هآرتس
تسڤي بارئيل
لقد أصبحت إسرائيل، في البنية السياسية الحالية، وإيران شريكتين في الجهود المبذولة لإحباط المصلحة الأميركية في مثل هذا التحالف الإقليمي. ويبقى أن نرى متى ستقطع الولايات المتحدة العلاقة التي أنشأتها بنفسها بين الرياض ورام الله وغزة و تل أبيب كانت هذه الحرب ضرورية للمنطقة لأنها أفشلت محاولات التطبيع مع الكيان الصهيوني وسيطرته على المنطقة".
هكذا أوضح المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي الأهمية الاستراتيجية للحرب في غزة من وجهة نظره في بداية العام. وقد تعرض على إثر ذلك هذا الشهر لانتقادات حادة من قبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي أوضح أنه سئم من قيام الآخرين بحروب على حساب الدم الفلسطيني، لكن كلمات خامنئي لم تكن موجهة فقط إلى آذان الفلسطينيين أو حماس على وجه التحديد.
أعلن عدد من المتحدثين باسم التنظيم قبل عدة أشهر أن أحد أهداف الهجوم على إسرائيل في 7 أكتوبر الماضي كان إفشال خطة التطبيع بين إسرائيل والسعودية. إن معارضة التطبيع بين الدول العربية وغير العربية وبين إسرائيل لا تقوم على أسس أيديولوجية فقط.
إنه جزء من الصراع على الهيمنة الإقليمية، الموجه بشكل رئيسي ضد الولايات المتحدة. والخطاب الإيراني ليس جديدا، حتى أن خامنئي أمر الرئيس إبراهيم رئيسي، الذي قُتل في حادث تحطم طائرة مروحية الشهر الماضي، بإلغاء زيارة إلى تركيا في نوفمبر الماضي احتجاجا على عدم قطع أنقرة علاقاتها مع إسرائيل، ورغم اعترافه بمحدودية القوة السياسية لإيران، ورغم انتقاداته الحادة لتطبيع العلاقات بين الإمارات العربية وإسرائيل عام 2020، إلا أن خامنئي لم يشترط تجديد العلاقات بين طهران و أبو ظبي بإلغاء "اتفاقيات إبراهيم".
بل إنه أمر بمواصلة الجهود لإعادة العلاقات مع مصر، التي انقطعت بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد، وشهدت فترة وجيزة من الدفء بعد ثورة الربيع العربي وصعود جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة. لكن إيران تسعى جاهدة، أكثر من منع التطبيع مع إسرائيل، إلى إفشال الاتفاق الدفاعي الذي يجري تشكيله بين السعودية والولايات المتحدة - وربما تكتفي بالجدال أن إسرائيل أصبحت شريكتها الاستراتيجية في هذا الجهد.
وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" يوم الثلاثاء أن صياغة الاتفاق وصلت إلى مرحلتها النهائية. حتى أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الذي جاء إلى إسرائيل يوم (الاثنين)، أدلى بشهادته قبل حوالي أسبوعين أمام لجنة الشؤون الخارجية والأمن بمجلس الشيوخ في واشنطن بأن الاتفاق على وشك الاكتمال - "ومع ذلك، قد لا تكون إسرائيل جزءا منه".
وفي تل أبيب صدموا بالقول لكنهم اطمأنوا بعد فترة وجيزة، عندما أوضح مستشار الأمن القومي للرئيس جو بايدن، جيك سوليفان، في مقابلة مع صحيفة "فايننشال تايمز" أن الولايات المتحدة "ستدخل في اتفاقية دفاعية مع" السعودية فقط إذا كانت إسرائيل جزءا منها".
ويمكن لخامنئي أن يكون هادئا. وتشترط السعودية التطبيع بخطوات مستدامة لا رجعة فيها، تدلل على استعداد إسرائيل لتبني حل الدولتين. وحتى لو كانت الرياض مستعدة، في المرحلة الأولى، للاكتفاء ببيان علني للنوايا، فمن المشكوك فيه أن يجرؤ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في البنية السياسية الحالية في إسرائيل، على التلفظ بمصطلح "الدولتين" - وخاصة بعد استقالة بيني غانتس من الحكومة وتعزيز نفوذ بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن چڤير.
وتتطلب اتفاقية الدفاع بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، والتي ستكون الدولة العربية الوحيدة التي تتمتع بمثل هذا الوضع، موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ. في الوقت الحالي، يبدو أنه طالما أن إسرائيل ليست كذلك شريك في هذه الخطوة، لا توجد إمكانية لتحقيقها. ليس فقط الحماية من إيران في رفض إسرائيل أخذ خيار إقامة دولة فلسطينية على محمل الجد، حتى لو كان ذلك في المستقبل البعيد، ربما يكمن الضرر الأشد خطورة الذي يلحق بمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ولسياستها العالمية - وعلى أي حال لحزام الدفاع الإقليمي على إسرائيل.
إن اتفاقية الدفاع مع السعودية لا تهدف فقط إلى إمكانية إعادة انتشار القوات الأمريكية على أراضي المملكة التي غادرتها عام 2003 وانتقلت إلى قاعدة العديدة في قطر، وليس فقط لاستخدامها نظام الدفاع الجوي الإقليمي. فهذه قائمة بالفعل وقد أظهرت فائدتها وحيويتها ضد هجمة الصواريخ والمسيرات الإيرانية على إسرائيل في ابريل. وتعني اتفاقية الدفاع التزاما متبادلا بين البلدين بالدفاع عن بعضهما البعض في حالة وقوع هجوم عليهما.
ومن الناحية العملية، فإن الالتزام الأمريكي في المقام الأول هو توفير عباءة وقائية في حالة تعرض المملكة العربية السعودية لهجوم. العدو المباشر والمتوقع هو إيران، لكن الحماية منها ليست الهدف الوحيد للاتفاق.
ويتلخص الهدف الاستراتيجي في كبح نفوذ الصين، المنافس العالمي للولايات المتحدة. فهي ليست الحليف الاقتصادي الأكثر أهمية لإيران فحسب، بل إنها تواصل أيضاً توسيع وجودها في الشرق الأوسط وتسعى جاهدة إلى فرض هيمنتها الإقليمية.
وكانت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الرياض في ديسمبر/كانون الأول 2022 بمثابة عرض. وقد تم استقبال شي بعرض جوي فخري وضيافة ملكية، الأمر الذي أرسل قشعريرة في ظهر جليس البيت الأبيض (أقلقه بشكل كبير). ورغم أن هذه لم تكن زيارته الأولى للسعودية، إلا أن محادثاته هذه المرة تناولت التحالف الاستراتيجي، بهدف البناء المشترك لمفاعلات نووية لتلبية احتياجات الكهرباء، واستثمارات بعشرات المليارات من الدولارات، والتعاون العسكري.
وقد عُرضت هذه الاتفاقيات في الرياض ضمن رؤية "المملكة العربية السعودية 2030" التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وبعد ثلاثة أشهر، في مارس/آذار 2023، توسطت الصين بين السعودية وإيران، وأعلنتا تجديد علاقاتهما الدبلوماسية. لقد تم تحديد تدخل الصين الواضح في المنطقة، التي كانت لعقود من الزمن مجال عمل حصري تقريبا للولايات المتحدة، على أنه خطر واضح وفوري - يتطلب "إعادة ضبط" سياسة واشنطن تجاه الرياض وإذابة الطبقة السميكة من الصقيع، و التي غطت علاقات الرئيس بايدن مع بن سلمان.
وصحيح أن تغيير السياسة بدأ قبل ستة أشهر تقريبا، عندما ذهب بايدن نفسه إلى السعودية في يوليو/تموز 2022 للمرة الأولى. وكان التفسير الرسمي والعلني لزيارته هو محاولة إقناع المملكة بإنتاج المزيد من النفط في أعقاب أزمة الطاقة العالمية الناجمة عن الحرب في أوكرانيا. وتعرض بايدن لصفعة على وجهه عندما رفضت السعودية الامتثال للطلب.
لكن الزيارة كان لها غرض آخر. قبل حوالي شهر من ذلك، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أنه في مارس من ذلك العام، اجتمع كبار العسكريين من إسرائيل ومصر وقطر والمملكة العربية السعودية والأردن والبحرين والإمارات والولايات المتحدة في شرم الشيخ - وبحثوا سبل التعاون والدفاع ضد التهديد الصاروخي والطيران المسير الإيراني. وليس من المستحيل أن يتم أيضاً في لقاء بايدن مع بن سلمان مناقشة خطة تحويل هذا التعاون إلى خطة عمل مشتركة - إلى تحالف دفاعي إقليمي أوسع من "تحالف الدفاع الجوي في الشرق الأوسط".
ولم يرفض بن سلمان الفكرة لكنه وضع ثمناً إضافياً أمام بايدن: التعاون الأمريكي في تطوير برنامج نووي سعودي للأغراض المدنية، رغم أن الرياض وقعت مذكرة تفاهم مع الصين في عام 2016 بشأن بناء مفاعل نووي لتوليد الكهرباء، لكن كان تفضيلها الواضح هو الحصول على التكنولوجيا والمساعدة الأميركية.
وربما استخدم "الخيار الصيني" كتهديد لتحفيز الولايات المتحدة على إعادة النظر في قرارها، الذي لم يتخذ بعد. لكن فرص اتخاذ قرار بالموافقة على المساعدات الأمريكية لتطوير البرنامج النووي السعودي ستكون أفضل بكثير إذا تم توقيع اتفاقية دفاع بين البلدين. وعلى غرار اتفاقية الدفاع بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، فإن البرنامج النووي السعودي الذي سيكون تحت إشراف وتوجيه الولايات المتحدة - بدلاً من البرنامج الذي سينشأ عن التعاون السعودي الصيني - يمثل مصلحة حيوية لإسرائيل.
وكلاهما مبرر تماما، حتى بدون التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية. لكن يبدو أن شبكة المصالح هذه أصبحت الآن حبيسة مصفوفة من عوالم الخيال العلمي، والاتفاقيات والتحالفات التي تخدم المفهوم الأمني الإسرائيلي والاستراتيجية الأميركية تصطدم بالمفاهيم المسيانية التي يمليها وزراء اليمين المتطرف في تل أبيب. الذين يهددون بالبقاء السياسي لرئيس الوزراء نتنياهو. ويبقى أن نرى متى ستقرر الولايات المتحدة أن مصالحها الاستراتيجية، التي تخدم إسرائيل أيضا - مثل التحالف الدفاعي الإقليمي - أكثر أهمية من التطبيع بين إسرائيل و السعودية، ومتى ستقطع العلاقة التي أنشأتها ينفسها بين الرياض ورام الله وغزة و تل أبيب.