العلاقة الصهيوأمريكية ما بعد طوفان الأقصى
حضارات


ربما تعتقدون أن التماهي المطلق بين إسرائيل وأمريكا موجود منذ تأسيسها وأنها علاقة أبدية وزواج كاثوليكي، إلا أن ذلك ليس دقيقًا.


إسرائيل بالأصل هي مشروع استعماري بريطاني ثم ورثته أمريكا التي ورثت التركة البريطانية في المنطقة العربية، إلا أن علاقاتها لم تكن مميزة مع إسرائيل، كانت جيدة هذا صحيح لكن لم تكن مميزة وحاولت أمريكا موازنة علاقاتها بين الدول العربية وإسرائيل طوال فترة الخمسينات خصوصًا في عهد الرئيس أيزنهاور.


في بداياتها اعتمدت إسرائيل أكثر على فرنسا التي كانت تستعمر الجزائر وقتها وكانا يحملان مشروعين متشابهين، فكانت فرنسا المزود الرئيس لإسرائيل بالسلاح والمزود الأول والوحيد لها بالتكنولوجيا النووية.


نقطة التحول الكبرى التي حققتها إسرائيل كانت بعد حرب 1967 عندما انتصرت بشكل ساحق على الدول العربية (والتي كانت أكثرها متحالفة مع الاتحاد السوفياتي)، يومها رأت أمريكا في إسرائيل حليفًا قويًا يعتمد عليه في ترويض المنطقة العربية.


مع مرور السنوات رسخت إسرائيل هذه النظرة عند الأمريكان وتعمق التحالف أكثر وأكثر وعندما انهار الاتحاد السوفياتي تهافت العرب عند أقدام إسرائيل معتقدين أنها ستتواسط لهم عند أمريكا لنيل رضاها.


كما لعب اللوبي الصهيوني دورًا في تعميق وترسيخ هذه العلاقة، إلى درجة أن سياسة أمريكا في الشرق الأوسط أصبحت تخدم إسرائيل حتى لو تعارضت مع مصلحة أمريكا، فمثلًا غزو العراق كان مصلحة إسرائيلية بحتة، وبوش ورط أمريكا في المستنقع العراقي ودفعت أمريكا الثمن غاليًا من أجل عيون إسرائيل.


تنبه الباحثان ستيفن والت وجون مارشماير لهذه العلاقة المختلة منذ عام 2006م وقالا أن أمريكا يجب أن تبحث فقط عن مصالحها التي لا تتفق دومًا مع مصالح إسرائيل، مما أثار غضب اللوبي الصهيوني وقتها.


بعد اليوم ستتغير الأمور بشكل ملموس ليس فقط لوجود لوبي داعم لفلسطين يكبر تدريجيًا في أمريكا بل الأهم منه أن الكثير من الساسة الأمريكان وصناع القرار الذين سيسألون أنفسهم "إذا كانت إسرائيل عاجزة عن الدفاع عن نفسها فكيف ستدافع عن مصالحنا"؟  


أمريكا أحبت ودعمت إسرائيل لأنها كانت تستفيد منها في ترويض المنطقة العربية لكنها عندما تصبح عبئًا عليها ويضطر الرئيس الأمريكي كل مرة تتورط فيها بمشكلة أن يتدخل لينقذها، سيتساءل ساسة كثر ما الفائدة منها؟ لماذا ننفق الأموال على مشروع خاسر؟


طبعًا لن يحدث التغير في يوم وليلة وستحتاج إسرائيل للمزيد من الهزائم حتى يصل عدد أكبر من الساسة الأمريكان لهذه النتيجة، وطبعًا لن تتخلى أمريكا عن صداقتها لإسرائيل لكن حماسها لهذه الصداقة سيضمحل تدريجيًا وسيأتي يوم ما يقول قادة أمريكا لأنفسهم "هذا مشروع خاسر وتكلفته أكبر من منافعه لا يستحق الدفاع عنه"، وإسرائيل بدون أمريكا لا شيء.


بقلم الكاتب: ياسين عز الدين

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023