أولاً : الموقف :
شهدت مدينة جنين ومخيمها عملية عسكرية استمرت ما يقارب 45 ساعة ـ من الساعة 0040 21 05 2024 حتى الساعة 0030 23 05 2024 ـ ، حيث أطلق العدو عليها أسم عملية " ما وراء الجدار3 " ، أما المقاومة فقد أطلقت عليها اسم " أسوار الموت " . وقد شارك في العملية قرابة 1000 جندي من اللواء الإقليمي " منشيه " ــ كون منطقة العمليات تقع ضمن مسؤولة هذا اللواء ــ وما تحت إمرته من وحدات إسناد ودعم قتالي وخدمي ، ، كما صاحب نشاط العدو جهد هندسي تمثل بتشغيل آليات من نوع D9 المجنزرة و جرافات مدولبة ، وحفارات هدم المنازل المدرعة . هذا وقد أسفرت العملية عن ارتقاء 12 شهيداً من أبناء المدينة ومخيمها ، كما أُفيد عن استهداف نقالة جنود من نوع " نمر " أثناء نقلها بعض المعتقلين خارج منطقة العمليات ، كما لم تسلم البنى التحتية في المخيم من أضرار بالغة ناتجة عن تعمد آليات هندسة الجيش تجريفها وتخريبها ، فضلاً عمى يلحقه سير الآليات المجنزرة من ضرر على الشوارع المرصوفة والمسفلتة .
ثانياً : نوع القتال وفكرة المناورة المعادية :
إن متابعة عملية العدو من خلال ما نُشر من مقاطع فيدو عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، والتي رصدت حركة العدو ساعة بساعة ، ولحظة بلحظة ، وما نشر من تقارير حول العملية ، يمكّنا من معرفة فكرة مناورة العدو أثناء العملية ، ونوع قتاله .
أ. فكرة مناورة العدو :
تتمثل فكرة مناورة العدو بالقيام بعملية ( اجتياح ) سريعة ومتنقلة ، يداهم من خلاها المدينة والمخيم من أكثر من محور ، بحيث يصعب على المراقبين ، أو مجاميع المقاومة المنتشرة في منطقة العمليات ، تحديد محاور الجهد الرئيسي لمناورة العدو ، أو تحديد النقلة الثانية في أي تحرك تكتيكي تقوم به قواته ، بحيث يُجبر مجاميع المقاومة على الانتشار على أكبر رقعة جغرافية في المخيم ، بحيث يفقدها ميزة " الحشد " المطلوبة لمواجهة جهود العدو ، كما أنه ـ العدو ـ ومن خلال تحركه السريع وغير معلوم الوجهة ؛ يجبر المقاومين على الحركة والخروج من أماكنهم ( المحصنة ) ، مما يعرضهم لاستهداف وسائط قتال العدو ؛ البري والجوية.
ب. نوع قتال العدو :
إن هذا النوع من القتال يعرف بالقتال " التصادمي " ، وهو نوع من أنواع القتال الذي تخوضه القوات المتواجهة في منطقة عمليات واحدة ، بحيث تصدم مع بعضها البعض بشكل مفاجئ ، تكون فيه الغلبة للأكثر قدرات ، ومن يملك السيطرة البرية والجوية على ساحات العمليات وبقعها ، حيث يُعد هذا النوع من القتال ، من أكثر التحديات التي يواجهها القادة الميدانيين أثناء حركتهم التعبوية أو الإدارية في ساحة العمليات .
1. أين يمكن توقع القتال التصادمي :
أ. أثناء الحركة أو المسير التعبوي أو الإداري .
ب. أثناء التقدم لاحتلال العوارض الحساسية في مناطق العمليات .
ت. أثناء التعزيز ودعم خطوط الدفاع الضعيفة .
ث. أثناء الهجوم المضاد أو المعاكس .
ج. أثناء التحرك للخروج من الحصار .
ح. أثناء مطاردة العدو أو عمليات استثمار النصر .
2. عناصر نجاح وتفوق القوات في القتال التصادمي :
أ. الإبداع والابتكار في طرق وأساليب الاحتكاك والتماس مع العدو .
ب. الحسم السريع في المواجهة ، ومنع تطور الموقف لصالح العدو ، أو خروجه ـ الموقف ـ عن السيطرة .
ت. الرأي الصحيح والوازن في أخذ قرار التماس مع العدو أو قطعه .
ث. كفاءة القائد .
3. قواعد وأصول القتال التصادمي :
أ. توقع العدو في كل مكان أثناء الحركة أو المسير .
ب. استثمار المفاجأة أثناء التماس مع العدو .
ت. سرعة الإجراء .
ث. رعاية أصل التأمين الشامل .
ج. اللامركزية أثناء إجراء المناورة على الأهداف .
ثالثاً : هدف العدو من عملية جنين الأخيرة :
1. تحييد ـ قتلاً أو أسراً ـ أكبر عدد ممكن من المقاومين .
2. ضرب أصول المقاومة ـ ورش ، مخازن ، غرف مراقبة ـ المادية في منطقة العمليات .
3. كي وعي الحاضنة الشعبية من خلال استهداف الأصول الخدمية المدنية في منطقة العمليات .
4. جمع معلومات أو التحقق منها ، ومحاولة زرع وسائل تجسس الكترونية تفيد في إدامة سيطرة العدو المعلوماتية على منطقة العمليات .
5. فحص مدى تطور قوى المقاومة من الناحية البشرية والمادية والفنية والتشغيلية .
6. إدامة تماس قوات العدو مع منطقة العمليات ، بحيث لا يتكون حاجز رهبة وغربة بين المقاتل والبيئة القتالية .
رابعاً : تحليل سلوك العدو :
1. الانطلاق من أكثر من محور ومعبر ـ الجلمة ، دوتان ، سالم ـ باتجاه منطقة العمليات .
2. المحاصرة الخارجية لمنطقة العمليات وعزلها عن المحيط القريب ـ نابلس ، طول كرم ، قلقيلية ـ ومنع أي إمداد قد يتحرك من هذه المناطق باتجاه منطقة العمليات .
3. عزل منطقة المخيم عن المدينة ، وتحويلهما إلى منطقتي عمل منفصلتين .
4. تحرك الجهد الهندسي بالتوازي مع الجهد القتالي ودعماً له ـ عمل سواتر ، فتح طرقات ومعابر ، هدم منشآت ، إغلاق ممرات ـ .
5. مواكبة جوية وتسطيح لساحة العمليات عبر مسيرات " كوابكبتر " أو المسيرات المجنحة .
6. مرونة وسرعة في الحركة والمناورة في كامل منطقة العمليات ، بحيث كان يُفاد عن وجود القوات في أكثر من مكان ومن ثم انتقالها السريع دون القدرة على التثبت من مكان تموضعها الأصلي أو الحقيقي .
7. إبقاء المقاومين في مربع رد الفعل ، وعدم القدرة على المبادرة في أي أعمال ( هجومية ).
8. التحقيق الميداني والاستثمار الآني للمعلومات المُحصلة في تطوير المناورة ، وتحقيق الأهداف .
خامساً : تحليل سلوك المقاومة :
1. عمليات مناوشة نارية بالأسلحة الفردية .
2. تشغيل العبوات الشعبية على بعض محاور تقدم وفعل العدو .
3. محاولة تلويث الأجواء وحجب الرؤية الجوية عبر إشعال الإطارات .
سادساً : بعض إجراءات مواجهة عمليات القتال التصادمي :
1. جمع المعلومات والإنذار المبكر على العدو .
2. التحضير والتسليح المسبق للأرض .
3. تجنب القتال الحاسم مع العدو .
4. تلويث الأجواء وحجب الرؤية الجوية عن العدو .
5. توقع مناورة العدو بناء على المعرفة ـ معرفة المقاومة ـ المسبقة لمراكز ثقلها وأصولها البشرية والمادية التي قد تكون أهدافاً لمناورة العدو .
6. درس وتحليل هذه العملية واستخلاص الدروس والعبر العسكرية والأمنية منها ، للاستفادة المستقبلية .
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .