في قواعد التفكير والتدبير السياسي، خلل كبير عند جماهيرنا بشكل عام. وعند أبناء حارتنا بشكل خاص.
وكذا في الطرائق والوسائل والأساليب، ولا تسأل عن حجم التردي في الخطاب السياسي، الذي يجهر به الكثير منا، هنا وهناك..
أزعم أن ما نعيشه وما نعايشه هو ركام من الأخطاء بل الخطايا المنهجية التأسيسية. حتى ليقال، إن الكثيرن ممن حولنا لا يميزون المعروف من القول أو الفعل السياسي، من المنكر. وبعضنا ينهى عن المعروف ويأمر بالمنكر نتيجة قلة الدراية أو ضعف الدربة.
الحديث هنا ليس فقط عن الملتزمين بالإسلام، بل الجناية تعم وتستطير، ونتحمل جميعا بعض أوزارها أو مخرجاتها.
في بيت من الشعر العربي يلخص المهلهل مأساة قوم، حملهم إياها الجساس. يقول له:
يا أيها الجاني على قومه
جناية ليس لها بالمطيق
جنايات عشناها ودفعنا ثمنها على مدى نصف قرن.
وأنا لا أتكلم هنا، عن أغرار ممن لا يقدمون ولا يؤخرون، يلقون الكلام على عواهنه، فإذا به أقرب إلى سلوك" المحاجرة" في فضاء الحارات القديمة..وأرجو أن أبناء حاراتنا في هذا العصر قد كفوا وعفوا..
وإنما أتكلم عن خطباء وصناع قرار، وأستعمل لفظ الخطباء هنا بالمصطلح المدني الشيشروني، ولا سيما حين يكون الخطيب من صناع القرار، أو مؤثرا في صناع قرار.
نحن نحتاج إلى إعادة تعلم علم السياسة أو فن السياسة. وكانوا حتى زمن قريب يختلفون في تعريف السياسة: هل هي علم أو فن!!
وقالوا فيما قالوا: "السياسة علم حكم الدول" وقابلوه بقولهم "السياسة فن حكم الشعوب"
السياسة في تعاملها المؤسسي مع الدولة والدول التي هي مجموعة من المؤسسات هي: علم، وفي تعاملها مع الحالة الإنسانية المتعددة العقول والقناعات والأمزجة والأهواء هي: فن..
هذا مجرد بداية..
وأطوف في هذا الفضاء المفتوح، فأسمع وأرى..
أسمع أقوالا لا تتحملها كفة ميزان.. وأرى أفعالا تنوء بها رمانة القبان!!
بالأمس مثلا أعاروا جهةً على أرض لبنان، بضعة صواريخ وقالوا لهم: اقصفوهم حيث نقول لكم
ففعل القوم والله..
في أحيائنا القديمة كانوا إذا أرادوا أن يرتكبوا جريمة بأقل الكلفة، عمدوا إلى حدث دون الثامنة عشرة، ثم سقوه خمرا، ثم وكلوه بها بعد أن يهيئوا له أسبابها..!!
حضور البوارج الأمريكية إلى المنطقة يعني أمرين:
الأول: أن الحرب في غزة ستطول..
والثاني: أن كل من سيتدخل فيها، سيدخل حربا مع الولايات المتحدة.
حكام المنطقة جميعا يجيدون "علم المحافظة على الكرسي، وفنه أبضا".
ومنذ الثامن من تشرين الأول كتبت: من واجبنا الدعاء لأهلنا في غزة، والوقوف معهم أدبيا بما نستطيع، ومن واجبهم أن يجيدوا حسابات مدخلهم ومخرجهم. وأن لا يغتروا كما اغتررننا، نحن السوريين، بكلام الوكلاء والضامنين والكافلين..
أعود إلى أصل موضوعي: نحن نحتاج إلى كثير من دروس علم السياسة، على مستوى النفكير، وعلى مستوى التدبير، وعلى مستوى القواعد الدينية وعلى مستوى القواعد المدنية، وما أظن أن الفروق بين هذه وتلك في علوم السياسة ستكون كبيرة…
تعلمتُ من القرآن الكريم -وما أجمل وما أكمل ما تعلمت- أن الله ينصر المؤمنين إن نصروه.
أرجو أن نعلم الناس هذا، بل أن لا نعلم هذا غير هذا.
محطتنا القادمة: علم السياسة في الاسلام لا يؤسس على النص الشرعي المنفرد، بل يؤسس على القواعد الشرعية، وعلى فقه المصالح والمفاسد تحقيقا ودرأ..
لندن: ٤ / ربيع الآخر/ ١٤٤٥- ١٩/ ١٠ / ٢٠٢٣
زهير سالم: مدير مركز الشرق العربي