طوفان الأقصى ... الموقف في اليوم العشرين: 26/ 10/ 2023  الساعة: 09:00

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني


أولاً : الموقف

وفي اليوم " التاسع عشر " للحرب الدائرة في غزة ؛ كرر المشهد نفسه برتابته المعهودة ؛ قتل وقصف وتدمير بيوت على رؤوس قاطنيها ، فمسحت أحياء عن بكرة أبيها ، والتحق شهداء بركب أهلهم وذويهم ، وبقي العدو ينشر الموت والدمار على رؤوس السكان والمواطنين ، بلا هدف سوى محاولة كسر إرادة أهلنا وشعبنا في غزة ؛ فلم يفلح ؛ وعادت قوافل النازحين على غير ما أراد رئيس هيئة الأركان " هاليفي " فتحركت شمالاً بدل أن تتحرك جنوباً ، وبدأ بعض الناس يعودون لتفقد ما تبقى من بيوتهم وأحيائهم ، بحثاً عن ذكريات لم يسعفهم الحظ لأخذها معهم .

وفي اليوم "التاسع عشر " للحرب عاد الناطق باسم الجيش " دانيال هاغاري " فكرر ما طلبه من الناس في بدايتها ؛ أن توجهوا جنوباً حيث (الأمن ) والخدمات الإنسانية متوفرة ، ونسي هذا الضابط أن طائراته لم تترك مكاناً آمناً في طول القطاع وعرضه وفي مؤتمره الصحفي اليومي ؛ أفصح الناطق الرسمي باسم الجيش عن طبيعة الشراكة بينه وبينه وليّ نعمته ـ أمريكا ـ عندما أجاب على سؤال حول استعداد كيانه المؤقت للتصدي لأي هجوم جوي من إيران ؟ فأجاب بلا تردد : أن أمريكا هي متولية الشأن الإيراني في هذه المعركة ! أما هم فمجال عملهم غزة ولبنان . 

وفي هذا اليوم عاد (الأصيل) ليطمئن على أوضاع ( الوكيل ) فاتصل " بايدن" مع رئيس وزراء الكيان المؤقت " نتنياهو" علّيه يفهم سبب هذا الاستعصاء الذي يشهده الموقف ، متسائلاً ـ بايدن ـ عن الجهود المبذولة للوصول إلى مكان الأسرى ، وما بذل ويبذل من أجل إطلاق سراحهم . 
ولم تتوقف طائرات العدوان الـ (أمريصهيوني ) عن قصف مددنا ومخيماتنا في قطاع غزة ، فقصفت "خان يونس " و " مخيم النصيرات " و " رفح " ـ الساعة: 15:20 ـ و " المغازي " ـ 15:25 ـ وارتكبت مجزرة في " اليرموك " مدمرة برجاً سكنياً تقطنه مئات العائلات ، بين نازح ومقيم . 

كما بدأ قادة الكيان ومسؤوليه التأكد من صحة نبوءات ( نبي الغضب ) الجنرال " بريك " عندما كان يقول لهم أن جيشهم ليس مستعداً لحرب على الجبهة الشمالية ، وأن قصارى جهدهم أن يردعوا " غزة " وإذ بهم يُفاجأون بما لم يحسبوا له الحساب؛ طوفان من الجنوب اجتاح اسطورتهم ومزق صورتهم ، وها هم يتقاذفون جمر مسؤولية هذا الإخفاق الذي كشف زيف قوتهم ، وهشاشة ردعهم . وفي هذا اليوم أيضاً فاض كأس خلاف الساسة مع العسكر، فبعد يوم من الصورة الثلاثية ـ نتنياهو ، غالانت ، هاليفي ـ ، وبعد يوم من المؤتمر الميداني لرئيسي هيئة الأركان الذي خرج ليقول فيه أن جيشه على استعداد للمرحلة الثانية من العميلة الحربية ، بعد هذه المشاهد ، خرج رئيس وزراء الكيان المؤقت ، ليعلن مغاضباً أن قرار العملية البرية قد أخذ ،  وأنه بأجماع الحكومة المصغرة تقرر ، وأن لا خلاف ولا من يختلفون ! وفي اليوم هذا زاد العدو من إجراءات أمنه على الحدود الشمالية ، فمشط بالرشاشات الثقيلة محيط مواقعه ، وقصف ـ الساعة : 1530 ـ بالطائرات المسيرة محيط كفار شوبا ، وحلتا اللبنانيتين ، فارتقى شهيد ، وأصيب آخر ، كما قصف مطار حلب وأخرجه عن الخدمة . وفي ختام هذا اليوم أعلن العدو عن توغل محدود في أرضي القطاع بهدف ( القضاء ) على مواقع للمقاومة فيها وتدمير أصول بنية عليها . 

وفي هذا اليوم " التاسع عشر " للحرب ؛ عاد الجيش فأعلن أن عدد قتلاه الذين اجتاحهم الطوفان بلغ 308 قتلى ، أم الأسرى فهم 222 أسيراً . 

وفي هذا اليوم بقيت المقاومة ترسل إشارات عافيتها ، وقرائن قدرتها ، وشواهد سيطرتها ؛ فقصفت غلاف غزة ـ " نحال عوز " و " نير عام " و " زكيم " و " رعيم " و "إيرز " وتجمعات العدو فيها أكثر من مرة ، وقصف ـ س : 13:00 ـ حيفا بصاروخ R160   ، و " تل الربيع " الساعة: 17:00 ـ ، و" أم الرشراش " ـ س : 14:30 ـ بصاروخ "عياش " 250 كما استهدفت المقاومة اللبنانية موقعاً للعدو في " أفوفيم " فأصابت فيه دبابة إصابة محققه ، كما استُهدف موقع " البايض " المواجه لقرية " بليدا " ، وقُصفت " كريات شمونا " و "المنارة " و " برانيت " ، وقد زفت المقاومة الإسلامية في لبنان " حزب الله " خمسة من شهدائها في هذا اليوم ، كما قصفت المقاومة العراقية ، مواقع العدو الأمريكي في مطار " أبو حجر ـ خراب الجير " السورية بوابل من الصواريخ . 

كما بقيت " الضفة الغربية " مشتبكة مع العدو ، التي حول مدنها وقراها إلى جزر معزولة ، فضيق على الناس سبل عيشهم ، وطرق تنقلهم ، وأطلق النار على كل ما يشك في أنه تهديدٌ له ولقواته وقطعان مستوطنيه فيها، كما اقتحم حي " رفيديا " والحي الغربي في نابلس ، وغيرها من مدن وقرى الضفة الغربية . أما في مناطق الثمانية والأربعين المحتلة، فقد بقي الحال على نفس المنوال ! 

وفي السياق ؛ فقد بقيت مظاهرات التأييد والدعم تجوب مدنا ًعربية وإسلامية وغربية ، مؤيدة للمقاومة ، وداعمة لخياراتها ، ومدافعة عن شعبها . 

وفي السياسية بقي المشهد على عهده ( حركة بلا بركة ) ، موفدين متجولين ، وملتقيين مجتمعين ، وبيانات تصدر ، ولقاءات تعقد ؛ كلها لم تفلح في فتح مستدام لمعابر رفح لدخول المساعدات الإنسانية ، والمتطلبات اليومية لشعبنا المحاصر بالنار والدمار في مدن غزة ومخيماتها . 


أما عن أهم السمات ذات الدلالة في موقف اليوم " التاسع عشر " للحرب فيمكن ذكر التالي

  1. إدامة العدو لقصفه واستهدافه للمجمعات السكنية والأبراج المدنية . 
  2. إدامة المقاومة في الجنوب والشمال اشتباكها بالنار مع العدو على غلاف غزة ، ومغتصبات العدو ومواقعه في شمال فلسطين . 
  3. الإعلان عن لقاء تم يوم الثلاثاء 24 /10/2023 جمع الأمين العام لـ " حزب الله " السيد حسن نصر الله مع الأمين العالم لحركة الجهاد الإسلامي " زياد نخالة " و نائب قائد حركة المقاومة الإسلامية " حماس " الشيخ صالح العاروي ، لتقييم المواقف ، وتنسيق الإجراءات ، بهدف تحقيق نصر في هذه المعركة الدائرة في غزة ولبنان . 
  4. قصف قاعدة العدو الأمريكي في " خراب الجير " السورية . 
  5. الساعة 13:00قصف حيفا بصاروخ R160 . 
  6. الساعة 14:30 قصف " أم الرشراش " بصاروخ " عياش 250 " . 
  7. الساعة 19:00 قصف " تل الربيع " والتي أعيد قصفه مرة ثانية الساعة 22:00 . 


ثانيا : التحليل والتقدير

لا يزال الموقف القتالي على رتابته اليومية ، فراوحت فعالياته بين قصف ورد بالقصف ، واستمرار العدو استهدافه للمدنيين الآمنين في قطاع غزة ، والبنى التحتية التي تقدم الخدمات الصحية وغير الصحية لهم ، هذا جنوباً ، أما في الشمال ؛ فالحال بين فعل ورد فعل ، في إدارة مضبوطة للموقف ، بحيث لا تنزلق الأمور باتجاه حرب مفتوحة ، لم ير قادة محور المقاومة إلى الآن أن أوانها قد حان . إلا أن صورة قادة المقاومة ـ السيد حسن نصر الله ، زياد نخالة ، الشيخ صالح العاروي ـ التي ذكرت سابقاً ، وما حملته من دلالات ، تشي بأن مرحلة جديدة من الحرب قد نكون دخلنا فيها ، خاصة إذا ما جمعنا هذه الصورة ، مع تصريح رئيس وزراء الكيان المؤقت " نتن ياهو " ، مع ما أُعلن عنه بالأمس من أن توغلاً محدوداً قام به العدو إلى داخل أراضي قطاع غزة ، الأمر الذي يحتاج من المراقبين المتابعة الدقيقة للتغيرات التي ستطرأ على المشهد في الـ 24 ساعة القادمة .

وهنا يجدر الذكر أن بقاء المقاومة الفلسطينية في غزة واللبنانية في شمال فلسطين والعراقية في سوريا والعراق ، وكذلك تفعيل الساحة اليمنية وزيادة اشتباكها مع العدوين الأمريكي والصهيوني ، والضغط عليهما ، وتهديد مصالحهما في المنطقة ، بقاء جهات المقاومة هذه مشتبكة مع العدو ( الأمريصهيوني ) بالنار ـ القريبة والبعيدة ـ ستفرض على العدوين ( الأصيل ) و ( الوكيل ) تريثاً بالقيام بعمل بري واسع ، و حداً من توحش آلة قتلهما في غزة .


وعليه وأمام هذه التطورات ، وتلك المعطيات ، فإننا نعتقد أن الـ 24 ساعة القدمة سوف تكون على النحو التالي

  1. إدامة العدو استهدافه لمدن ومخيمات وبنى قطاع غزة التحتية، للضغط على قيادة المقاومة وبيئتها الحاضنة، ليستثمر نتائج ضغط الميدان في البحث السياسي والدبلوماسي . 
  2. بقاء المقاومة في غزة ولبنان والعراق مشتبكة مع العدو بوسائطها النارية القريبة والبعيدة، للتأثير على قيادة العدو وبيئته الداخلية. 
  3. كما نعتقد أن العدو سيبدأ بتنشيط عمليات جس نبضه للجهاز الدفاعي للمقاومة المنتشرة على الحافة الأمامية للمناطق السكنية في شمال و شرق قطاع غزة، وغربها، جس نبضها عبر عمليات الاستطلاع القتالي البري ، لكشف انتشارها، ومعرفة ردة فعلها، وصلابة دفاعاتها ، ليبني ـ العدو ـ على الشيء مقتضاه ، بحيث يستخلص الدروس والعبر من كل عملية توغل واحتكاك بالمقاومة ، ثم يطور أسلوب عمله في توغلاته التالية . 
  4. سيزداد ظهور مدى الخلاف الداخلي بين مكونات الكيان المؤقت ، المنخرطة في إدارة الحرب ، أو المراقبة لها ، الأمر الذي يتطلب العمل على تظهير هذا الخلاف ، واستثمراه بما يخدم سردية المقاومة وخياراتها . 

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون . 

عبد الله أمين

26/ 10/ 2023

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023