تقدير موقف: اليوم العاشر لمعركة طوفان الأقصى

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

طوفان الأقصى ... الموقف اليوم

ي: 16 10 2023 س: 0900

أولاً: الموقف

في اليوم العاشر على بدء معركة " طوفان الأقصى " حافظت؛ منطقة العمليات في قطاع غزة على رتابتها؛ حيث بقي العدو يمارس عمليات القتل ومحاولة التهجير القسري لسكان شمال القطاع، مستخدماً تكتيكي الضغط الناري على شمال غرب وشمال القطاع وشرقه، وضرب السكان الآمنين في منازلهم وبيوتهم، غير مستثنياً من قصفه هذا ما ادعى أنه ممرات آمنة فتحها للسكان الذين يرغبون في النزوح باتجاه الجنوب. هذا وقد شهدت الـ 24 ساعة الماضية سخونة زائدة في جبهة الشمال ؛ حث قصفت المقاومة الإسلامية في لبنان "حزب الله " أكثر من مغتصبة من مغتصبات العدو في شمال فلسطين ، كما لم يوفر قصف "حزب الله " مواقع العدو المنتشرة على سفوح جبل الشيخ ، والمطلة على مزارع " شبعا " وقرى العرقوب اللبنانية ، حيث قُتل في قصف الحزب لهذه المواقع الملازم " أفتاي غارنوت" قائد أحد تشكيلات الكتيبة 75 ، وجرح عددٌ من العاملين في هذه المواقع ، الأمر الذي ردت علي مدفعية العدو وطائراته المسيرة والمروحية بإطلاق رشقات من مدافع الميدان من عيار 155 ملم ، ورشاشات الدعم القريب المحملة على مروحيات العدو . وفي هذا السياق قام العدو بإخلاء منطقة الحدود الفلسطينية مع لبنان حتى عمق الـ 4 كلم. كما شهدت الجهود الدبلوماسية مزيداً من التسارع على خط الإنساني الهادف لإيصال المعونات الإنسانية لسكان قطاع غزة، خاصة المستلزمات الصحية منها، حيث أعلنت كثير من المشافي مشارفتها على الخروج من الخدمة، فضلاً عن تهديد العدو بقصف بعضها ـ المستشفى الكويتي ـ إذا لم يتم اخلائها من موظفيها وكوادرها الصحية. كما بدأ العدو بالحديث عن حرب استنزاف تخاض ضده في جبة شمال فلسطين، مما دفع وزير دفاع العدو " يواف غالنت " للتصريح بأن لا مصلحة لهم في فتح جبهة جديدة عليهم من شمال فلسطين. كما شهدت الـ 24 ساعة الماضية رفعاً لوتيرة سقف حديث الجمهورية الإسلامية الإيرانية المرتبط بالحرب في غزة؛ فقد ذكرت وسائل الإعلام أن رئيس الجمهورية الإيرانية السيد " رئيسي " وفي اتصال مع الرئيس الفرنسي " مكرون " قد أشار إلى أن عدم التوقف عن قتل المدنيين سوف يوسع من رقعة الحرب وتمدد خيوط الأزمة إلى مساحات خارج غزة، وهو ـ تصريح رئيسي ـ ما أعاد تأكيد مضمونة وزير خارجة إيران؛ الوزير " عبد اللهيان “. إلا أن اللافت في اليوم التاسع للحرب إعلان العدو عن أهدافه منها، حيث ذكرت وسائل إعلام العدو أن هدفهم من الحرب هو: 

  1. اسقاط حكومة حماس وتدمير قدراتها العسكرية. 
  2. إزالة التهديد من قطاع غزة ضد (إسرائيل). 
  3. بذل أقصى جهد لحل قضية الرهائن. 
  4. حماية حدود البلاد ومواطنيها. 

وهي أهداف صادق عليها مجلس الوزراء المصغر للعدو (الكابينت)، كما طلب من أعضاء هذا المنتدى التوقيع على تعهدات بعدم تسريب أي شيء من مداولات المجلس أو ما يدور فيه من بحث ونقاش. كما بدأ ظهور بوادر خلاف داخل حكومة العدو بدت في تصريحات وزير ماليته ـ سمورتش ـ عندما قال ما مضمونه أن الدولة ومؤسساتها الأمنية والعسكرية فشلت في توفير الأمن لمواطنيها، وأن عليهم أن يعترفوا بهذا الفشل. كما ظهرت بوادر خلاف لدى المؤسسة العسكرية مبعثه تباين في وجهات نظر قادتها من الحاجة إلى مزيد من تعبئة وحشد قدرات قتالية في غلاف غزة ومحيطها. أما فيما يخص قتلى العدو من الجنود؛ فقد أعلن العدو أن عدد قتلاه من الجنود بلغ 291 جندي وضابط من مختلف الرتب والتخصصات. 

كما حافظت المقاومة الفلسطينية وبمختلف فصائلها على نمط عملياتها ضد العدو، والتي شملت قصف مناطق حشده في " نير عام " و " كفار سعد " و " عالوميم " وجنوب “مفلاسيم " و " نتساريم " و " سدروت “، كما لم يوفر قصف المقاومة عمق العدو في مدننا الفلسطينية، حيث وصلت الصواريخ حتى " تل الربيع " و " هرتسليا " و " عسقلان"، كما سُجلت عملية اشتباه في تسلل للمقاومة إلى مغتصبة " زكيم “، كما سجل حتى صباح هذا اليوم إطلاق ما يقارب من 100 صاروخ بالتجاه أهداف مختلفة في منطقة العمليات ومحيطها. هذا وقد بلغ عدد شهداء وجرحى شعبنا في اليوم العاشر لعملية " طوفان الأقصى" ما يقارب 2670 شهيداً وما لا يقل عن 9600 مصاب، هذا فضلاً عن الضحايا الذين ما زالوا تحت أنقاض بيوتهم التي دمرها العدو. 

كما بقيت الحالة الأمنية في الضفة الغربية على ما هي عليه من تضييق شديد على حركة الموطنين والسكان، والتعامل مع أي تهديد بالنار بقصد القتل، كما بقي العدو يمارس عمليات الاقتحام والمداهمة في كثير من قرى ومدن الضفة، وفي نفس السياق لم تشهد مدن وقرى مناطق الثمانية والأربعين جهوداً ذات بال يمكن أن تؤثر على إجراءات العدو وتدابيره في منطقة عمليات قطاع غزة. 

أما فيما يخص مظاهرات الدعم والتأييد، فقد بقيت هذه النشاطات والفعاليات في كثير من المدن والعواصم العربية والغربية، تخرج مؤيدة للحقوق الفلسطينية، وحق المقاومة في الرد على العدوان الإسرائيلي. 

وفيما يخص أهم سمات الموقف في الـ 24 ساعة الماضية فيمكن الإشارة إلى التالي

  1. بقاء قصف العدو على مختلف مناطق قطاع غزة، مركزاً على المناطق الشمالية والشرقية والغربية، كما طال قصفه بعض مناطق وسط القطاع وجنوبه. 
  2. إدامة المقاومة قصفها لمناطق حشد العدو في غلاف غزة، كما طال قصفها العمق الفلسطيني المحتل. 
  3. الساعة 0825 إعلان العدو عن إخلاء سكان مغتصبة " سديروت " بالتجاه " أم الرشراش " والقدس. 
  4. الساعة 9:52 قصف مغتصبة " شتولا " في الجنوب اللبناني بصاروخ موجه ضد الدروع. 
  5. الساعة 1015 اشتباك في مغتصبة " نير عام " شرق غزة. 
  6. الساعة 1335 قصف مواقع حشد العدو بالطائرات الانتحارية المسيرة. 
  7. الساعة 1358 قصف " تل الربيع " ومنطقة هرتسيليا. 
  8. الساعة 1810 قصف مغتصبة " مفتاحيم " وعسقلان. 
  9. الساعة 2010 الاشتباه بتسلل مجموعة مقاومة إلى " زكيم “. 
  10. الساعة 2250 قصف " حزب الله " لمغتصبة " المطلة " في الجنوب اللبناني. 

ثانياً: التحليل والتقدير

ما زال العدو في حالة تردد فيما يخص العمل البري ـ الكلي وهو مستبعد، أو الجزئي والذي خطره ما زال قائماً ـ للأسباب التي ذكرنها في أوراق الموقف السابقة، ومما زاد في تردده بدئ ظهور حالات المعارضة الرسمية والشعبية لأي عمل بري؛ كون هذا الأمر لن يحقق أهداف عمليتهم العسكرية المشار لها سابقاً، والتي قيل إن (الكابنيت) قد صادق عليها. فضلاً عن بدء تكّون رأي عام غربي يطالب العدو بإعادة مراجعة ما يقوم به من إجراءات ضد قطاع غزة وأهله. ولكن ما هو أهم من هذا كله ؛ بدء التصعيد المتدرج والمحسوب الذي بدأت جبهة الجنوب اللبناني تشهده ، حيث زادت عمليات احتكاك " حزب الله" خشونة ، وجرأة ، وشمولية ، الأمر الذي جمّد قدرات قتالة نظامية مهمة ، يحتاج لها العدو للتشغيل كقوات مناورة أو احتياط استراتيجي في يد القيادة ، في حالة قرر الدخول البري إلى قطاع غزة ، فضلاً عن تقدير العدو أن المقاومة الفلسطينية في غزة ما زالت تحتفظ بقدرات قتالية دفاعية منتشرة في منطقة العمليات ، قادرة على الحاق أذاً ذو مصداقية في قواته حال تقدمها البري ، مضافاً إلى ذلك أن العدو يتحسب مما تدخره المقاومة من قدرات قتالية بشرية ومادية كاحتياط استراتيجي في بعض مناطق قطاع غزة التي لم تصلها كثافة نارية معادية تؤثر عليها أو تحد من كفاءتها . كما أن بقاء قصف المقاومة للعمق المعادي بصليات الصواريخ والمدفعية، وإدارتها لاشتباكات ـ ولو متقطعة ـ قريبة مع العدو في منطقة العمليات، تدل على أن المقاومة ما زالت تتمتع بجاهزية مناسبة وقدرات قيادة وسيطرة فاعلة، تمكنها من إجبار العدو على إعادة حساباته، ومراجعة إجراءاته. 

وعليه نعتقد أن الموقف في الـ 24 ساعة القادمة سيتسم بالآتي:

  1. بقاء الموقف القتالي في منطقة العمليات على رتابته القتالية ـ تبادل القصف ـ وعلى مختلف الأهداف في قطاع غزة أو غلافها أو العمق الفلسطيني. كما ستشهد منطقة العمليات محاولات تسلل أو احتكاك واشتباك للمقاومة مع الحافة الأمامية لمناطق القتال المعادي. 
  2. بقاء حالة المناوشة والتصعيد في جبهة الجنوب اللبناني ضمن عمليات الفعل ورد الفعل، مع زيادة الرقع الجغرافية المستهدفة، وتنوع الأهداف المعادية المضروبة، الأمر الذي سيتبعه عمليات رد من العدو بوسائط النار المختلفة، البرية والجوية. 
  3. تقدم الجهود السياسية وتفاعلها بشكل أكثر مما هي عليه الآن، في حركة الهدف منها تخفيف ضغط العدو على قطاع غزة، وخفض مستوى ناره المستخدمة ضد أهلنا في القطاع، وفتح ممرات آمنة لدخول المواد الأساسية والضرورية لحياة الناس اليومية، وشؤنهم الصحية، في مقابل تنازلات تقدمها المقاومة الفلسطينية في ملف الأسرى (المدنيين) الموجدين في قبضة مختلف فصائل المقاومة في غزة. 
  4. بقاء القبضة الأمنية المعادية ممسكة بزمام المبادرة في منطقة الضفة الغربية، لمنع خروج أي أعمال أمنية أو عسكرية تشكل عليه وعلى قواته تهديداً ذو مصداقية، تشغله أو تتطلب تشغيل قدرات قتالية هو في أمس الحاجة لها في جبهة قطاع غزة، الأمر الذي سيتكرر أيضاً في مناطق الثمانية والأربعين. 

أمام هذا الموقف فإننا نوصي بالآتي

  1. المحافظة على قدرات المقاومة وأصولها البشرية والمادية ومنع الحاق ضرر ذو مصداقية فيها، ورعاية أصل التأمين الشامل ـ معلومات، قدرات، مقرات ـ. 
  2. إبقاء عمليات قصف مناطق حشد العدو في غلاف غزة، وقواعد ناره في منطقة العمليات قائمة وفاعلة، والعمل على زيادة دقتها. 
  3. محاولة رسم معادلة رعب مع العدو مؤداها؛ الهدم بالهدم، والدم بالدم. 
  4. زيادة إيضاح مفهوم " الخطوط الحمر " لدى حلفاء المقاومة؛ فعلاً وقولاً، لإجبار العدو مراجعة حساباته، والحد من خشونة إجراءاته. 

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون 

عبد الله أمين 

16 10 2023

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023