طوفان الأقصى ... تفويض حماس بالمفاوضات قراءة في المعاني والدلالات

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني


أولاً : أرضية البحث والنقاش :  

لاتزال معركة " طوفان الأقصى " تشغل الكتاب والباحثين ، مدلين بدلائهم في بئرها التي تحوي في جوفيها كثيرٌ من المعان ، على أننا نعتقد أنها لن تبوح بأسرارها ـ بعضها وليس كلها ـ إلا بعد أن تضع أوزارها ، وينطفئ أوار نارها . ومن العناوين التي كُتب وما زال يكتب عنها ؛ سلوك "محور المقاومة " كشريك في هذه المعركة التي حشد لها العدو وحلفاؤه خيلهم ورَجلهم ، وأجلبوا بقواتهم ؛ فقتلوا ودمروا ما طالته يد آلتهم العنصرية الفاشية . وقد ذهب الناس فيما يتعلق بموقف "محور المقاومة " مذاهب شتى ؛ فمنهم المتفهم ، الفاهم لهذا السلوك والمبرر له ، عازيه إلى الظروف الذاتية والموضوعية التي فرض عليهم هذا المستوى من الفعل ، ومنهم ـ المراقبين ـ المتفهم العاتب الطالب لمزيد من الانخراط ، ومزيد من الفعل ، سانداً وجهة نظره هذه إلى أن الجولة القادمة للعدو سوف تكون من نصيب أطراف في هذا المحور ، وعليه فإنهم ما لم يغتنموا فرصة انشغال العدو بغزة ، لممارسة مزيداً من الضغط عليه ، وتكبيده مزيداً من الخسائر ؛ فإنه سينقلب إليهم نشيطاً ، مكتنز الخبرات ، كامل القوة والقدرات ، فيدير الدائرة عليهم ـ على بعض أطراف محور المقاومة ـ ، أما الرأي الثالث فهو رأي الرافضين الغاضبين الذين لا ( يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب ) ، فمهما فعل محور المقاومة ، ومهما قدم ؛ فهو عندهم متهم ، مشكوكٌ في سلوكه ، مزجاة بضاعته . هذا في أرضية البحث ومنطلقات النقاش لهذه الورقة التي ستبحث دلالات تفويض "محور المقاومة " لحركة المقاومة الإسلامية " حماس " التفاوض باسمه والحديث نيابته عنه ، ومن هنا سينطلق النقاش من عدة مرتكزات تساعد في الفهم ، وتقرب المعان .  

ثانياً : مرتكزات النقاش :  

 المرتكز الأول هو أن الحروب تخاض من أجل تحقيق أهداف سياسية ، ففي أبسط تعاريفها ـ الحرب ـ أنها استمرار للسياسية ولكن بوسائل ووسائط أخرى ، إذن فالحرب بلا هدف سياسي لا تعدو كونها مقامرة غير محسوبة النتائج ، وعليه فالمشاركة فيها تعني ضمناً الموافقة على أهدافها السياسية ، وإن اختلف على إجراءاتها التعبوية .  

 المرتكز الثاني هو أن من بدأ الحرب ، وأعلن صافرة انطلاقها ؛ هو من وضع أهدافها السياسية ، وهو من يضع نهاياتها الميدانية والتعبوية ، فتبقى مستعرة إلى أن تُحقق الأهداف والغايات .  

 أما المرتكز الثالث فهو أن الحروب لا يُتشارك فيها ، ولا تُتقاسم أكلافها ، إلّا مع من أجمع الشركاء فيها على قيادته الإستراتيجية لها ؛ فهو من يحدد كلياتها ، ويرسم وجهاتها ومساراتها .  

هذه بعض مرتكزات النقاش ـ التفويض بالمفاوضات ـ ، أما عموده ، فهو يقف على قاعدة من طبقتين ، وهي التي بحاجة لبحث دلالاتها ، ومعانيها  ،  وهو ما سنتطرق له في العنوان التالي .  

ثالثاً : قاعدة البحث وأصله :  

القاعدة الأولى : ما أعلنه قيادي في " كتائب القسام " في تاريخ 07 03 2024 بأن  " أنصار الله " في اليمن وضعت بين أيديهم مسألة المفاوضات فيما يعني تخلية سبيل السفينة الأجنبية المحتجزة عندهم وطاقمها ، وعليه فمن يريد التفاوض ؛ فالعناوين في غزة ، وليس في صنعاء .  

القاعدة الثانية : ما صرح به الأمين العام لحزب الله في لبنان  "السيد حسن نصر الله "  في تاريخ 13 03 2024  من أن حركة المقاومة الإسلامية " حماس " تفاوض باسم المحور كله ، وعليه (خلصوا معها ) ، فهي مبتدأ جملتنا وخبرها ،  وهي  صاحبة الشأن والأمر في هذا الموضوع .  

هذه قاعدة البحث ثنائية الطبقات ، أما عن دلالات هذه المسألة وهذا التفويض فيمكن الخلوص إلى مجموعة ؛ من أهمها فيما نحسب الآتي :  

1. استيعاب الموقف :  

إن أولى دلالات هذا التفويض هو أن "محور المقاومة " قد استوعب الموقف الذي هو فيه ، فقد قيل في بداية الحرب ـ بغض الظر عن صحية المسألة من عدمه ـ أن طرفاً بدء حرب دون تنسيق أو تشاور ، وأنه لم يراعي حساسية وظروف باقي الشركاء ، وعليه فإنهم ـ محور المقاومة ـ  سوف ينخرطون في الحرب بما تيسر ، وبما هو متاح ، ولكن أن يفوض أحد أهم أعضاء هذا محور شأن المفاوضات باسمه لحماس ؛ فهذا يعني أننا تجاوزنا قطوع الموقف ، واستوعبنا متطلباته وتداعياته ، وإلّا لما صدر هذا التفويض .  

2. تفهم الدوافع والمبررات  :  

كما يعني هذا التفويض فيما يعنيه أننا في "محور المقاومة" ، نتفهم دوافع هذا الفعل ومبرراته ، وأننا نعذر البادئ فيه لعدم إشعار اللاحق به إبتداءً ، فالظروف تطلبت ، والموقف استدعى اللإفاقة على حرب لم يكن في الأفق أي مؤشر لها أو عليها ، ففوجئنا ـ أطراف محور المقاومة ـ كما تفاجأ غيرنا ، ومع ذلك ، فالأمر لكم ـ حماس ـ والقيادة رهن إشارتكم ، فأنتم من بدأ ، وأنتم من يختم ، عسى الله أن يجعل بعد عسر يسرى ، ويختم لنا ولكم بنصر ، يعز به أهل طاعته ، ويذل فيه أهل معصيته ، وما النصر إلّا من عند الله العزيز الحكيم .    

3. تفاهم وتفهم للأدوار والمهام :  

ومن الدلالات بعد تفهم الدوافع والمبررات ، تفاهم على ، وتفهم للأدوار والمهمات التي تراعي الحساسيات والخصوصيات ، فليس صحيحاً أن ما يقوم به أطراف محور المقاومة ليس متفهم أو متفاهم عليه من قبل شريكهم في الدم ، ولا أدل على ذلك من تلك الرسائل التي ترسلها المقاومة من فلسطين عبر الناطقين باسمها شاكرة جهود رفقاء سلاحها ، ومقدرة تضحياتهم ، قابلة تفويضهم بالتفاوض نيابة عنهم وباسمهم .  

4. وحدة القيادة على المستوى الاستراتيجي :  

كما يمكن الاستنتاج من تفويض أعضاء " محور المقاومة " لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" بالتفاوض باسمهم وعنهم ، أن هذا المحور قد فوض أيضاً قيادة هذه المعركة في مستواها الإستراتيجي لها ـ حماس ـ ، حتى لو اختلفت التوجهات والإجراءات في المستويين العملياتي والتكتيكي ، فما يحسم المعرك ، ويحقق أهدافها وغياتها ؛ توجهاتها وقراراتها المتخذة في المستوى الإستراتيجي ، لذلك يفهم من تفوض التفاوض ، تفويض القيادة .  

5. الموافقة الضمنية على النهايات والخواتيم  السياسية :  

أما آخر ما يمكن استنتاجه من هذا التفويض فهو : الموافقة الضمنية على نهايات هذه الحرب وخواتيمها السياسية ، فكيف توفض شخصاً اعتبارياً ، أو جهة سياسية بالتفاوض عنك ، وأنت لا تأمنه أو تأمنها على أهدافك ، وحصاد عملك ، وحيث أن الأدوات السياسية ، تحصد ما بذرته وزرعته الآلات والوسائط العسكرية ، فإن التفويض هذا يعني أن حركة " حماس " هي المفوضة حصاد كل ما زرعته جبهات المقاومة ، من اليمن إلى لبنان مروراً بالعراق .  

كانت هذه بعض المعان والدلالات التي يمكن استنباطها من تفويض " محور المقاومة " حركة " حماس " بالتفاوض باسمه ، ووضع خواتيم هذه المعركة ، بالطريقة والوقت الذي تراه مناسباً . مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا لا يلغي مقولة أن اختلافاً في وجهات النظر أو القرارات قد ترى مؤشراته في المستويين العملياتي والتكتيكي ، الأمر ـ الاختلاف ـ لا يفسد لود الاستراتيجية قضية ، فـ (المصرين في البطن بتتكاتل ) ، فما بالنا بجهات وهيئات وحركات ، فليس  بدعاً من الأمر أن لا نختلف ، فهذه ـ الاختلاف ـ  سنة الأشياء ، ولكن المهم أن نعرف كيف نختلف ، ومن ثم كيف نحويل هذا الاختلاف إلى طاقة حركية تدفع بالمشاريع إلى الأمام ، ولا نحوله إلى طاقة تفجيرية ، تفجر البيئات والجغرافيات . والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .  

عبد الله أمين  

21 03 2024  



جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023