قراءة في تطورات الموقف الميداني في الضفة الغربية

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

أولاً : توطئة

إن تسارع تطورات الموقف الميداني في الضفة الغربية ، يستدعي من المهتمين والمراقبين  تسجيل كل تغير يطرأ عليه ، ومحاولة قراءة دلالاته ، واستخلاص الدروس والعبر منه ، على قاعدة أن حسم صراعنا مع العدو الإسرائيلي لا يمكن أن يكون إلّا انطلاقاً من هذه المنطقة الجغرافية ، لما يمكن أن تكون عليه ـ إن أحسنا إدارة معركتنا فيها ـ من رأس جسر للتحرير ، ونقطة ارتكاز عملياتية مهمة ؛ لقربها من مراكز ثقل العدو الديموغرافية والسياسية والعسكرية ، لذلك لا يجب التهاون في ملاحقة ورصد وتسجيل وتحليل كل ما يدور فيها من أحداث ؛ وليس من باب الإحصاء أوعد الشهداء ؛ وإنما بهدف استخلاص الدروس والعبر ، لمراكمة الخبرات والقدرات ، وتحين الفرص الحقيقية للإضرار بالعدو وقطعان مستوطنيه الذين تزخر بهم هذه الجغرافيا . لذلك تأتي هذه القراءة في الموقف وتطوراته ، في سياق ما قلنا من أهداف ، وقدمنا من مقدمات . 

ثانياً : الموقف

اتسم الموقف الميداني والأمني في الضفة الغربية في الأيام الماضية بمجموعة من السمات ، كان من أبرزها : 

  • استمرار العدو في عمليات الاقتحامات والمداهمات والاعتقالات ، وتصفية النشطاء والمقاومين ، وتدمير البنى التحتية والأصول الخدمية التي تقدم الخدمات والدعم لأهلنا وأبناء شعبنا في مختلف المدن والقرى ، خاصة مناطق شمال الضفة الغربية . 
  • تكرار تصدي المقاومينلقوات العدو المتوغلة في مدننا وقرانا ، بما تيسر من وسائل قتالية فردية ، وهندسية . 
  • محاولة بعض مجموعات المقاومة للتعرض على أهداف للعدو تتمثل في مقرات أو حواجز للجيش أو مغتصبات قريبة من مدننا وقرانا . 
  • إعلان العدو عن تعزيز قدراته في مناطق التماس مع الضفة الغربية ، عبر تسيير الدوريات ، ونشر الكمائن ، وتطوير القدرات الاستخبارية ، ومداهمة سلاسل التوريد المالية . 
  • تزايد طلب المستوطنين لتراخيص حمل السلاح ؛ حيث يوجد ما يقارب 250 ألف طلب ترخيص سلاح ، في مسار الهدف منه ؛ بناء قدرات معادية رديفة لقوات الجيش على أمل الوصول إلى تسليح 400 ألف مستوطن . 
  • تنفيذ مناورة في منطقة " جبل الخليل " بناء على سيناريو عمل يقدر فيه العدو أن اقتحاماً قد يقع ضد مغتصبات العدو ـ مغتصبة تيليم ، بيت حجي ـ يقع فيها خسائر ومفقودين . لذلك وجب على القوات التدرب على صد مثل هذا الفعل حال حدوثه . إلّا أن اللافت في هذا الأمر هو : افتراض العدو أن حركة " فتح " وعناصر شرطة سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني سوف تكون عناصر مؤازرة ودعم له ـ للعدو ـ في مثل هذا الموقف !! . 
  • تصريح وزير دفاع العدو " غالنت " أنهم في صدد تشكيل فرق تدخل سريع على خط التماس مع الضفة مكونة من خريجي الوحدات القتالية . 
  • نجاح كمين للكتيبة 636في تاريخ 04 06 2024  بتصفية مقاومين على حاجز " نيتساني عوز " هما : " أحمد مصطفى رجب " و " عبد الفتاح صلاح جبارة " كما نجح العدو بتصفية المطارد "أدم الفراج " في نابلس حيث ارتقى شهيدا برفقة الشهيد " معتز النابلسي " في نفس الحادث . 
  • سيطرة العدو على 88 % من مصادر المياه في الضفة الغربية .  
  • تصريح مستشار الأمن القومي السابق للكيان المؤقت " يعقوب عميدور " حول ما يجري في الضفة الغربية ، ورأيه أن ما يحصل هناك لن يكرر " طوفان الأقصى " مرة ثانية ، في مدننا وقرانا المحتلة عام الثمانية والأربعين . 

ثالثاً : الدلالات : 

إن قراءة ما بين سطور الموقف السابق ، يمكننا من الخلوص إلى بعض الدلالات والنتائج التي يمكن أن تشكل معالم الموقف في الأيام القادمة ، ومن أهم هذه الدلالات والخلاصات ؛ ما يأتي : 

  1. سوف يبقي العدو مناطق الضفة الغربية عموماً ، ومحافظات شمالها خصوصاً ، تحت مختلف أنواع الضغط الأمني والعسكري والمدني تحقيقاً للأهداف التالية : 
  2. تحييد الأصول البشرية والمادية للمقاومة ومنعها من التطور وكسب الخبرات . 
  3. استنزاف قوى المقاومة عبر جرها إلى اشتباكات واحتكاكات ، تستنفد ما لديها من ذخائر أو عبوات ، في معارك يفرض العدو زمانها ومكانها ونمطها ومدتها على المقاومين . 
  4. الضغط على الحاضنة الشعبية ، بحيث تضيق ذرعاً بالمقاومة والمقاومين ، فتنفض وتقطع الدعم والإسناد عنهم . 
  5. إن الوسيلة الوحيدة لضمان عدم تكرار عملية " طوفان الأقصى " ولو بشكل مصغر في بعض أجزاء من الضفة الغربية يفرض على العدو نمط عمل يمكن أن يختصر بالآتي
  6. منع المقاومة من مراكمة القدرات والخبرات . 
  7. إبقاء فصائل المقاومة في مربع الأزمة ، والعمل ( يوم بيوم ) ، بناء على (جدول) أعمال يضعه العدو لهذه القوى والفصائل . 
  8. يتمثل هدف العدو من إنشاء فرق تدخل سريع تعمل على خط التماس بــ : 
  9. احتواء أي عمل أمني ضد مغتصبات العدو ، ومنع تمدده أو خروجه عن السيطرة . 
  10. تشكيل قوات إسناد ودعم يمكن أن تنهض ببعض أعمال خدمات الدعم القتالي ، لتوفر للقوات النظامية ، والقدرة على تخصيص جهودها ومواردها للتصدي للتهديدات الفعلية أو المُتصورة . 
  11. إيجاد عامل إشغال وإزعاج لأهلنا ومقاومينا في المدن والقرى ممثلاً بهذه الفرق ، منعاً لهم ـ للمقاومين ـ من استثمار جهودهم وقدراتهم في إيذاء العدو ومستوطنيه . 
  12. سوف يمارس العدو عمليات الخداع من خلال إظهار ما يمكن أن يُقرأ على أنه نقاط ضعف في مواقعه أو خطوط التماس معه لإغراء المقاومين للاحتكاك بها ، تحقيقاً لمجموعة أهداف من أهمها
  13. جر المقاومين إلى كمائن معدة مسبقاً من أجل تحييدهم ، أسراً أو قتلاً . 
  14. فحص مدى تطور قدراتهم القتالية ، البشرية والمادية . 
  15. فحص مدى تطور كفاءتهم الفردية ، ومحاولة رسم هياكلهم الداخلية . 
  16. اختبار مدى نجاعة إجراءاته في مواجهة المقاومين وطرق عملهم . 

رابعاً : توصيات

  1. إبقاء العين على تطور الموقف ودراسته وتحليله واستخلاص العبر منه . 
  2. رعاية أصل التامين الشامل ، وأصل الاقتصاد بالقوات أثناء التفكير والتخطيط والإعداد ، وتنفيذ العمليات . 
  3. جمع المعلومات عن العدو ، وعمل قواعد بيانات عن وحداته العاملة ، وطرق عملها في مجمل مناطق الضفة الغربية . 
  4. الضن بالمجاهدين ، وعدم الدفع بهم إلى معارك غير مجدية تعبوياً ـ يجب بدء تقديم التعبوي على المعنوي في تنفيذ الأعمال ـ ، فالمعارك تقييم بناء على الانتصارات ، وليس بناء على التضحيات . 
  5. إيلاء الحاضنة الشعبية الأهمية المناسبة ، والعمل على تأمين متطلبات صمودها في وجه تغول العدو ووحشيته . 
  6. التفكير والتقدير والعمل الجماعي بين مختلف فصائل العمل الوطني فـ ( الحٍمل إذا توزع بنشال ) . 

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون . 

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023