بقلم/ عيسى قراقع
اعتقل الجنرال الصهيوني قائد قطاع الجنوب المدعو نمرود الوني مع مئات الأسرى الإسرائيليين خلال طوفان الأقصى، الذي اجتاح المستوطنات الإسرائيلية يوم 7-10-2023، في ملحمة بطولية وأسطورية ستبقى خالدة في ذاكرة التاريخ الإنساني، هذا الجنرال قاد كتيبة المظليين والتي تسمى فرقة النار، وارتكب آلاف المذابح والجرائم بحق أبناء شعبنا الفلسطيني، وقع الآن أسيرا في قبضة المقاومة يرسف في القيود، وعليه أن يبدأ بترتيب برشه جيدا، أن ينام عاريا ويتمنى أن يرى الشمس، أن يخربش أحلامه ويكتب ذكرياته على الجدران الصماء، وعليه أن يعترف أنه لم يكتشف ذاته إلا في السجن، فقد تعطلت الدبابة واستعاد حياته بعد أن تجمد الاحتلال لعدة ساعات.
الجنرال الصهيوني الذي قاد آلاف الأسرى إلى المعسكرات وتلذذ بعذاباتهم وآلامهم، ومارس الإبادة والتطهير العرقي والمذابح الجماعية وكان جلادا مبهرا يتقن التعذيب والتنكيل وإذلال المعتقلين، وجد نفسه ضحية دولته الفاشية العنصرية، دولة عمياء لم تفهم سؤال الحياة، في السجن سوف يستعيد كل أفكاره السابقة واللاحقة كضابط في دولة عسكرتارية تركته بلا حماية، لقد انهارت المنظومة العسكرية والأمنية والاستخباراتية، توقف زمن المستوطنات والعربدات عندما دوهم منزله، رأى بنفسه كيف تكون الاقتحامات والصدمات، سقطت هيبته ونياشينه وتحطم جبروته وعنجهيته، كل شيء تبخر في لحظات، كل شيء تشظى كانفجار قنبلة في الظلام.
اعتقل الجنرال القاتل، وفي السجن سيستدعي كل المشاهد التي كان خلالها يمارس عمليات القتل والتنكيل والاعدامات، سيحصي عدد الفلسطينيين الذي أطلق على رؤوسهم الرصاص، عدد القرى والبيوت التي دمرها ونهبها، سيتذكر هؤلاء الضحايا الذين علقهم من أقدامهم في غرف التحقيق، سيتذكر كيف ساق الجرافات والدبابات إلى الحقول والأراضي وجز العشب وقطع الأشجار، وفي السجن سيعرف قيمة النهار ورائحة الهواء ومعنى الحرية، وربما يدرك لأول مرة جمال القمر والحنين إلى رؤية السماء.
اعتقل الجنرال الصهيوني الذي كان سجانا يحتجز آلاف الأسرى في السجون والمعسكرات، الكبير والصغير، الرجل والمرأة، المرضى والجرحى والمشلولين، القمع والشبح في ساحات المسكوبية وعسقلان، حرمان الأسرى من حقوقهم الاساسية، صهر وعيهم وتحويلهم إلى جماد، كان يفتخر بقدرته على زرع الامراض في أجساد الأسرى حتى الموت، يحتجز جثثهم ويضع على قبورهم الأرقام، تحويل السجون إلى مقابر للأحياء، هذا السجان صار سجينا، الجنرال المذهول اكتشف أن كهانا ونتنياهو وابن غفير خدعوه وكذبوا عليه، قالوا له نحن جيش لا يقهر، لكن غزة قهرتهم في ساعات، سقطت الخرافة والمدفع والسيف والمزامير العشر، ها أنا أساق عاريا إلى السجن، وحيدا لا أحد حولي، أين الطائرات والمدافع والحراس، غزة تفوقت علينا، فاضت حتى دفنتنا في الذل والعار.
الجنرال الصهيوني المعتقل كان قاضيا في المحكمة العسكرية في سجن عوفر، أصدر آلاف الأوامر بالاعتقال، صادق على الأحكام الرادعة والصارمة، هو المسؤول عن هدر إعمار أكثر من مليون فلسطيني زجوا في السجون، كان يفتخر أنه فوق القانون والأعراف والاتفاقيات الدولية، يتكلم بصوت الرصاص، جاهز للحرب دائما، جاهز للقتل دائما، في السجن يكتشف هشاشته وهشاشة دولته الإسبارطية، عجز سلاح الجو عن مواجهة الإرادة الفلسطينية، إنها روح شعب انفجر فيه جنون الحرية.
الجنرال الصهيوني في السجن، قبل قليل كان يغلق الأبواب على الأسرى في نفحة وشطة وهداريم، وقبل قليل كان يحمل الاصفاد ويقود فرق القمع إلى الأقسام وغرف السجون وزنازين العزل، قبل قليل كان يجدد الاعتقال الإداري للمئات من الأسرى، وقبل قليل إعدم الأسيرين ناصر أبو حميد وخضر عدنان، أين أنا الآن؟ يتساءل الجنرال، عشاق الحرية حولي إلى درجة الذوبان، فدائيون انتحاريون إلى حد التحرر، القفز عن الجدران والأسلاك الشائكة، فلسطينيون لا يملكون سوى دمهم الذي حولوه إلى ورد أو رصاص.
الجنرال الصهيوني في السجن، في غزة، في الزمن الدائري المغلق، استيقظ وعيه المذهول، كان رجلا حديديا آليا تربى في معسكر أو مدرسة دينية، شحنوه بالحقد والكراهية، قالوا له العربي الجيد هو العربي الميت، وقالوا له هذه أرض الآباء والأجداد، أرض التوراة، تشوه عقله وأفكاره حتى وجد نفسه في حفرة داكنة.
الجنرال الصهيوني يطالب الآن بحضور الصليب الأحمر الدولي وزيارة العائلة، يريد قلما وورقة وكتاب، يريد الدواء والماء، يناشد المؤسسات الدولية الاعتراف به كأسير حرب والحفاظ على كرامته الإنسانية، لم يستوعب أن يعيش في المؤبد أو المؤبدات وراء الأبواب المغلقة، وهو الذي كان سجانا يسخر من كل القوانين الإنسانية، يعامل الأسرى كأنهم ليسوا من بني البشر، يبحث الآن عن هويته وروحه المتناقضة، لم تنقذه الغارات المحمومة فوق رؤوس الناس في غزة، ولا حاملة الطائرات الأمريكية.