المقال الأسبوعي لفضيلة الشيخ رائد صلاح
تمَّ تسفيه كل القرارات الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية المتعلقة بالكارثة الإنسانية بغزة المنكوبة، ووقع هذا التسفيه علانية وعلى صعيد عالمي بمباركة “بايدن” وهو يأكل البوظة الأمريكية ذات الحجم الكبير، وكاد هؤلاء الرهط الذين تجرأوا على تسفيه كل هذه المؤسسات الدولية الأممية كادوا أن يتهموها بالإرهاب واللاسامية وبث روح الكراهية، وكادوا أن يطالبوا بإغلاقها كما غمزوا بمؤسسة الأونروا ودعا البعض منهم إلى إغلاقها!!، لماذا كل ذلك؟!، لأنَّ كل هذه المؤسسات الدولية الأممية تصالحت مع ضمائرها وأعلنت عن موقفها من الكارثة الإنسانية بغزة المنكوبة بما أملت عليها ضمائرها التي أبت الانكسار للضغوط التي مورست عليها بشتى الأساليب!!
ولا أدري هل معنى ذلك أن المطلوب من هذه المؤسسات الدولية الأممية أن تتخلى عن ضمائرها وأن تُغرق البشرية في مستنقع آسن من الظلم والجور!!، ولكن لنفرض جدلًا أن كل هذه المؤسسات الدولية الأممية باتت مطعونًا فيها وفي حيادية دورها، فماذا عن محكمة الإعلام الدولية التي قالت كلمتها، ولا تزال تقول كلمتها، وأقصد بمحكمة الإعلام الدولية هي مشاهير المنابر الإعلامية الدولية التي صرحت عن رأيها في الكارثة الإنسانية بغزة المنكوبة، مع لفت الانتباه أن هذه المنابر الإعلامية الدولية المشهورة قد تكون أوروبية أو أمريكية أو حتى إسرائيلية، ومع ذلك خرجت عن صمتها وتجرأت على الكلام وقالت كلمتها في وجه “بايدن” وسائر بطانته، وعلى سبيل المثال:
1. في مقال له في صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، قال جنرال الاحتياط “إسحق بريك”: “إن إسرائيل خسرت الحرب في جبهة غزة مع حركة حماس، ويرجع ذلك جزئيًا إلى تآكل جيشنا البري حتى العظم في السنوات العشرين الماضية، وأكد “بريك” الذي سبق وخدم كقائد لواء في سلاح المدرعات في الجيش الإسرائيلي أن الحرب الإقليمية بسبب التصعيد الجاري أقرب بكثير مما تعتقد إسرائيل، وتشكل تهديدًا وجوديًا مباشرًا لدولة إسرائيل”.
2. في مقال للمحلل الإسرائيلي “عيما نويل روزين” في صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، قال فيه: “يبيعون الجمهور المصاب بالحزن والصدمة منذ أكتوبر الماضي وعودًا رخيصة في ضوء حقيقة أنه ليس هناك نصر، وما يُسمى النصر الشامل ليس أكثر من هراء شعبوي ضحل”.
3. في عمود له في مجلة “لوبس” الفرنسية، أوضح “بيير هاسكي” أن الإستراتيجية التي اتبعتها الحكومة والجيش الإسرائيليين منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، لا يمكن أن تؤول إلا إلى نهاية سيئة، كيف لا وهي تقوم على استخدام مُفرط للقوة وعقاب جماعي لأكثر من مليوني مدني بحجة أن مُقاتلي حماس يختبئون بينهم، واستبعاد أي حل سياسي لما بعد الحرب، إلى جانب وجود متطرفين يسعون لإعادة احتلال غزة، أو يحلمون بصوت عالٍ بالتطهير العرقي.
4. في صحيفة “إندبندت”، تساءل أحد محرريها ويُدعى “شين أوغرادي”، عن عدد الذين سيموتون أو يصبحون مقعدين أو يتامى أو جوعى أو مصدومين بحلول الوقت الذي يُنهي فيه “نتنياهو” مهمته، وأردف أنه لا يبدو أن الأمر يُشكل مصدر قلق كبير بالنسبة له حتى لو كان بعض هؤلاء رهائن، ومما قال أوغرادي: “إنه يبدو جليًا من الأقوال والأفعال أن حياة الفلسطينيين لا قيمة لها عنده، ورؤية صور احتراق تلك الخيام لا تعدو أن تكون بمثابة جريمة حرب”.
5. لفت الانتباه المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، يوم الخميس الموافق 2024/6/6، إلى أن التهديدات بتوسيع الحرب ضد لبنان وتوجيه “ضربة ساحقة” إلى حزب الله ليست عفوية، وإنما تصدر بهدف التغطية على إخفاق الجيش الإسرائيلي في الحرب على غزة، والذي باستثناء القتل الواسع والدمار الشامل لم يُحقق أيًا من أهداف الحرب بالقضاء على حماس وإعادة الرهائن المُحتجزين في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.
6. يقول “ميرون رابوبورت” في تقرير له نشرته مجلة “972+”: وما دام فراغ السلطة في غزة قائمًا فإن اليمين قادر على تحقيق ما يريد من استمرار الحرب وبقاء “نتنياهو” في منصبه، وتأجيل مفاوضات السلام، واحتمال تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة أو الإبادة الكاملة للمراكز السكانية في غزة، لكن يبدو أن الجيش سئم من هذا الفراغ بحيث لا أفق سوى القتال بلا نهاية وبلا هدف قابل للتحقيق.
7. إن من يتابع قراءة الشريط الإخباري في قناة الجزيرة سيقف على تصريحات كثيرة لصحف عالمية مشهورة ولمنظمات حقوقية عالمية تؤكد كلها أن ما يقع في غزة بات يرقى إلى الإبادة الجماعية وجرائم الحرب ضد الإنسانية.
إن من يقرأ كل هذه الشواهد التي أوردتها في هذه المقالة يجد في مجملها أنها أدانت دور الحكومة الإسرائيلية ورئيسها “نتنياهو” بغزة، ويجد أن هذه الشواهد تؤكد بعضها البعض بداية من بعض المنابر الإعلامية الإسرائيلية ووصولًا إلى بعض المنابر الإعلامية العالمية، وكأن مجموع هذه الشواهد شكّلت محكمة إعلام دولية أصدرت
حكمها ضد الحكومة الإسرائيلية ورئيسها “نتنياهو”، بألفاظ أشد مما صدر عن هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية، وقد يتجرأ البعض ويقول إنه يطعن في هذا المنبر الإعلامي أو ذاك، ويعتبر أن ما صدر عنه كان سفيهًا، ولكنه من المستحيل أن يطعن في كل هذه المنابر الإعلامية.