شهيدنا اليوم تمّ اختياره بدقّة متناهية لا مثيل لها وحكمة عالية ربانية خالصة ، شهيد اليوم سنقف طويلا إذا أردنا أن نتعرّف على حدود هذه الحكمة الربانية التي اختارته وليس فقط أنّه قد وقع في دائرة الاختيار بل هي اتخذته واعتمدته ومنحته أعظم الاوسمة وأرفع الدرجات بعد درجة النبوّة ، اتخذته تشمل معاني عظيمة ودلالات توصلنا إلى هذا المقام الربّاني العالي الذي لا يصله أحد إلا إذا أخذ هذا الاتخاذ والاصطفاء من الحكيم العليم اللطيف الودود العزيز الكريم.
شهيدنا اليوم كان له هذا الاعتماد العظيم ولنا أن نسأل لماذا استحق هذا الشرف الكبير؟
أولا: مسيرة حافلة في الربانيّة الحقة التي جمعت صفات الربانيّة: العلماء الحكماء الحلماء وأضافت عليها العمل في ميدان ذروة سنام الاسلام.
ثانيا: قدّم بين يدي شهادته أغلى ما يملك: أهله وولده وأحفاده وحياتها كلّها ثم جاد بروحه ليس مقبلا غير مدبر كما يقولون بل متفانيا عاشقا محبا مسارعا لا يهمه شيء ولا يلتفت إلى شيء سوى دفع متطلبات حبه وعشقه لله ودعوته وقدسه ووطنه.
ثالثا: كان حاملا للقرآن في صدره مستعدا لتكاليف القرآن ولتطبيق أكثر آيات الله كلفة وتضحية وفداء ، يعشق أن يكون من الذين قاتلوا وقتلوا مع النبيين ( وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير .. فما وهنوا ...) طبّقها بكل أمانة ما وهن وما ضعف وما استكان لما أصابه في سبيل الله وما كان قوله الا قولة أولئك الربيون: ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين).
كان لهذه الاية وكل آيات الله التي تحتاج الى تضحية خير مثل. في زمن يقول فيها أغلب ناس هذه الامّة:" فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ ۙ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ۖ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ﴾.
رابعا: كان داعيا لله قدوة ومربيا ومفوّها ومالكا لفصل الخطاب مجمعا للقلوب دليل دين وثورة ووحدة وذو قدرة عالية على نشر المحبة وتحبيب قلوب عباد الله إلى الله.. وهذه كل واحدة تحتاج إلى وقفة طويلة والاستدلال بشواهد كثيرة ملأت أركان حياته ولكن يكفي ان نمر سريعا في هذه خطبة لا تحتمل الاطالة.
خامسا: أمّا عن دوره الوحدوي فقد تجاوز بعدها المحلي لنرى دوره على صعيد الامة وتكفي دلالة ربانية شهادته في معقل الشيعة وهذا الالتفاف الجماهيري في جنازته ولعلّ مماته يكون معلما هامّا في بناء هذه الوحدة بين قطبي الامّة. ولعلّ حكمة الله في أن تجتمع الامّة بسنتها وشيعتها على دماء الشهداء أن تكون معلما من معالم توحيدها على ما فيه خيرها ومصلحتها. وأن يستهدف عدوّنا في ذات الوقت خيرة رجالنا ( أقصد اسماعيل هنية وفؤاد شكر) لهو دليل واضح على ضرورة وحدتنا.
سادسا: كان ذو قدرة عالية على الجمع بين الدين والسياسة بطريقة تتجلى فيها الحكمة فكان إذا تكلّم في الدين أصاب السياسة وإذا تكلّم في السياسة تكلّلت بروحانيته العالية التي تنسجم مع مبادئ الدين العظيمة ومقاصده العليا.. وإنّ صياغة الامر نظريا سهل ولكن تحويله إلى تطبيق عملي يحتاج إلى الكثير من المهارات والقدرات وهذه تتجلى بأعلى صورها في شخصية الشيخ.
سابعا، ولم يكن نسيج وحده بل كان شوريّا بامتياز يتقن العمل مع الفريق بروح جمعية تجعل من الفريق كأنه شخص واحد ومن الواحد فريقا. لا بدّ من التذكير بأنّ قتل الصهاينة له هو ليس كأي جريمة، هم قتلوا رجل بأمّة وهذا يعلّق في عنق الامّة مسئولية ردّ الاعتبار ومعاقبة هذه العصابة المجرمة خاصة من قبل ايران حيث كان ضيفا عندها والامر كما قالوا مساسا بشرفها واعتداء آثما على سيادتها ، وهذه أيضا مسئولية كل غيور في هذه الامّة.
ولا بدّ من التذكير على أهمية هذه النماذج التي تبقى منارات عظيمة في سماء أمّة إن أرادت أن تنهض وتحقق نصرها وكرامتها فلا بدّ من أن تتلمّس طريقها من خلال هذه المنارات وما تركت لنا من علم ورؤية وبركة ونور .إسماعيل هنية رجل بأمّة صنع من الدين ثورة وحق له أن يكون شمس حرية لأمّة بل ونموذجا للعالم أجمع للحريّة وانعتاق البشريّة.