طوفان الأقصى ... إطفاء النار بالنار !!

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

توطئة

نحن الآن في أجواء المئة الثالثة من أيام معركة " طوفان الأقصى " ، وقد ارتقى فيها من خيار هذه الأمة ؛ خيارهم ؛ قادة وجنوداً ، وفي جميع الجبهات والساحات ؛ من غزة المحاصرة ، التي ما فتئت تقدم أبناءها على مذبح عز هذه الأمة ، إلى المقاومة اللبنانية ممثلة بحزب الله الذي قدم في هذه المعركة من خيرة قادته وأبنائه ما لم يقدمهم في معاركه الخاصة ، إلى اليمن التي أخرجت من جعبتها خيارات عمل أوقفت العالم على ( رجل ونص ) ، وهم ـ اليمنيون ـ الذين لم يلجأوا إلى مثل هذا الخيار عندما كانت طائرات التحالف الأمريكي تطحن عظام أبنائهم ، ولكنهم لم يبخلوا ولم يترددوا في استخدام خيار البحر الأحمر وما يجاوره من بحار ، عندما كانت الحرب على فلسطين ، ولفلسطين  . وها هي المقاومة تدفع بخيرة أبنائها بالأمس قرباناً لفلسطين ودفاعاً عن خياراتها وشرفها ؛ فقدمت على مذبح عز فلسطين القائد الشهيد " أبو العبد هنية" ، بعد أن كانت قدمت قبله بساعات القائد الشهيد " فؤاد شكر " أو " السيد محسن" كما كان يحب أن ينادى . وقبلهم قدمت ؛ وبعدهم ستقدم .

أمام هذه الموقف يكثر المحللون والكتاب من طرح واقتاح حلول لوقف ( مطحنة )  العظام هذه ؛ ليس ضناً بدماء المجاهدين والقادة ؛ فهم على عقود الموت وقّعوا منذ أن اختاروا السير في هذه الطريق ، وهم يحملون دمائهم على أكفهم ، وأكفانهم على أكتافهم ، ويوم سعدهم ؛ يوم قتلهم في سبيل الله على هذه الطريق ، ولكن ما يتلف الأعصاب ، ويرهق النفوس ، رؤية هذا العدو الصائل الجبان يصب جام غضبه على مدنيين لا حول لهم ولا قوة ، فعندما يعجز عن مواجهة الرجال ، ويُعجزوه قتيلاً وتدميراً ؛ يصب غضبه على النساء والأطفال ! وهو يعلم أن هذا يؤلم المقاومين ، ويضغط على المفاصل الموجعة لهم ، ولكن ( ما باليد حيلة ) غير الاستمرار في المقاومة والمواجهة ، كون وقفها يعني دفعاً لأثمان هي أكبر بكثير مما دفع إلى الآن . 

وأمام تطور الموقف الحالي ؛ وبعد استهداف قائد المقاومة الفلسطينية في عقر دار ( مظلة ) محورها الإقليمي ، وبعد استهداف القائد " السيد محسن " على بعد أمتار مما يعرف أمنياً في الضاحية الجنوبية بــ " مربع السيد " ، أمام هذه المشهد  وهذا الموقف المستجد ؛ تتداعي إلى الذهن أفكار كثيرة ، وخواطر شتى ، بحثاً عن مخرج من حالة الاستعصاء التي وصل له الموقف ، بعضها ـ الأفكار ـ منطقي ، عقلي ، حكيم ، وبعضها الآخر فيه من الجنون ما يناسب ما نحن فيه من موقف مجنون ، لا تضبطه ضوابط ولا تحده حدود ، ومن هذه الأفكار ؛ فكرة إطفاء النار بالنار !! وهي فكرة مستمدة من أحد تقنيات إطفاء حرائق آبار النفظ الخارجة عن السيطرة ، بحيث لا يمكن إطفاؤها بالطرق التقليدية ، عندها يعمد الخبراء وأهل الفن والكار والمسؤولية والصلاحية إلى إطفاء هذه النار  بالنار ، بحيث يتم عمل تفجير !! نعم تفجير مسيطر عليه ومتحكم به ، مباشرة على ( فم ) البئر المشتعلة ، فينقطع عنها الاكسجين بسبب الخلأ والتفريغ الذي يحدثه تفجير المواد المتفجرة على ( فم ) البئر المشتغلة ؛ فتنطفئ النار ، ويسيطر على الحريق ، وتعالج آثاره . فهل يمكن أن تُطبق هذه التقنية المدنية ، على من نحن فيه من مواقف عسكرية ؟ هذا ما ستحاول أن تجيبه عليه هذه الورقة ، من خلال عرض متطلبات أخذ قرار مثل هذا الإجراء ؛ حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة ، فيصدق فينا المثل القائل ( هربنا من الدلف تحت المزراب ) ، مشيرين إلى أن ما سيقال فيما تبقى من هذا المقال، هي عبارة عن أمور تبحث عن كيفة لإسقاطها على ما نحن فيه من موقف ، وقد تصلح لما نحن نحن فيه ، وقد لا تصلح ، وإنما هي فكرة وأفكار . 

متطلبات الإجراء

لن نطيل في الشرح والتفصيل في تعداد ما يمكن أن يتصور تَطلب توفره من ظروف وشروط للجوء إلى تقنية إطفاء النار بالنار ، وهو قرار يأخذه  أهل الاختصاص والخبرة والفن وفي جميع المجالات المتعلقة بالموقف ، بعد أن يصلوا إلى نتيجة أن لا مفر من النار إلا باللجوء إلى النار ؛  عندها يستحضرون مجموعة من الاعتبارات الموضوعية والظرفية ، قبل الإقدام على مثل هذا الإجراء ، ومن أهم هذه الاعتبارات : 

  1. معرفة حجم وخطر الحريق الحالي وما يمكن أن ينتج عن بقاء التعامل معه بالطرق التقليدية من خطر أكبر ، وضرر أفدح ، وهنا لا نعتقد أن أحداً من المعنيين بما نحن فيه من موقف لا يعرف حجم وخطر ما نحن فيه من حريق ؛ أذاب العظام في غزة ، ووصل شرره إلى طهران ، مروراً بالحديدة ولبنان . 
  2. توفر قناعة بعدم إمكانية إطفاء هذا الحريق بالطرق التقليدية ، وهذا محل بحث بين أهل الاختصاص ، وأصحاب القرار والصلاحيات ، فهم الواقفون على حقائق الأمور ، ويتعاملون مع معلومات ومعطيات ، وليس مع تحليلات وتخمينات . 
  3. توفر قناعة أن هناك من يمد هذا الحريق بأسباب البقاء ، ويحرص على عدم إطفائه ، وإبقاء جذوته مشتعلة ، وهنا لا نظن أن أحداً لا يرى ويلمس ويشاهد فعل الفاعلين ، خلف الستار وأمامه ، حرصاً على بقاء النار مشتعلة ، والحريق ملتهب ، ولكل منهم سببه وغايته . 
  4. توفر قناعة لدى أصحاب  قرار إطفاء النار بالنار ، أنهم قادرون على التحكم بمستتبعات ما هم مقدمون عليه ، فهم مقدمون على توليد إنفجار تفوق قوته قوة ما يريدون إخماده من نار ، وإلّا لن يتحقق المطلوب ، ولن نصل إلى المرغوب . 
  5. توفر علم وإحاطة لدى جميع فرق ( الإطفاء ) العاملة والمتعاملة مع هذه الحريق ، أننا مقبلون على مثل هذا الإجراء ، ليأخذ كل حذره ، ويعد عدته ، ويجهز فريقه ، فقد تخرج الأمور عن السيطرة ، ويتطلب الموقف ( فزعة ) للسيطرة عليه . 
  6. إمتلاك قدرات بشرية ومادية ، قادرة على توليد الحجم المطلوب من طاقة ( تفجيرة ) تخمد ألسنة لهب النار محل العلاج ، كما أنها ـ القدرات ـ قادرة على التعامل مع تداعيات مثل هذا الإجراء . 
  7. إمتلاك قدرات بشرية ومادية قادرة على التعامل مع الشرر المتطاير من أثر هذا الإنفجار ، والتي قد تصل إلى خارج نطاق محل الحريق الحالي ، وفي غير هذه الصورة ، كنا كمن يرقع فتق بتمزيق ثوب ، عندها سينطبق علينا المثل القائل ( اكشف عورة واستر وعورة ) ، وهذا ما لا يفعله عاقل . 
  8. خلاصة رأي تقول : أن جدوى ما نحن مقدمون عليه أعلى بكثير من أكلافه ، وأجدى ، ونتائجه أفضل من مقدماته ، وهنا يُسمع للعقل ، ويُسكت (البطن) . 
  9. جرأة في اتخاذ مثل هذا القرار ، ومستوى عال من قبول المخاطر . 
  10. وأولاً وأخيراً ، وقبل ذلك وبعده ومعه ؛ توكل على الله ، وثقة بعونه ومدده . 

هذه باختصار فكرة إطفاء النار بالنار ، فهل نحن مقبلون في قادم الأيام على مثل هذا الإجراء ؟ إجابة بحاجة إلى رؤوس باردة ، وعقول واثقة ، وأشخاص خابرة غير مكابرة . والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون . 

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023