وزيرة الخارجية الألمانية تبرر العدوان بغلاف إنساني
حضارات

هكذا تكلّمت وزيرة الخارجية الألمانية في عمّان هذا المساء  


تحدثت وزيرة الخارجية الألمانية أنّالينا بيربوك هذا المساء (الخميس 20 أكتوبر) من العاصمة الأردنية عمّان قادمة من فلسطين المحتلة بعد زيارة دعم صريحة للعدوان الحربي الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

عبّرت الوزيرة بشكل متكرر عن دعم العدوان الحربي الإسرائيلي ووفّرت الذرائع التقليدية له، لكنها حاولت الظهور في قالب من التوازن المزيّف.

لم تذكر الوزيرة مفردة الاحتلال في خطابها المطوّل ولو لمرّة واحدة. وبالتالي تجاهلت حقيقة وجود الاحتلال الذي يقاومه الشعب الفلسطيني.

اعتبرت أنّ مقاومة الشعب الفلسطيني، التي أشارت إليها بمفردة "الإرهاب"، هي أساس المشكلة، وتجاهلت نكبة الشعب الفلسطيني وقضيّته، واكتفت بالإشارة إلى التمسك بما يسمّى "حل الدولتين" متجاهلة أنّ حكومات الاحتلال قوّضته في الواقع.

أدانت الوزيرة الألمانية "عنف المستوطنين" وليس إرهاب المستوطنين، كما لم تومئ بأي إشارة ولو يسيرة لمجرد نقد القتل الجماعي وجرائم الحرب التي يقوم بها جيش الاحتلال، فهي أدانت اعتداءات المستوطنين ولا جديد في الإدانات الأوروبية والدولية لذلك، بينما دعمت أعمال القصف والمجازر التي يقترفها حكومة الحرب الإسرائيلية وجيشها دعماً واضحاً من خلال تأكيد "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وهي المقولة التي تمثل غطاء نمطياً للعدوان الحربي على الشعب الفلسطيني.

أكثرت وزيرة الخارجية الألمانية الحديث عن العطش والمياه الملوّثة في غزة، دون أن تشير إلى مسؤولية الاحتلال الإسرائيلي في ذلك، وكأنها حالة شحّ مياه بلا فاعل.  

ركّزت الوزيرة بشكل متكرر على موضوع المياه وأزاحت جرائم القتل الجماعي البشعة بحقّ المدنيين الفلسطينيين جانباً ولم تتطرّق إلى أعدادهم، ما يجعلها مراوغة خطابية لادعاء التوازن.

كان لافتاً للانتباه تحذير بيربوك من مضامين مواقع التواصل الاجتماعي وما يأتي فيها بشأن الحرب، وذلك في سياق إشارتها الخجولة جداً إلى قصف المستشفى المعمداني، وبدا واضحاً أنها تدعو العرب إلى التريث وعدم تحميل الجيش الإسرائيلي المسؤولية عن جرائم الحرب التي يقترفها، وقالت إنّ الأمر بحاجة إلى تحقيق وتحميل المسؤولية لأي طرف يقف وراء ذلك.

كررت الوزيرة في كلمتها في المؤتمر الصحفي مفردة "الإنسانية" حتى أنها بدت كمن يقدِّم دروساً وتوجيهات في الإنسانية، لكنها لم تتحدث بوضوح عن المجازر الجماعية الوحشية التي تجري بحق المدنيين الفلسطينيين.

ثمّ إنها استعملت بشكل متكرر أسلوب لوم الضحية بشكل صارخ، عندما قالت إنّ حماس هي المسؤولة عن معاناة الشعب الفلسطيني ووقوع ضحايا فلسطينيين، وأعفت حكومة الاحتلال وجيشه بالكامل من ذلك، وعندما كانت تتطرّق إلى وجوه من المعاناة الواضحة التي لا يمكن طمس مسؤولية الاحتلال عنها فإنها عرضت تلك المعاناة وكأنها نتاج كارثة طبيعية.

كرّرت بيربوك المزاعم الدعائية النمطية التي يرددها جيش الاحتلال وحكومة نتنياهو، مثل أنّ المقاومة تتخذ المدنيين الفلسطينيين دروعاً بشرية، وأنها تتحصن تحت المدارس والمرافق المدنية، وغير ذلك من المزاعم التي يبرِّر بها الاحتلال جرائم حربه.

ولم تتطرّق رئيسة الدبلوماسية الألمانية إلى حملة التطهير العرقي الجارية وتهجير الفلسطينيين داخل مناطق قطاع غزة ومحاولة تهجيرهم إلى خارجه.

جدير بالملاحظة أنّ وزيرة الخارجية الألمانية عُرفت بنبرتها الشديدة ضد روسيا وبوتين بعد غزو أوكرانيا، لكنها تغاضت خلال جولتها بشكل صارخ عن جرائم الحرب الإسرائيلية الجارية وقالت إن حركة "حماس" هي من يقف وراء ذلك.

كما اشتهرت الوزيرة بأنها تتينّى ما يسمّى "سياسة خارجية فيمنية/ فيمنستية" (نسوية)، وتزعم من خلال ذلك الاهتمام بالنساء والفئات المستضعفة، وقد حرصت على التعبير الاستعراضي المستمرّ عن ذلك في جولاتها الخارجية، لكنها تجاهلت بشكلٍ مطبق مأساة النساء والفتيات الفلسطينيات رغم حديثها عنهنّ طويلاً في الكلمة، وحمّلت الجانب الفلسطيني من هذه الحرب المسؤولية عن ذلك وليس الاحتلال وحكومته وجيشه.

جاءت هذه الكلمة من عاصمة عربية (عمّان) على نحو كان يفرض بعض التوازن في الخطاب، جرى التعبير المضلل عنه بالحديث عن وجوه مخففة من المعاناة الإنسانية لسكان قطاع غزة وبشكل مجرّد من الحديث عن المجازر الوحشية، وأعلنت عن فتات من المساعدات للفلسطينيين لا ترقى إلى حجم الكارثة كما لا تتناسب مع حجم الدعم الألماني للاحتلال متعدد المجالات، وإذ لم يسعها إغفال مجزرة المستشفى فإنها نزعت مسؤولية الاحتلال عنها عبر صيغة مراوغة.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023