بقلم:
رجائي الكركي
كانت البداية مؤتمر مدريد الذي انعقد في تشرين الأول/ أكتوبر 1991 في قاعة العمدان في إسبانيا، قد شاركت فيه وفود من سوريا ولبنان ومصر ووفد مشترك فلسطيني- أردني، إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، راعيتي المؤتمر، وبحضور الرئيسين جورج بوش (الأب) وميخائيل غورباتشوف، وبعد ثلاثة أيام من إلقاء خطابات من قبل رؤساء الوفود بدأت المفاوضات الثنائية لمدة أسبوع في مدريد، ثم توقفت بعد مدة من الزمن بعدما انتقلت لواشنطن.
تركت مباحثات مدريد أثراً على الوضع السياسي داخل "إسرائيل"، مما أدى إلى انسحاب أحزاب الائتلاف الحكومي من حكومة إسحاق شامير، وفي مقدمتها أحزاب اليمين المتطرف، وعلى إثرها تفكك الائتلاف فتم تقديم موعد انتخابات الكنيست والتي بدورها أفرزت حزب العمل برئاسة رابين عام 1992.
بعد مؤتمر مدريد جرت مفاوضات سرية بين "الإسرائيليين" والفلسطينيين فأثمرت اتفاق "أوسلو" في عهد إسحاق رابين، ثم تلاها بعد سنة اتفاق وادي العربة بين الأردن و"إسرائيل" برعاية أمريكية.
بعد قرابة 30 عاما على مؤتمر مدريد واتفاق أوسلو واتفاق وادي العربة؛ لم تحصل "إسرائيل" على أي نوع من الاستقرار، لا على الصعيد الأمني ولا السياسي (داخليا– وخارجياً). أما الأطراف العربية المشاركة فلم تحصل على أي من الوعود التي أطلقتها "إسرائيل". فالسلطة الفلسطينية لم تحصل على "حكم ذاتي" بمعناه الذي نص عليه اتفاق أوسلو، بل ازداد وضع السلطة تراجعاً كبيراً سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، والأردن لم ينل إلا مزيدا من نقص المياه وتراجع في المجال الصناعي والزراعي؛ فيما كان من المفترض أن يكون لاتفاقية وادي العربة مردود إيجابي على واقع الحياة في الأردن وظروف المواطن في البلد كونه يعاني القلة في الموارد الطبيعية.
لنقفز سريعاً إلى حالة التطبيع العربية مع "إسرائيل"، والتاريخ القريب ترك لكثير من الدول العبرة فيما حصل من نتائج على غرار مؤتمر مدريد وأوسلو واتفاقية وادي العربة، لذلك فـ"إسرائيل" لن تفي بأي من الوعود ولا حتى أي بند من بنود التطبيع إلا إذا كان الأمر يتعلق بمصلحتها الأمنيّة والاقتصادية والتي تحمل بُعدا استراتيجيا تعود لها بالفائدة الكبرى. يقول رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق، الجنرال تامير هايمن: "مصلحة إسرائيل هي منع السعودية وباقي دول الشرق الأوسط من امتلاك سلاح نووي، ومفاعل التخصيب بحد ذاته ليس تهديدا، لكن تحوله المحتمل لمشروع نووي هو التهديد الخطير الذي يجب منعه".
من جانبه أفاد موقع "إسرائيل ديفينس" بأنه "لا يوجد إجماع في المنظومة الأمنية حول مسألة ما إذا كان اتفاق التطبيع مع السعودية يساوي موافقة "إسرائيل" على برنامج نووي على الأراضي السعودية، وتميل وزارة الجيش إلى الادعاء بأن الأضرار الأمنية الناجمة عن الاتفاق الناشئ تفوق فوائده".
اذاً الإجابة "الإسرائيلية" واضحة والتي تتمثل بمصلحتها الكبرى بعدم استفادة أيّاً من الدول العربية المطبّعة معها من أي تقدّم صناعي أو تقني أو تكنولوجي أو غيره،وبحسب وجهة نظر "إسرائيل" تتوافق المصالح والمشاريع الاقتصادية والاستثمارية حينمها تكون الفائدة الأكبر لها لا لغيرها .