أهمية الوقفة التعبوية للمقاومة في الضفة الغربية

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

استهلال :  

يستشيط البعض غضباً عندما يتم الحديث عن ضرورة الوقف المؤقت للمقاومة ـ مطلق مقاومة ، في مطلق أرض ـ على اعتبار أن مثل هذا الطرح إنما هو طرح مثبط للهمم ويخدم العدو أكثر مما يخدم الصديق ! وينسى هذا البعض أو يتناسى أن من طبيعة الأشياء ، ومن سنن الكون أن لا تستمر الأعمال على ( رتمها ) المعتاد مهما طال الزمن وتباعدت المسافات ، كما يغيب عن بال المعترضين أن طرح فكرة التوقف عن ممارسة الأعمال إنما هو جزء من ذاتها ؛ فأي عامل أو ناشط أو متحرك ؛ يأتي عليه وقت من زمن يقف معه عن العمل أو التحرك أو النشاط ، ليقييم المسافة التي قطعها ، والشوط الذي أنجزه في مسيره الذي بدأه ، فَيقُوِم ما اعوج من مسيره ، ويعيد النظر فيما أخره عن الوصول إلى هدفه ، راسماً طريق الاستمرار ، متجاوزاً ما أعاق سيره ، وأبطأ سرعته . ولما كان الحكم على لشيء فرع من تصوره ؛ فإن هذه الورقة سوف تناقش أهمية وجود " وقفة تعبوية " في عمل المقاومة في الضفة الغربية ، بعد أن نقوم بتعريف المفهوم ـ الوقفة التعبوية ـ ليكون هذا التعريف هو المرتكز الذي يساعد على فهم طلب مثل هذه الوقفة أو الحديث عنها ، قبل التطرق إلى أهميتها ، وضرورة التفكير في كيفية تنفيذها ، في حال ثبتت جدواها ، وعرفت أهميتها . لكننا قبل الخوض في هذين العنوانين سنتطرق وبشكل سريع إلى مفهوم إدارة الأزمات ، حيث أن كاتب هذه السطور يعتقد أن ما نشهده في الضفة الغربية من تغول للاستيطان ، واستباحة لقرانا ومدننا ، وتدمير لبنانا التحتية ، واستهداف لنشطائنا ومقاومينا ، إنما هو أزمة تستدعي التوقف عندها ، وبحث سبب دوامها ـ الأزمة ـ إلى الآن ، وهنا نفتح قوسين لنقول : طبعاً السبب البديهي في كل ما جري ويجري وسيجري لنا من مصائب وأزمات هو الاحتلال ؛ ولكن هذا هو دأبه ، وهذا هو عمله ـ إيجاد مشاكل لنا ـ وما في هذا من عجب ، ولكن العجب كل العجب أن لا نستخلص الدروس والعبر مما يقوم به العدو ، لنتجنب تكراره مرة ثانية ، وهنا نغلق القوس ، لنعود إلى أصل بحثنا ، وهو أن ما نشهده من موقف في الضفة الغربية إنما هو أزمة يجب الوقف عندها والتعامل معها برأس بارد ، وأعصاب من حديد ، وفي مسألة إدارة الأزمات ، ودون الخوض في التفاصيل ، فإن مراحل إدارتها والتعامل معها يقتضي :  

1. محاصرة هذه الأزمة في المربع الموضوعي أو الجغرافي الذي وقعت فيه .  

2. منع تمددها وتطاير شررها إلى مربعات ومساحات موضوعية أو جغرافية أخرى .

3. العمل على معالجة آثارها وتداعيتها .  

هذا باختصار شديد ، فإن كان ما نشهده في الضفة الغربية هو أزمة ، وهو كما يرى كاتب هذه السطور أزمة ، وأيما أزمة ، فإن التوقف عندها لمعالجتها يقتضي السير وفق مراحل إدارة الأزمات وعلاجها تلك ، وهذا بحث آخر ليس هنا مكان بسطه أو الحديث عنه .  

مفهوم الوقفة التعبوية :  

الوقفة التعبوية باختصار شديد هي عبارة عن ظرف تعبوي ناتج عن قلة الإمكانات ، أو تغير الخطط والمهمات ، أو زيادة الخسائر والتضحيات ، أو اختلاف في بيئة المعارك والعمليات  بحيث يجد المقاتل أو الناشط أو الحركي أنه إن استمر في الفعل أو الحركة بنفس النمط ونفس الأدوات والإجراءات ، فإن ما سيخسره أكبر بكثير مما سيحققه ، وفي نفس الوقت ؛ فإن هذا الفاعل يلوح في أفق موقفه الذي هو عليه الآن بشائر خير ، ومسببات تغيير نحو الأفضل ، الأمر الذي يستدعي التوقف ، إلى حين تهيئة ظروف التّحسين ، ومسببات التجويد ( من جودة ) ، فيقف برهة من زمن ، ليعاود من بعدها النشاط من جديد ، انطلاقاً من موقف أفضل مما هو عليه الآن .  

إذاً فالوقفة التعبوية ، ليست إنهاء للعمل بشكل دائم ، كما أنها ليست رفعاً للراية البيضاء استسلاماً ؛ وإنما هي نوع من الفعل القتالي والنضالي ـ كون المقاتل أو النشاط يديم فعله ونشاطه ، ولكن في حدوده الدنيا ـ إلى حين تهيئة الظرف الأنسب والموقف الأفضل ، فيعاود كرته على عدوه ، ملحقاً به الخسائر ، ومنزلاً به الضربات .  

مبررات أهمية الوقفة التعبوية للمقاومة في الضفة الغربية :  

1. الخروج من مربع رد الفعل :

إن أول مبررات وعناصر أهمية هذه الوقفة هو : الخرج من مربع رد الفعل الذي وضع العدو المقاومة في الضفة الغربية فيه ، فهو ـ العدو ـ المبادر ، وهو الذي يختار مكان وزمان وشكل الفعل والإجراء ، حارماً المقاومة والمقاومين فرصة التفكير المنظم المطلوب لإدارة حربها معه ، وتسديد الضربات له ، إن بقاء المقاومة في مربع رد الفعل هذا ، يعني بقاؤها فقادة لزمام المبادرة ، الأمر الذي يتطلب وقفة تعبوية ، تُلتقط فيها الأنفاس ، وتتضح فيه الصورة ، ليكر المقاومون على عدوهم من موقف قوة ،  وبرأس بارد ، وقدرات ساخنة .  

2. مراجعة الماضي :  

كما أن من أحد مبررات هذه الوقفة ودواعيها ، مراجعة الماضي ، واستخلاص العبر منه ، إن عدونا يقاتل تقريباً منذ السنة والنصف بنفس تكتيكات العمل وأنماطه ، ولا يغير إلا القشرة الخارجية لطرق عمله هذه ، ومع ذلك ، فهو يحقق ـ تقريباً ـ هدفه من كل عمليه يقوم بها ؛ فيقتل ، ويأسر ، ويدمر ، ثم يعود ليمارس نفس الفعل وبنفس الإجراء محققاً هدفه ، ومنجزاً مهمته !! وفي الوقفة التعبوية التي نتحدث عنها ، سَتُراجع المقاومة إجراءات العدو لتفهم نمط عمله ،  وتعرف نقاط قوته وضعفه ، ثم ستراجع في نفس الوقت إجراءاتها وطرق عملها ، لتعرف نقاط قوتها ومكامن ضعفها ، مستخلصة الدوس و العبر ، فتستثمر نقاط قوتها ضد نقاط ضعف العدو ، وتستر نقاط ضعفها أو تقويها ، فلا تؤتى من قبلها . إن ارتقاء ما لا يقل عن 420 شهيد ، واعتقال ما لا يقل عن 7500 معتقل في الضفة الغربية منذ معركة " طوفان الأقصى " ، فضلاً عن تدمير البنى التحتية في معظم مدننا وقرانا ، في مقابل خسائر متواضعة في صفوف العدو ؛ يستدعى وقفة تعبوية يراجع فيها الماضي ، لترسم على ضوئه معالم المستقبل .  

3. تحديد المهمة :  

ومن دواعي مثل هذا الوقفة ،تحديد المهمة للمقاومة والمقاومين ، وهنا لا نتحدث عن أمانيّ ورغبات ، وإنما نتحدث عن قدرات وإمكانيات ، فمسير الألف ميل يبدأ بخطوة ، وعظيم النار يبدأ بصغير الشرر ، المهم أن نكون واقعين ، مدركين لظروف المرحلة وملابساتها ، فنحدد أهدفنا المرحلية باتجاه الهدف النهائي بدقة ، فلا نكلف النفس فوق طاقتها ، ولا الحاضنة الشعبية أكثر مما تطيق ، والأيام دول ، والحرب سجال . لذلك ففي الوقفة التعبوية هذه سنحدد غايتنا العليا ، وأهدفنا المرحلية ، ثم ننطلق على هدى من الله ، وبمعية منه و ( اسعى يا عبدي وأنا بسعى معاك ) .  

4. وقف الاستنزاف :  

لا يشك أحد ـ وأنا منهم ـ أن ما نشهده في الضفة الغربية منذ ما يقارب السنة والنصف تقريباً هي حالة استنزاف للقدرات البشرية والمادية ، فخيرة شباب المقاومة ، ومن كل الفصائل تم تحييدهم ، فارتقوا شهداء ، وتعويض مثل هذه الطاقات والخبرات و(الجسارات) ليس بالأمر الهين ولا السهل ، فضلاً عن أن بنانا التحتية في معظم مدننا وقرانا تم تدميرها ، وبشكل منظم ، حيث يعلم العدو أن هذه القدرات المادية ستساعد في تطوير الحالة الجهادية أو النضالية ، لذلك عمد لها فدمرها ، ليحرمنا منها ، وليؤلب حاضنتنا الشعبية علينا ، لذلك يجب وقف هذا الاستنزاف الدائم ، الأمر الذي يتطلب هذه الوقفة التعبوية ، لتحديد الطرق والإجراءات التي تخفضه ـ الاستنزاف البشري والمادي ـ إلى أقل حد ممكن ، كون وقفه بالكامل غير ممكن أيضاً ، ما لم ترفع الراية البيضاء ؛ الأمر ـ رفع الراية البيضاء ـ  الذي لن يراه العدو إلى إذا ( شاف زردة ظهره ) .  

5. بناء الذات مراكمة القدرات :  

ومن دواعي هذه الوقف ، بناء الذات ومراكمة القدرات ، فحربنا مع عدونا طويلة ، ومعاركنا معه لم تنته بعد ، الأمر الذي يتطلب وجود ما يسد العوز ، ويكمل النقص ، ويعوض المفقود ، ومثل هذه الوقفة يجب أن يكون أحد أهدافها توفير كل ما يساعد على ديمومة المعركة ، ويطيل زمنها ، إلى حين توفر الظروف الموضوعية والذاتية التي تمكنا من الحَملِ على عدونا لنخرجه من مُلكنا وأرضنا .  

6. تهيئة الحاضنات :  

ومن أهم الأسباب الداعية إلى مثل هذه الوقفة التعبوية ، تهيئة الظروف الموضوعية والمادية المساعدة في تقوية حاضنتا الشعبية ، إن هذه الحاضنة الشعبية تحملت وتتحمل ما تتصدع منه الجبال ؛ من فقد الأبناء والآباء ؛ أسرى أو شهداء ، ويدمر العدو جنى أعمار أهلنا وأرزاقهم ، ويحرمهم بتدميره بنانا التحتية من أبسط متطلبات الحياة ، لذلك فالوقفة التعبوية هذه من شأنها أن تقول  من أين ؟ وكيف ؟ ومتى ؟ سيؤمن ما يساعد في صمود جبهتنا الداخلية ، وحاضنتنا الشعبية ويقوي عضدها ، فالعدو في غزة لم يستطيع أن يكسر شوكة المقاومة العسكرية ، فعمد إلى الضغط على حاضنتها الشعبية ، لتنفجر في وجه المقاومة وتثور عليها ، وهو أمرٌ يكرره معنا في الضفة الغربية ، فإن لم يُلتفت إلى هذه المسألة ، ويحسب حسابها ، فسنجد أنفسنا في موقف لا نحسد عليه ، يتمناه لنا كل عدو ، ولا يريده لنا صديق .  

كانت هذه بعض الأفكار التي يعتقد كاتب هذه السطور أنها يجب أن تكون محل مراجعة ، وكل يؤخذ منه ويرد عليه ، إلى صاحب ذاك القبر صلى الله عليه وسلم . أما تفصيل هذه الأفكار وبسطها وتحويلها إلى إجراءات ؛ فمما لا يكتب في أوراق النشر أو المقالات .  والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .  

عبد الله أمين  

15 03 2024





جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023