الخبير العسكري فتحي رمضان
إحجام "إسرائيل" حتى اللحظة عن اجتياح قطاع غزة، مرده عدة أسباب أبرزها: خوفهم من الفاتورة الباهظة والمُكلفة لهذه العملية، والقلق من دخول الجبهة الشمالية على الخط بقوة، ورفع وتيرة الاشتباك من جانب حزب الله.
رسائل من نار يُرسلها حزب الله لإسرائيل يومياً ضمن معادلة (وحدة الساحات)، وهذا الأمر يُربك جيش الاحتلال ويُقلقه ويكبحه حتى اللحظة عن شن عملية عسكرية برية ضد غزة.
الخبير العسكري فتحي رمضان: نتوقع أن يكون مخطط "إسرائيل" لشن عملية عسكرية برية ضد قطاع غزة مبنياً على عنصر المباغتة والمفاجأة.
هدف "إسرائيل" من العملية العسكرية البرية، محاولة إنقاذ عقيدتها الأمنية التي ضُربت بقوة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري.
تقوم العقيدة الأمنية الإسرائيلية على أربعة مرتكزات هي: الإنذار، الردع، الدفاع، والحسم، ولقد انهارت في "غلاف غزة" يوم السابع من أكتوبر الجاري المرتكزات الثلاثة الأولى، وهناك علامة استفهام كبيرة حول المرتكز الرابع، وإذا إنهار هذا الآخر فسيواجه الأمن القومي الإسرائيلي معضلةً إستراتيجية، وعليه ستحاول "إسرائيل" تفعيل الحسم للتعويض عن الخسارة الكبرى في الإنذار، الردع والدفاع.
هناك أزمة ثقة داخل المجلس الحربي الاسرائيلي، و"الكابنيت"، فوزير الجيش يوآف غالانت -على سبيل المثال- يتذكر جيداً معارضة غانتس وآيزنكوت لتعيينه رئيساً لأركان الجيش الإسرائيلي، لذا ليس سهلاً إدارة حرب حين تنعدم الثقة بين المسؤولين.
يُدرك بنيامين نتنياهو أن ما حدث يوم السابع من أكتوبر الجاري أوقعه في ورطة كبيرة، وسيخضع فور انتهاء الحرب للجان تحقيق، لذا هو قلق على موقعه ومكانته التاريخية، ولا يريد أن تكون ذكراه كما غولدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة، التي ارتبط اسمها بالإخفاق الإسرائيلي في حرب أكتوبر عام 1973.
لاشك أن رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي هرتسي هليفي، وقائد المنطقة الجنوبية بالجيش، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، ورئيس جهاز "الشاباك" رونين بار، وغيرهم من القيادات الأمنية والجنرالات العسكرية الإسرائيلية سيدفعون الثمن بعد أن تنتهي الحرب على غزة، لكن هناك مطالبات حالية داخل المجتمع الإسرائيلي بتأجيل توجيه اللوم وتحميل المسؤوليات عما جرى، وإفساح المجال للرد العسكري، حيث تنتشر لافتات إعلانية في الشوارع، وتتناقل وسائل الإعلام الإسرائيلية، عبارة واحدة باتت كالشعار :"اسمحوا للجيش بأن ينتصر".
سعت المقاومة الفلسطينية بإطلاقها لعملية (طوفان الأقصى) للحصول على صورة نصر، فعادت بألبوم كامل -وفق وصف المحللين العسكريين الإسرائيليين- لذا ستحاول "إسرائيل" الحصول على صور نصر تُسوقها للمجتمع الإسرائيلي، كي تستعيد هيبة مؤسساتها الأمنية والعسكرية والسياسية، التي تعرضت للإذلال والإهانة والانهيار نتيجة الإخفاق في صد الهجوم على المواقع العسكرية الإسرائيلية، والحصول على أي معلومة مسبقة عن ذلك الهجوم المباغت في السابع من أكتوبر الجاري.
هناك دعوات خطيرة تعكس عقلية الإجرام وحالة الهستيريا التي تنتاب الجنرالات والقيادات العسكرية والأمنية الإسرائيلية، فقد دعا رئيس جهاز "الموساد" الأسبق داني ياتوم، إلى عدم شن عملية عسكرية برية ضد غزة قبل مهاجمة مستشفى الشفاء، بزعم وجود أنفاق تحت الأرض هنالك، وهو ما يُفسر استهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي للمستشفى المعمداني، وارتكاب مجزرة ضد المدنيين هناك.
عملية (طوفان الأقصى) ضربت "إسرائيل" في مقتل بعقيدة "الجدار الحديدي"، التي وضعها الزعيم الصهيوني الشهير زئيف جابوتنسكي، وتبناها جيل المؤسسين بزعامة ديفيد بن غوريون، والتي تبدو مفتونةً بها منذ إنشائها، وهي تقوم على وجوب تأسيس قوة مدافعة عن المستوطنين اليهود، تكون بمثابة "جدار حديدي لا يكون بمقدور السكان الأصليين اختراقه".
للعلم فقد بدأ التفكير في "إسرائيل" بإقامة "الجدار الحديدي" بعد العدوان الذي شنته على قطاع غزة عام 2014، وذلك بعد عجز جيش الاحتلال عن القضاء على الأنفاق الهجومية أو التكهن بمكانها، واستمر العمل فيه بين الأعوام 2017-2021، وبلغت كلفته أكثر من مليار دولار، ويبلغ ارتفاعه ستة أمتار فوق سطح الأرض، ويمتد إلى عمق عشرات الأمتار تحتها.
سمعة أنظمة ومعدات التجسس الإسرائيلية في الحضيض اليوم، فهي تفشل في الوصول لقادة المقاومة وللمقاتلين، وهذا يُضاف إلى الفشل الذريع في التوصل إلى معلومات مسبقة عن مخططات الهجوم المباغت، يوم السابع من أكتوبر الجاري، وبالتالي تلقت الصناعة العسكرية الإسرائيلية ضربةً كبيرة بعد أن جرى الترويج لها وتصديرها على أنها الأفضل والأنجع عالمياً.
زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لكيان الاحتلال ومشاركته ووزير خارجيته في اجتماعات مجلس الحرب الإسرائيلي، إضافةً لدفعهم بقوات بحرية وجوية ضخمة عبر حاملات الطائرات والبوارج الحربية، كل ذلك له عدة أهداف سياسية منها: رسالة تحذير لمحور المقاومة في المنطقة بألا يحاول توسيع دائرة المواجهة، إضافةً لكونها إشارة واضحة لروسيا، التي تعتبرها واشنطن قوةً محركة ومصدر إلهام لهجوم المقاومة الفلسطينية، عدا عن كونها رسالة وقوف إلى جانب الحلفاء، وهذه مصلحة تتساوق مع تعزيز "الناتو" على خلفية عملية روسيا العسكرية ضد أوكرانيا، وكذلك تعزيز التحالف مع اليابان، ومع كوريا الجنوبية، والتزام بايدن بالدفاع عن تايوان.
قصف الاحتلال الذي لا يتوقف ضد غزة، يكشف إفلاس "بنك الأهداف" الإسرائيلي، فكل ما يجري محاولة لتدفيع الحاضنة الشعبية الثمن، وهذا واضح من الإحصائيات الرسمية والصور التي تُصدرها وسائل الإعلام، فنحن نشاهد أن الغالبية الساحقة من الضحايا بالقطاع المحاصر أطفال ونساء، عدا عن استهداف وتهديد المستشفيات والمساجد والمدارس، حتى الكنائس لم تسلم من قنابلهم.