل قاعات أحد الفندق الراقية في مدينة نيويورك تتحدث بلغة أخرى، ليست العبرية أو الإنجليزية المفترضتين، بل لغة الحقيقة.

الحقيقة الأولى، أنه بعد قرابة 11 شهرًا من تشكيل حكومة اليمين الصهيوني المتطرفة يجتمع رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو مع الأخ الأكبر وولي الأمر الرئيس الأمريكي جو بايدن.

الاجتماع مصنف بوجهين الأول للرئيس الأمريكي ورغبة في تقريع وتوبيخ نتنياهو في مساره المتطرف الذي يشكل خطورة حقيقية على وضع الكيان الصهيوني الاستراتيجي في المنطقة العربية الأكثر حساسية على مستوى الصراعات في العالم؛ فالولايات المتحدة الأمريكية وعلى مدار سنوات طويلة عملت على دعم الكيان وإبقائه المركز القوي للقوى الاستعمارية الغربية بأشكالها الحديثة، ليأتي نتنياهو في مسعاه المَرَضي للبقاء في الحكم رغم كل القضايا الجنائية عليه ومغامرته في شقّ الكيان الصهيوني إلى فتات، كي يبقى الوحيد الملك المتفرد على حكم الكيان الاستعماري.

حاملًا وجهًا مزيفًا مكشوفًا بكل التفاصيل، ليجلس بجانب الرئيس الأمريكي رغم كل شيء، لذلك كانت الرغبة الأمريكية أن يكون اللقاء في غرفة بيضاء بأحد الفنادق، وليس بالبيت الأبيض، منعًا من تحويل اللقاء إلى مادة استقواء يستخدمها نتنياهو في ممارسته الدكتاتورية ضمن حدود جغرافيا الاستعمار.

أما الوجه الثاني، فهو لنتنياهو الذي سعى حثيثًا وبكل القدرات والواسطات أن يعقد اجتماعًا مع بايدن في البيت الأبيض دون جدوى.

الهدف إضفاء الشرعية المفقودة لحكم نتنياهو، إلا أن الفضيحة لا يمكن إخفاؤها.

في خارج الفندق النيويوركي يتجمع المئات من المتظاهرين اليهود الرافضين لحكم نتنياهو ومساره الدكتاتوري، وبجانب هؤلاء، تظاهرة أخرى ترفع الأعلام الفلسطينية وشعارات تؤكد الحق بالحرية من الاستعمار الصهيوني على الأرض الفلسطينية.

من داخل الفندق صوت المتظاهرين واضح ويتصاعد، كلمة باللغة العبرية تلفظ (بوشا) أي عار وخزي، كنوع من الشتائم الموجهة بكثرة مؤخرًا لنتنياهو وتحالفه الحاكم، الصوت باللغة العبرية لا يقف وحيدًا في الهواء الأمريكي، فهناك كلمات بالإنجليزية مفادها الحرية لفلسطين.

الحقيقة الثانية، الموقف العام الذي يتم تحليل وتصنيف وضع الكيان الصهيوني ويندرج هذا التحليل ضمن قراءات عدة، على رأسها الأمريكي وتطلعاته، حيث يعتبر الأمريكي أن الأشكال ليس في طبيعة النظام السياسي الجديد المسيطر على النظام المؤسساتي في الكيان الصهيوني، أو ارتدادات ذلك على عملية التطبيع الأمريكية في المنطقة العربية مع الكيان الصهيوني، أو عدم الوصول إلى حلول جذرية للصراع الفلسطيني، الصهيوني على الأرض المحتلة، بل يقدم الأمريكي أكثر مخاوفه من تجذر القناعات لدى محور المقاومة، والمزاج الإيراني الطاغي فيه، من أن الزمان الاستراتيجي قد تغير، ويمكن إجراء تحولات جذرية على شكل المنطقة ومراكز القوة فيها.

لذلك نشاهد الفعاليات المقاومة تتصاعد يومًا بعد يوم في جميع الساحات التي من أهمها ساحة الضفة الفلسطينية، والجنوب اللبناني، وتفعيل حالة الاشتباك والإرباك على حدود قطاع غزة، الذي يذكر الجميع بأن معركة سيف القدس ما زالت حاضرة.

وأخيرًا.. في فوضى الغطرسة والقوة العمياء والغباء السياسي وصولاً إلى العنصرية والتطرف المقيت في داخل الكيان الصهيوني.

يعيد المشهد العام رسم خطواته من جديد بما يتوافق مع أصحاب الحق الأصلانيين في المنطقة العربية وعلى رأسها فلسطين، بأن حتمية زوال الاحتلال الصهيوني وبقايا منظومات الحكم الاستعماري قادمة لا محال.

وما شواهد المقاومة الباسلة في الضفة الفلسطينية وعموم ساحات الاشتباك لهي خير دليل على ذلك.

ليبقى اللقاء في الغرفة البيضاء تذكيرًا لنا نحن الفلسطينيين، ومن يقف معنا من أحرار العالم أن تحالفات البشر والاستعمار لا تدوم إلى الأبد.

وتبقى الحقيقة الخالدة ملكًا لأصحابها، والأرض كذلك.

الأسير الكاتب/ إسلام حسن حامد

20/09/2023

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023