طوفان الأقصى ... الموقف في اليوم الحادي والعشرين 27/ 10/ 2023  الساعة: 09:00

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

أولاً : الموقف

وفي " اليوم العشرين " لمعركة " طوفان الأقصى " ، بدأ العدو (الأصيل) ـ أمريكا  ـ ، قائد هذه المعركة ، والممسك بزمام أمرها ؛ بدأ بتظهير دوره فيها أكثر مما كان قد أظهره عند بدايتها ؛ فلم يكتفِ بإرسال حاملات طائراته ، والإعلان عن تعبئة عدة آلاف من جنده لنشرهم في المنطقة عند الحاجة ، وإقامته لجسر جوي لملئ مخازن العدو بما يلزمه من ذخائر وأسلحة ، وإرسال مستشارين عسكرين ، قال أن لديهم خبرات قتالية تصلح لبيئات قتال تشبه بيئة غزة ، أرسلهم للمشاركة في التخطيط لهذه الحرب وإدارة صفحاتها ؛ لم يكتف بكل تلك الإجراءات ، بل قصف أهدافاً " للحرس الثوري " الإيراني في شرق سوريا ، قال العدو الأمريكي أنها تحوي قدرات وأصول تمكّن فصائل المقاومة العراقية والسورية من شن عمليات عسكرية على قواعده في سوريا والعراق . 

هذا عن (الأصيل) ؛ أما عن (الوكيل) ؛ فقد بقي يقصف ، ويدمر ، ويقتل على عادته التي انتهجها منذ بداية هذا العدوان ، فلم تسلم منه مدينة ولا مخيم ، ولا مشفىً ولا مدرسة ، فركز قصفه على مناطق شرق القطاع ؛ من " بيت حانون شمالاً " وحتى " خان يونس " و " البريج جنوباً " ، وتنقلت مجازره بين المناطق ؛ ففي " خان يونس " ارتكب مجزرة راح ضحيتها 10 أفراد من عائلة أبو شمالة ، وصب حمم مدافعه بشكل مركز على طول السياج الأمني في شرق القطاع ، وقصف شرق " حي الزيتون" ومخيم "النصيرات" ، وباقي مدن القطاع ومخيماته .

 كما خرج الناطق باسمه في مؤتمره الصحفي اليومي ليعيد التذكير بأن هدفهم هو تدمير " حماس" والقضاء على حكمها في قطاع غزة ، وأنهم لن يدّخروا جهداً لتحرير الأسرى ،حيث هم ـ الأسرى ـ أحد أولويات عملهم وأهدافه ، كما كرر مطالبته للجبهة الداخلية بأن تلتزم التعليمات التي تصدر عن الجيش حفاظاً على سلامتها ، وأنهم قد قضوا في اليوم السابق على خمس خلايا لـ " حزب الله " كانت تحاول تنفيذ علميات إطلاق نار على مقراته ومواقعه على الجبهة الشمالية ، كما عاد وأكد أن خسائرهم من الجنود حتى كتابة هذا الموقف قد بلغت 309 من القتلى و 222 من الأسرى . 

هذا وقد تَظهّر الخلاف السياسي بين قادة الكيان المؤقت ، فخرج تصريح عن مكتب رئيس الوزراء " نتنياهو " يقول : " أن من يتحمل مسؤولية ما حصل في السابع من أكتوبر هو رئيس هيئة الأركان ، وقادة المعارضة الذين خرجوا في الأيام السابقة يتظاهرون ضد حكومته" . 

كما بدأت في الـ 24 ساعة الماضية تخرج أصواتاً تتحدث عن استعداد الكيان المؤقت لدفع ثمنٍ مقابل الافراج عن الأسرى الذين في حوزة فصائل المقاومة في غزة . 

إلّا أن أبرز تطور في الموقف جاء من الميدان ، حيث بدء العدو قرابة الساعة 00:20 بقصف الحافة الأمامية للمناطق السكنية في مناطق شرق القطاع في "خان يونس " و " البريج " و " بيت حانون " و" رفح " جنوباً ، كما بدأ تحركاً برياً باتجاه مناطق " بيت حانون " و شرق "البريج " و " رفح " ، حيث تصدى له المقاومون في " بيت حانون " وأوقعوا فيه خسائراً ورُد على عقبه . 

أما في صفحة المقاومة ؛ فقد بقيت مشتبكة مع العدو في جبهة غزة ، فقد استُهدفت مروحية للعدو في شرق " البريج " ، وقصفت مواقع حشد قواته في " كيسوفيم " ـ الساعة : 11:30 ـ و " نيريم " ـ الساعة : 11:50 ـ و في " صوفا " و " حوليت " و " العين الثالثة " الساعة " 15:30 ـ ، وقُصف العمق الفلسطيني في "تل الربيع " و " عسقلان " و " أسدود " و " بئر السبع " ومنطقة " غوش دان " ، أما في الجبهة الشمالية ؛ فقد أعلن العدو عن سقوط طائرة مسيرة له في هذه الجبهة ، كما أعلن ولأول مرة عن إطلاق صاروخ أرض جو باتجاه مسيرة للعدو كانت تجوب أجواء منطقة العمليات الشمالية ، كما أعلن " حزب الله " عن ارتقاء مقاتلين من مقاتليه في هذا اليوم ، ليرتفع عدد شهدائه منذ بداية معركة " طوفان الأقصى " إلى 47 شهيداً . 

أما في خطوط الجبهة الخارجية ، فقد أعلنت المقاومة العراقية كتائب " حزب الله " أنها مستعدة لحرب استنزاف في مواجهة العدو الأمريكي ، وأنها منخرطة في معركة الدفاع عن غزة ، كما أُعلن عن قصف ـ الساعة : 14:00 ـ القاعدة الأمريكية في منطقة " الشدادي " السورية ، كما استهدفت ـ الساعة : 20:35 ـ القواعد الأمريكية قرب مطار " أربيل " بالصواريخ والطائرات المسيرة . 

كما أعلن ـ الساعة : 23:50 ـ عن استهداف قاعدة عسكرية للعدو الصهيوني في جزيرة " دهلك " الأريتيرية ، تقوم بمراقبة الحركة في البحر الأحمر ، حيث أعلن عن مقتل ضابطٍ رفيع المستوى ، في خبر ـ مقتل الضابط ـ لم يُتأكد منه إلى الآن . 

وفي " اليوم العشرين " للحرب على أهلنا في قطاع غزة ، ناهز شهداؤنا الـ 7028 شهيداً ، وجرحى العدوان الـ 13000 جريحاً ، فضلاً عن المفقودين الذين ما زالت جثثهم تحت الأنقاض والذين بلغ عددهم قرابة 1500 شهيد . 

كما بقيت " الضفة الغربية " مشتبكة مع العدو الإسرائيلي في معظم مدنها وقراها ، التي يقتحمها العدو ، ففي " طوباس " تصدى ـ الساعة : 09:30 ـ المقاومون لقوة صهيونية دخلت المدينة ، كما داهم العدو " كوبر " ، هذا وقد هاجم المقاومون قطعان المستوطنين عند مفترق " يونيم " ، كما استشهد طفلٌ في مخيم الجلزون " شمال رام الله ، واقتحم ـ الساعة : 00:20 ـ العدو " الجلمة " في جنين ، حيث ارتقى 3 شهداء ، وجرح 8 مواطنين في عملية الاقتحام هذه . 

ولم يرفع العدو قبضته الأمنية عن باقي مدن وقرى الضفة الغربية من أقصها إلى أقصها ، الأمر الذي حال دون أهلها والمشاركة الفاعلية والمؤثرة في مجريات الحرب الدائرة في قطاع غزة . 

أما في مناطق الثمانية والأربعين ؛ فقد أعلن العدو عن عزم الوزير المتطرف " بن غيفير " على انشاء قوة مسلحة للتصدي لأهلنا في تلك المناطق ، ليحول بينهم وبين المشاركة الفعلية والمؤثرة في نصرة أهلنا في  غزة ، الأمر ـ المشاركة الفاعلية ـ الذي سينعكس إيجاباً على موقف المقاومة التي تتصدى للعدو في جبهة القطاع ، جنوب فلسطين . 

وفي الحراك السياسي ؛ فـ (حركة بلا بركة )، وخطب رنانة في صالات وأروقة الأمم المتحدة ، لم توقف حرباً ، أو تفتح معبراً . 

وما كسر رتابة هذا المشهد ؛ كلمة رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية " حماس " الأخ " إسماعيل هنية " حيث خرج مخاطباً الجماهير مساء 26/ 10/ 2023 ، حاثّهم على مشاركة أكثر فاعلية ، وأكثر تأثيراً ، للضغط على هذا العدو الـ ( أمريصهيوني ) ، متحدثاً عن أحد معالم اليوم التالي لوقف الحرب ألا وهو : عدم قبول عودة الوضع في غزة إلى ما كان عليه قبل العدوان ، من حصار وتضييق ، طالباً من رؤساء وزعماء الدول عدم التماهي من الخطاب الـ ( أمرصهيوني ) في تجريم حركة "حماس " أو وصفها بالإرهاب . 

أما فيما يخص فاعليات التأييد ، ووقفات التضامن مع الشعب الفلسطيني ، فقد بقيت هذه النشاطات تجوب كثيراً من دول العالم ، وعواصمه ؛ العربية والإسلامية والغربية ، وقد ظهرت السيدة الأولى في اسكتلاندا " نادية النقلا " الفلسطينية الأصل ، ظهرت مرتدية الزي الفلسطيني ، كإشارة على تأييدها ودعمها للشعب الفلسطيني في نضاله ضد العدو الصهيوني . 


ثانياً : التحليل والتقدير

لقد كسرت مناورات العدو المسائية رتابة المشهد الميداني ، حيث بدأ العدو بممارسة عمليات التوغل وجس النبض للحافة الأمامية للمناطق السكنية ، معتمداً الانطلاق من أكثر مناطقه حشده للجنود ـ شمال، وشمال شرق القطاع حيث محور " سدروت " " بيت حانون " وفي الوسط حيث " محور " كارني " " نتساريم " " البريج " وجنوباً " حيث محور " كرم أبو سالم " " رفح " ، بدأ العدو عملياته هذه في جهد تعرضي ـ استطلاع بالنار ـ على خطوط جبهة المقاومة لتحقيق عدة أهداف : 

  1. جمع معلومات أو التحقق من معلومات عن جبهة المقاومة . 
  2. كشف انتشار المقاومة والتعرف على استعدادها في الجهاز الدفاعي على الحافة الأمامية لمنطقة القتال الصديقة . 
  3. التعرف على نمط وآليات وطرق عمل المقاومة في رد فعلها على حركاته التعرضية . 
  4. تشغيل بعض قواته التي تم اكتمل حشدها في منطقة العمليات منذ أكثر من الـ 15 يوم ، بهدف
  5. كسر رتابة وروتين القوات في منطقة الحشد . 
  6. كسر حاجز التهيب والتخوف من الاحتكاك مع العدو ( المقاومة ) . 
  7. التدريب العملي على عمليات التماس والاحتكاك مع المقاومة .
  8. تَعَرّف القوات على أرض وطبوغرافية مناطق المسؤولية التي ستعمل فيها ؛ إن تعرضاً حالياً ، أو استقرار مستقبلاً . 
  9. محاولة بناء رؤوس جسور في منطقة العمليات ، وتثبيت قوات فيها ، ثم تطوير الوضعية بما تتيحه المواقف القتالية في منطقة العمليات . 
  10. القيام بجهود هندسية الهدف منها تدمير ما في منطقة العمليات من أصول وقدرات عسكرية للمقاومة ، خاصة عيون الانفاق أو العبوات والنسفيات الأرضية . 


وعليه وبناء على معطيات الموقف هذه ، فإننا نعتقد أن المشهد في الـ 24 ساعة القادمة سوف يكون على النحو الآتي

  1. إبقاء العدو قصفه لمدن ومخيمات القطاع ، وما فيها من أصول بشرية ومادية للمقاومة أو لحاضنتها الشعبية .
  2. زيادة وتيرة عمليات تعرض العدو على الجبهة الصديقة ، في عمليات جس نبض واستطلاع قتالي ، تحقيقاً لأهدافه من هذا الفعل ، والتي ذكرت سابقاً ، معتقدين أن محور الجهد الرئيسي لهذه التعرضات سيكون في المنطقة الوسطى ـ محور كارني البريج خان يونس ـ ومحور الجهد الثانوي شمالاً حيث سدروت بيت حانون . الأمر الذي يتطلب من المقاومين دراسة هذه التحركات والتعرف على الهدف منها ، وتصدي لها بالقدر الكافي من القدرات ، منعا للعدو من تحقيق هدفه من هذه المناورات ، وتجنباً للخسائر ، واقتصاداً بالقوة ، وادخاراً لها للتشغيل في مواقف قتالية أكثر خطورة وتهديد . وهنا تجدر الإشارة إلى أنه لا يجب التهاون أو إغفال جهود الإشغال أو الخداع التي يمكن أن يقوم به العدو في منطقة الساحل ، أو بعض المحاور التي لا تشكل قيمة تعبوية تؤثر في الموقف الكلي في منطقة علميات قطاع غزة . 
  3. كما نعتقد أن العدو قد يعمل على تركيز وسائطه النارية على الحافة الشرقة لمنطقة القتال الصديقة ، وتخفيف الضغط على مؤخرة جبهة المقاومة في مدن القطاع ومخيماته ، في جهد الهدف منه خداع المقاومة ، ودفعها للتقليل من حذرها وحيطتها ، فينشط تحركها في عمق الجبهة وبين السكان ، فيعمد على ضرب كوادرها وقياداتها ، ليحقق ـ العدو ـ خلخلة واضطراباً في هيكلها القيادي ، مما ينعكس سلباً على إدارة المقاومة للموقف وصفحات القتال مع هذا العدو . 
  4. بقاء المقاومة في فلسطين ،  جنوباً حيث غزة ، وشمالاً حيث لبنان مشتبكة بالنار مع العدو ، مع التقدير أن الجبهة الشمالية ستستعيد نشاطها الذي خبى في الـ 24 ساعة الماضية . وهنا لا بد من الإشارة إلى أن تخفيف الضغط عن العدو في الجبهة الشمالية ، يعني تمكينه من تحرير قدرات قتالية نظامية ذات تجهيزات قتالية مؤثرة ، والزج بها في منطقة عمليات قطاع غزة ، الأمر الذي لا يجب السماح به ، أو التهاون معه . 
  5. بقاء فصائل المقاومة العراقية مشتبكة بالنار مع قواعد ومقرات العدو الأمريكي المنتشرة في سوريا والعراق ، مع التقدير أن هذه العمليات ستشهد تركيزاً أكثر . وفي هذا السياق فإن بقاء هذه الجبهات فاعلة وأكثر نشاطاً وتأثيراً ، سينعكس إيجاباً على الموقف العام لمعركة " طوفان الأقصى " ، الأمر ـ زيادة الفاعلية ـ يجب التنبيه عليه ، والعمل على إدامته وزيادة تأثيره . 
  6. زيادة وتيرة رد فعل العدو الأمريكي على ما تشهده قواعده من استهداف في سوريا والعراق ، على أن يبقى هذا الفعل ـ رد العدو ـ محكوماً بمعادلة الفعل ورد الفعل ، وما ينتج عن هذه الإجراءات من خسائر في الأصول البشرية والمادية للأمريكي في هذه القواعد ، فيبني العدو على الشيء مقتضاه . 

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون . 

عبد الله أمين 

27 10 2023


جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023