مع تقدم جهود المصالحة يتزايد الحديث عن فكرة قائمة موحدة يشارك فيها الكل الفلسطيني تدخل الانتخابات المزمع عقدها بشكل موحد، وفي هذا السياق تحاول هذه الأسطر أن تقرأ الرسائل الإيجابية في مثل هذا الطرح بالمقارنة مع مخاطره.
أولا: الرسائل الإيجابية التي يمكن أن تحملها هذه القائمة الموحدة لو تم التوافق عليها:
1/ رسائل الداخل إلى:
المتعطش للوحدة، المتشكك في إمكانية تحققها، المحبط من كثرة محطات تعثرها.
التواق لحريته، المتربص به عدوه قتلا واستيطانا وعدوانا، الشاعر بمرارة خذلان أبناء عروبته، وقلة حيلة مناصريه.
ترى هل ثمة هدية تهبها له فصائله في هذا الوقت الحساس أكبر من أن تطلب صفقة قلبه لقائمة الوطن التي تمثل كل مكوناته؟ وهل من رسالة يمكن أن تنهي كل مراحل الترقب والشك والقلق والتخوف والإحباط واليأس السابقة أكبر من رسالة قائمة واحدة يشارك فيها الكل الفلسطيني؟
إن رسالة القائمة الواحدة بشعار المشاركة لا المغالبة، هي الكفيلة بأن تعيد لنا الثقة بأنفسنا من كوننا قيادة مؤهلة لشعب يتطلع للحرية بل هو صانعها، فنحن جديرون وقادرون ومصممون أن نركب معه سفينة الوطن الواحد والجرح الواحد والمصير نحو شواطئ حريته وكرامته. وهي الرسالة القادرة أن تتجاوز جراح الماضي التفاتا إلى جرح الوطن النازف. وهي الرسالة الجادة من قادة الفصيلين الكبيرين لقواعدهما للتوحد في ميادين النضال والجهاد لاستعادة الحق المستلب. وأنه لن تكون هناك ساحة دعاية انتخابية تنافسية يمكن أن تنكأ الجراح، وستحصر الخلافات في الرؤى والمواقف والسياسات تحت قبة البرلمان بعيدا عن تجاذبات الجماهير حيث يمكن هناك أن ننجح في إدارة اختلافاتنا والوصول إلى قواسم مشتركة.
ج- الكل الوطني:
أن القواسم المشتركة التي تجمعنا هي أكبر بكثير من تلك التي يمكن أن نختلف عليها، وأن الوطن أكبر منا جميعا، وأن المشروع الوطني المهدد لم يعد يحتمل الانتظار، فلنركب جميعا سفينة الوحدة الوطنية الجامعة.
د- المنتفعين والمستفيدين من استمرار الانقسام:
لقد مضى زمنكم إلى غير رجعة. وهذا الوقت الطويل الذي منحه لكم الانقسام كي تقتاتوا على جراحه قد انتهى. وقد آن الأوان أن يرجع الجميع إلى محكمة الشعب كي يقول فيهم قوله الفصل.
2/ رسائل الخارج إلى:
لقد انتهى إلى غير رجعة ذلك الزمن الذي كنتم تلعبون فيه على ساحة تناقضاتنا واختلافاتنا. انتهى الزمن الذي مكنكم من الاستفراد بكل واحد منا على حدة ترغّبون هنا وترهبون هناك، وتُوعِدون هناك وتتوعّدون هنا. وانتهى الزمن الذي جعلكم تواصلون -دون مقاومة-مشروعكم الاحتلالي قتلا واعتقالا واستيطانا. وإن رعبكم الذي عبّرتم عنه من احتمالية وحدتنا سيصبح الحقيقة المرة التي ستواجهون، وإن كوابيس أيام الحوار والتقارب الفائتة التي أرّقتكم سترون تأويلها من فتية تعرف كيف تؤول الأحلام وتحوّل الأحلام إلى حقائق. وإنه ليس أمامكم إلا التسليم بحقوق شعبنا العادلة أو الاستعداد لمواجهته مجتمعا على قلب رجل واحد يعيدها سيرتها الأولى، وأنتم في أشد لحظات التفرق والتشرذم والتأزم. وستعلمون من جديد أن هذي الأرض لا تنصاع لأقدام الغزاة. وسيرى حلفاؤكم الذين خدعوا بكم أنكم إنما قويتم – فقط- بتفرقنا وتشرذمنا فما أن تعود لحمتنا حتى يبطل سحركم وتظهرون على حقيقتكم التي يعرفها – جيدا- أطفال فلسطين وحجارة فلسطين. ولات لحلفائكم حين مندم، ولات لكم حين مناص!
لطالما راهنتم على القدس قبلة، وعلى فلسطين بوصلة. وإن رسالة القائمة الواحدة تقول لكم: إن رهانكم لن يخيب. لقد راهنتم على الورقة الرابحة، والورقة الرافعة لمشروع الأمة ونهضتها. وإن شعب فلسطين الذين طالما عودكم على النهوض من تحت رماد جراحه وآلامه كي يبث فيكم العزم والأمل، هو اليوم – كما كان في الماضي- يبشركم ويعاهدكم أن بوصلته نحو القدس لم ولن ولا تنحرف.
ج المجتمع الدولي المغلوب على أمره:
إن رسالة الوحدة الفلسطينية إلى آذان قلوبكم أن هنا شعبا يستحق الحرية بل هو صانعها. أن هنا شعبا يقدم النموذج الحضاري التحرري وينجح في إدارة اختلافاته ويتناسى جراحه الخاصة أمام جرح الوطن الكبير ويقدم في أشد لحظات الضغوط والظلم المنظم يقدم نموذجه المتقدم وبرنامجه المشترك لسمع العالم الأصم. وستطرق هذه الوحدة أبواب ضمائركم طرقا عنيفا لتوقفكم أمام لحظة الحقيقة فإما أن تكسبوا أنفسكم انسجاما مع شعاراتكم ومبادئكم فتنحازوا للحق الفلسطيني العادل، وإما أن تظلوا تنظروا بالعين المصنوعة في تل أبيب وواشنطن فتخسروا ما تبقى لكم من مصداقية ورصيد. أما شعبنا فهو يعرف طريقه جيدا، وليس في قاموس مستقبله إلا التحرر والانعتاق، وأنتم وما تختارون. حقنا القادم المنتصر، أو باطلهم المأزوم المندحر.
ثانيا: المخاطر والعوائق أمام القائمة الوطنية الجامعة
1/ البرامج السياسية المختلفة إلى حد التناقض أحيانا واستحالة توحدها: والإجابة ببساطة أن رسالة القائمة الواحدة ليست وصفة لتذويب الفروق والاختلافات، بل هي رسالة شعب حر متحضر يعرف كيف يدير خلافاته وتناقضاته، ويحسن الوقوف على أرضية القواسم المشتركة، ويحترم خيارات شعبه ويحتكم إليه. وستظل الاختلافات قائمة لكنها ستجد طريقها للحل تحت قبة البرلمان وبالعمل الوحدوي المشترك.
2/ أزمة الثقة العميقة بسبب جراح الانقسام النازفة: وهل إلا مثل هذه المبادرات المبدعة قادر على تضميد الجراح وإزالة أشكال الاحتقان.
وأخيرا: فإذا كان هدف الشعب الفلسطيني الملح والاستراتيجي هو إنهاء الانقسام إلى غير رجعة، وإعادة الوحدة للوقوف على أرضيتها الصلبة في مواجهة التحديات والمخاطر المحدقة بقضيته، فإن الوسيلة الأنجح في اعتقادي هي قائمة الوطن، لذلك فإن كاتب هذه السطور يضم صوته لكل الأصوات المنادية قادة الفصائل بالعمل الجاد على دخول الانتخابات القادمة بقائمة فلسطين التي تجمع الكل الفلسطيني على قاعدة المشاركة للجميع، لأن فلسطين أكبر من الجميع.