هل حانت حقا لحظة حقيقة المصالحة الفلسطينية الداخلية؟
تحليل السيناريوهات وتوصيات للسياسة
معهد السياسة والاستراتيجية
بقلم ميخائيل ميلشتاين – 7/10/2020
في الاسابيع الاخيرة سجلت يقظة في خطاب المصالحة الفلسطينية الداخلية بين السلطة وحماس. في خلفية ذلك، الازمة الاستراتيجية متعددة الابعاد التي يشعر بها الطرفان، ولا سيما أبو مازن الذي في اعقاب الاتفاقات السياسية بين اسرائيل واتحاد الامارت والبحرين علق في إحساس حاد من العزلة ويجد صعوبة في عرض رؤيا او افق استراتيجي ما على الجمهور الفلسطيني. اما حماس من جهتها فتعيش ضائقة متواصلة على خلفية الوضع المدني المتفاقم في القطاع والذي يصعب عليها تحسينه. وبالتالي فان الطرفين يسيران نحو المصالحة انطلاقا من ضائقة تاريخية عميقة، الى جانب الرغبة في عرض حضور لهم.
جولة المحادثات الحالية بين السلطة وحماس تنطوي على فارقين هامين مقارنة بالمباحثات والاتفاقات العديدة التي سبقت في الـ 13 سنة منذ انقسم الساحة الفلسطينية في اعقاب سيطرة حماس على قطاع غزة. الفارق الاول ينطوي في الرعاية التركية للمحادثات، وذلك بعد أن تحققت كل الاتصالات بين فتح وحماس حتى اليوم برعاية أو وساطة جهات عربية وعلى رأسها مصر. ينبع الامر في اساسه من احساس المهانة القاسي لدى ابو مازن في ضوء سلوك العالم العربي في الوقت الحالي، الامر الذي يدفعه نحو اردوغان وحليفته – قطر، المتماثلين مع الاخوان المسلمين، والاقرب الى حماس منهما الى السلطة.
الفارق الثاني ينطوي على أن خيوط ادارة “ملف المصالحة”، مُنحت لجبريل الرجوب، امين سر اللجنة المركزية لحركة فتح ومن قادة الحركة. ويعمل الرجوب بنشاط لتحقيق المصالحة عمليا وذلك ضمن امور اخرى في ضوء تطلعاته لخلافة ابو مازن، وفي ضوء اعتباره “ملف المصالحة” عمادا مركزيا بواسطته يمكنه ان يثبت مكانة زعيم وطني. وحسب فهمه يمكنه ان يحقق هذه الهدف بعد اجراء انتخابات وفي اعقاب تشكيل حكومة وحدة يقف هو على رأسها.
يتطلع الطرفان الى اظهار جدية اكبر من الماضي في الحوار بينهما بل وبلورا تفاهمات بينهما تعكس اهدافا مشتركة، في ظل تجاوز الخلافات التي أدت في الماضي الى فشل اتصالات المصالحة. تبرز في هذا السياق اعلانات قادة فتح وحماس بان الطرفين اتفقا على أن هدفهما في الوقت الحالي هو اقامة دولة فلسطينية في حدود 1967 عاصمتها القدس (دون طرح الشرط الذي وضعته السلطة في الماضي بشأن الحاجة الى الاعتراف بالاتفاقات السياسية التي وقعتها، الامر الذي رفضته حماس رفضا باتا)؛ وان المقاومة الشعبية هي وسيلة الكفاح المركزية ضد اسرائيل في الوقت الحالي (مع ايضاح حماس بانها هي نفسها لن تهجر ابدا المقاومة المسلحة)؛ وان تقود م.ت.ف المعركة السياسية للفلسطينيين؛ وان تجرى الانتخابات المستقبلية على اساس نسبي.
رغم اجواء التفاؤل التي يحاول الطرفان اطفاءها، ثمة مجال مفهوم الان ايضا للشكوك في امكانية تحقيق “مصالحة كاملة”. ابو مازن هو الحاسم الحصري في المسألة من جانب السلطة، ولكن واضح انه لا يسارع الى رفع التفاهمات الى الخطوط العملية، ويبدو أنه اختار الانتظار الى ما بعد الانتخابات في الولايات المتحدة (3 تشرين الثاني)، كي يفحص هل ستطرأ تحولات في سلوك الادارة في واشنطن تجاه الموضوع الفلسطيني. اضافة الى ذلك، مع أن باقي مسؤولي السلطة يعلنون على الملأ عن تمسكهم بتحقيق المسيرة إلا انه من وراء الكواليس يحوم تخوف شديد في اوساطهم من تحققها السريع بشكل يقوض سيطرة فتح في الضفة ويشجع رفع الرأس من جانب حماس. وذلك حين تكون في الخلفية لا يزال تكوي وعيهم عميقا ذاكرة الصدمة القاسية لصيف 2007 في قطاع غزة.
في الظروف الحالية قد لا يكون خطر لانعطافة استراتيجية فورية في الساحة الفلسطينية، ولكن يتعاظم الخوف من “حوادث تاريخية”– تقع بشكل متواتر في الساحة الفلسطينية – وذلك رغم تخطيطات أو مصالح السلطة الفلسطينية. هذه المرة كما اسلفنا،فان احتمال ذلك اكبر مما في الماضي، في ضوء الضائقة العميقة للحكم الفلسطيني ورغبته في التمسك بخطوة تجسد حضوره، الى جانب الدافع الشخصي القوي لدى الرجوب في تحقيق المسيرة.
في هذا الاطار قد تنشأ عدة تحديات سلبية من ناحية اسرائيل:
تنطوي جولة المصالحة الحالية بالتالي على تهديد محدود نسبيا من ناحية اسرائيل في المدى القريب ولكن احتمال الضرر الاستراتيجي الجسيم على مدى الزمن، ولا سيما اذا تعمقت الازمة بين اسرائيل والسلطة. لاسرائيل توجد مصلحة في منع هذه السيناريوهات. والوسيلة المركزية لهذا الغرض يجب ان تكون استئناف التنسيق والاتصال الرسمي بينها وبين السلطة الفلسطينية، واللذين اوقفهما أبو مازن في 19 ايار على خلفية الخطاب الاسرائيلي في موضوع الضم، ولم يستأنفهما حتى بعد توقيع الاتفاق مع اتحاد الامارات والذي أزال ظاهرا مسألة الضم عن جدول الاعمال. واستئناف التنسيق مطلوب منعا للاثار السلبية في مسيرة المصالحة ولكن ايضا لاحباط سيناريوهات اشكالية اخرى، وعلى رأسها، ضعف أدائي متواصل للحكم الفلسطيني بشكل يعمق العلاقة المباشرة بين الجمهور الفلسطيني واسرائيل ويوسع المسؤولية المدنية للاخيرة على الواقع في الضفة؛ نشوء احتجاج جماهيري يضعضع مكانة السلطة الفلسطينية من الداخل (ولا سيما من جانب موظفي القطاع العام الذين يتلقون راتبا جزئيا في الاشهر الاربعة الاخيرة)، استقرار الساحة الفلسطينية قبيل سيناريو “اليوم التالي” لابو مازن؛ وبالطبع مواصلة منع نشوء تهديدات امنية، وعلى رأسها الارهاب وخطوات شعبية واسعة.
“انزال السلطة عن الشرطة” هو مصلحة اسرائيلية إذن ليس اقل منها فلسطينية وسيكون ممكنا تحقيقها بواسطة خطوات سياسية مثل منح ضمانات للفلسطينيين بان خطوات الضم لن تتحقق (خطوة ليست معقدة اكثر مما ينبغي، بعد أن اوقعت منذ الان اتفاقات مع اتحاد الامارات ومع البحرين). وذلك الى جانب وعد بالعمل على توفير مساعدة اقتصادية واسعة النطاق للسلطة الفلسطينية التي تعاني سواء من اضرار الكورونا أم من اضرار القطيعة مع اسرائيل. في هذا الاطار سيكون ممكنا محاولة تعميق نفوذ دول الخليج وعلى رأسها اتحاد الامارات والسعودية، على الساحة الفلسطينية. يبدو أن في القيادة الفلسطينية ايضا يوجد الكثيرون ممن يتطلعون الى “النزول عن الشجرة” في ضوء خوفهم من تقويض مكانة السلطة بحيث أن وسائل الاقناع الخارجية يجب أن تتركز على ابو مازن الذي يواصل التمسك بخط استراتيجي جامد.
لبعد الزمن اهمية حرجة. كلما تأخرت اسرائيل في جهودها لحل الازمة مع السلطة الفلسطينية معقول أن يزداد احتمال الضرر – سواء في كل ما يتعلق بتحقيق المصالحة والمرابح التي قد تجنيها حماس جراء ذلك أم في كل ما يتعلق بالضعف الادائي للسلطة وللاثار الاستراتيجية والامنية للميل على اسرائيل. رغم تركيز اسرائيل الواسع والمفهوم على مشاكل الكورونا الصعبة – بآثارها الاقتصادية والاجتماعية – والازمة السياسية العميقة في الداخل، سيكون من الحيوي توجيه الاهتمام والجهد في الوقت الحالي لاستقرار الساحة الفلسطينية ايضا وذلك قبل أن تتطور من جهتها تهديدات سلبية على وضع اسرائيل العام.