كيف تشارك أمريكا في حرب الإبادة ضد سكان غزة؟
الخليج أونلاين

الكاتب: يوسف الحمود

منذ الساعات الأولى للعدوان الصهيوني على قطاع غزة وعقب بدء عملية "طوفان الأقصى"، اتخذت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن موقفاً حاداً وصارماً في دعمها للاحتلال الصهيوني عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً، متجاهلة سقوط آلاف الشهداء والجرحى من الفلسطينيين.

ووصل تبني الرئيس الأمريكي الرواية الصهيونية بحذافيرها إلى حد التشكيك في أعداد شهداء القصف الهمجي لقطاع غزة، رغم ارتقاء أرواح أكثر من 4 آلاف طفل فلسطيني حينها، ما يمثل نحو 45% من أعداد الشهداء منذ 7 أكتوبر وحتى اليوم.

وتوسع القوات الصهيونية عملياتها البرية في غزة، بينما ترتكب طائراتها المقاتلة مجازر بشعة، فيما تستمر الولايات المتحدة الأمريكية في إرسال الأسلحة والقوات إلى الاحتلال، وتستمر بتأكيداتها دعم الاحتلال في كل عملياته العسكرية.


مساعدات عسكرية واسعة

منذ إقامة دولة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، سعت الولايات المتحدة إلى دعمها عسكرياً بمليارات الدولارات من الأسلحة والعتاد، لكن في "معركة طوفان الأقصى"، وسعت من دعمها العسكري بشكلٍ كبير وصولاً إلى إرسال قواتٍ لها لدعمها في هذه المعركة.

وقررت الولايات المتحدة زيادة مساعداتها العسكرية للجيش الصهيوني، وهو ما عبر عنه الرئيس الأمريكي جو بايدن، في كلمة متلفزة له (20 أكتوبر 2023)، حيث طالب الكونغرس بالتصديق على ميزانية "عاجلة وغير مسبوقة" ستكون مخصصة لدعم الاحتلال بـ14.3 مليار دولار.

وقدمت الولايات المتحدة أسلحة وطائرات وسفناً، حيث أعلن وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، أن بلاده ستزود الاحتلال بخلية من قوات العمليات الخاصة التي بدأت بالفعل بمساعدة الاحتلال في عمليات الاستخبارات والتخطيط العسكري.

وأعلن البنتاغون الأمريكي تحويل مسار حاملة الطائرات الهجومية " يو إس إس جيرالد آر. فورد" للإبحار باتجاه دولة الاحتلال بطاقمها المكون من حوالي 5000 فرد، وتتسع لحمل أكثر من 75 طائرة مقاتلة، وتعد هذه القطعة البحرية الأحدث والأكثر تقدماً والأكبر من بين مثيلاتها في العالم.

كما أفاد منسق السياسات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، بأن البحرية الأمريكية أرسلت أيضاً مجموعةً ثانيةً من حاملة الطائرات الهجومية "يو إس إس أيزنهاور" إلى البحر الأبيض المتوسط، لتكون قريبة "عند الحاجة إليها".

وأعلن أيضاً وصول وحدة استكشافية من مشاة البحرية و2000 جندي إلى دولة الاحتلال، فيما قرر البنتاغون إرسال اثنتين من أنظمة الدفاع الصاروخية "القبة الحديدية إلى دولة الاحتلال لمساعدة الدفاع الجوي الصهيوين، بجانب إرسال بطاريتين من طراز القبة الحديدية".

وتعمل الولايات المتحدة على إقناع شركات الدفاع الأمريكية بتسريع طلبات الأسلحة التي تقدمها إلى دولة الاحتلال، فيما أرسلت في الـ10 من أكتوبر طائرة تحمل أسلحة وذخائر وعربات عسكرية.


زيارات مكثفة

خلال زيارته الداعمة للاحتلال، 18 أكتوبر، كرر الرئيس الأمريكي جو بايدن عبارته التي قالها عندما كان سيناتوراً قبل نحو 4 عقود، والتي جاء فيها: "لو لم تكن هناك دولة صهيونية موجودة لكان على أمريكا أن تخلق دولة صهيونية".

كما قال أيضاً" إن وجوده في دولة الاحتلال لكي يعرف العالم أن الولايات المتحدة تقف إلى جانبها"، وهو تصريح قاله خلال مؤتمر صحفي مع رئيس وزراء الاحتلال  بنيامين نتنياهو.

كما أرسلت الولايات المتحدة قائمة متواصلة من كبار مسؤوليها للجلوس مع نتنياهو، وحرص جميعهم على عدم إخبار الاحتلال بما يجب عليهم فعله، بل شجعوها على القيام بأي حرب للدفاع عن نفسها.

ولعل أبرزهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن، الذي يزور كيان الاحتلال للمرة الثالثة منذ الـ7 من أكتوبر، حيث كشفت الخارجية الأمريكية أنه سيقوم بالزيارة في الـ3 من نوفمبر الجاري، حيث زارها في الـ12 من أكتوبر، وفي الـ18 من ذاته الشهر رفقة بايدن.

ومن بين المسؤولين الأمريكيين الذين زاروا دولة الاحتلال، وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، والذي زارها في الـ13 في "وذلك لتنسيق المواقف مع جيش الاحتلال".


تصريحات داعمة

في هذه الحرب الأكثر دموية، لم يتأخر الرئيس الأمريكي برهة عن إبداء دعم بلاده اللامحدود للكيان المحتل، بل وأعطى الحكومة الصهيونية الضوء الأخضر لتنفيذ إبادة جماعية في غزة.

وقال في تصريحات مختلفة إن لدى "الدولة الصهيونية ما يلزم للدفاع عن مواطنيها ومدنها والردّ على هذه الهجمات"، مطالباً جميع الدول "بإدانة الفظائع الوحشية التي ترتكبها حماس بشكل لا لبس فيه، والتي تشبه الفظائع التي ارتكبها تنظيم داعش منذ سنوات عدة".

بدوره قال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إن بلاده تندد بهجمات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على الدولة الصهيونية، وتدعم حقها في الدفاع عن نفسها.

أما وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، فقد قال في تصريحات له إنه وجه "المجموعة الهجومية لحاملة الطائرات (يو إس إس دوايت دي أيزنهاور) بالبدء بالتحرك إلى شرق البحر الأبيض المتوسط. كجزء من جهودنا لردع الأعمال العدائية ضد الاحتلال، أو أي جهود تهدف إلى توسيع نطاق هذه الحرب في أعقاب هجوم حماس على الكيان المحتل".

وأضاف: "حماس ليست هي الشعب الفلسطيني، ولا أعتقد أن الشعب يجب أن يدفع الثمن إزاء أفعال هذه المنظمة الإرهابية.. دولة الاحتلال طلبت منا ذخائر وأسلحة موجهة، وسنبذل كل ما في وسعنا لتزويدها بالدعم الذي تحتاجه".

ويكمل، في تصريحاتٍ له: "هذا ليس وقت الوقوف على الحياد، يجب أن يدين الجميع ما قامت به "حماس"، والآن وقت توضيح الأهداف القادمة.. القوات الصهيونية محترفة ومنضبطة، وأتوقع منها الاستمرار بالمستوى ذاته، وما نركز عليه الآن هو التأكد من امتلاك الدولة الصهيونية القدرة على حماية نفسها". 

أما حاكم ولاية فلوريدا الأمريكية، رون دي سانتس، فقد دعا حكومة بلاده إلى "ألا تقبل لاجئين من قطاع غزة".

كما طلبت وزارة الخارجية الأمريكية من الدبلوماسيين الذين يتعاطون قضايا الشرق الأوسط الامتناع عن استخدام كلمات مثل "وقف التصعيد" أو "وقف العنف" علناً وسط تصعيد "الاحتلال" حربه في غزة.   


تبني رواية الاحتلال

ولا يخفي الرئيس الأمريكي ومعاونوه تبني الرواية الصهيونية كاملة إزاء ما يحدث، حيث اتخذ موقفاً داعماً للاحتلال في حربها المستمرة على قطاع غزة، لا سيما بعد المجزرة التي تسببت بها طائرات الاحتلال في قصف المستشفى المعمداني وراح ضحيته نحو 500 شهيد (17 أكتوبر).

وقال بايدن خلال زيارته لدولة الاحتلال إنه "غضب لمشاهد التفجير في مستشفى المعمداني بغزة"، لكنه أشار إلى أنه "بناء على ما رآه" فإن التفجير حصل من الطرف الآخر وليس استهدافاً صهيونياً، في تبنٍّ لرواية الاحتلال.

وفي مفارقة مثيرة للاهتمام، يأتي استنتاج بايدن "بناء على ما رآه" جدلياً، ولا سيما أنّ بايدن نفسه قال سابقاً إنه "رأى" صور الأطفال الذين ادعى أن حماس قتلتهم، قبل أن يضطر البيت الأبيض لنفي الأمر.

وقال منسق الاتصالات الاستراتيجية بالبيت الأبيض جون كيربي: "ليس من مهمتنا التحقق من "صور أطفال قتلى"، نشرها مكتب رئيس الوزراء الصهيوني على مواقع التواصل الاجتماعي.

وكان كيربي ذاته قد حاول استعطاف العالم وظهر حزيناً لما رآه، حسب قوله، خلال مقابلة مع "سي إن إن" الأمريكية: حين قال له المذيع "الصور التي نراها تظهر أطفالاً ونساء مخطوفين، وشابات بدماء على ملابسهم، مما يرجح أنه تم اغتصابهن. هذه الصور مروعة، هناك موت ودماء في هذه المنطقة بالسابق، لكنني لم أر شيئاً مماثلاً من قبل".

وظهر بعدها متلعثماً بالقول: "اعذروني. من الصعب جداً رؤية هذه المشاهد. هؤلاء هم بشر، لديهم عائلات وأصدقاء وأحباب. الأمر صعب حقاً. أنا أعتذر".


دعم لا يتوقف

يؤكد المحلل السياسي قطب العربي، أن ما يعرفه الجميع أن أمريكا "هي من تدير الحرب حالياً في غزة من خلال مختلف الخطوات التي قامت بها".

ويوضح بقوله: "هي التي أرسلت جنرالات وخبراء عسكريين لإدارة العمليات بالتنسيق مع جيش الاحتلال، وسارعت بإرسال حاملتي طائرات والعديد من القطع البحرية ناهيك عن إمدادات عسكرية مباشرة للكيان".

ولفت إلى "تصويت الكونغرس لصالح ميزانية ضخمة لدعم الكيان، بما في ذلك دعم خطة تهجير أهل غزة إلى مصر.

أما الدعم السياسي فإنه يتمثل بمختلف التصريحات الأمريكية وفي مقدمتها "تبني الروايات الصهيونية الكاذبة وتسويقها عبر الإعلام الأمريكي".

كما أن "استخدام الفيتو الأمريكي لمنع صدور أي قرار من مجلس الأمن لوقف إطلاق النار وإنهاء الحصار، يعد أحد أبرز أدوات الدعم الأمريكية للاحتلال الصهيوني".

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023