معظلة الزعيم الإيراني

يديعوت أحرونوت

 راز تسيميت 

يدرك خامنئي البالغ من العمر 85 عاما جيدا العواقب المحتملة لهجوم إيراني كبير على إسرائيل، خاصة وأن رئيسه المنتخب حديثا يتخذ الخطوات الأولى على طريقه الطويل لإعادة بناء اقتصاد بلاده المتعثر. 

وحتى بعد مرور اسبوعين على اغتيال زعيم حماس اسماعيل هنية في طهران، ما زال كبار المسؤولين الايرانيين يهددون برد قاس على اسرائيل، لكن الرد نفسه يتأخر في القدوم. وأكد نائب قائد الحرس الثوري علي فداوي، بداية الأسبوع، في حديث لقناة الميادين اللبنانية المحسوبة على حزب الله، أن تعليمات المرشد الإيراني علي خامنئي بـ الثأر لدماء هنية "واضحة وصريحة"، وسيتم تنفيذها بأفضل طريقة ممكنة. 

كما ذكر المتحدث باسم الحرس الثوري أن اغتيال هنية كان انتهاكا صارخا لميثاق الأمم المتحدة، وأن "النظام الصهيوني" سيتلقى الرد على هذا "العمل الغبي" في الوقت المناسب.

 لكن يبدو أن القيادة الإيرانية لا تزال مترددة بشأن صورة الرد المطلوب، خاصة في ظل الخوف من التحول إلى مواجهة عسكرية مباشرة وغير مرغوب فيها مع إسرائيل، وربما حتى مع الولايات المتحدة. يمكن معرفة القليل عن السجال الداخلي في إيران حول خصائص الرد المطلوب من تقرير نشرته هذا الأسبوع صحيفة "التلچراف" البريطانية حول خلاف بين الرئيس الإيراني مسعود بازشكيان وكبار أعضاء الحرس الثوري فيما يتعلق بالرد. 

وبحسب التقرير، فإن الرئيس الجديد يصر على عدم بدء حرب شاملة مع إسرائيل خوفا من عواقبها على إيران، ويرى أن الرد يجب أن يكون موجها ضد القواعد الإسرائيلية في الدول المجاورة لإيران. 

ومن ناحية أخرى، يرى كبار أعضاء الحرس الثوري أنه يجب مهاجمة تل أبيب والمدن الأخرى في إسرائيل بشكل مباشر، مع التركيز على القواعد العسكرية. 

وقالت الصحيفة البريطانية إن القرار النهائي في هذا الشأن يعتمد على المرشد خامنئي. والحقيقة أن الزعيم يواجه معظلة صعبة هذه الأيام. فمن ناحية، يعتبر اغتيال هنية في قلب طهران عملاً مهيناً بشكل خاص، ويتطلب رد فعل قوياً ضد إسرائيل، ودليلاً إضافياً لإعادة المعادلة الجديدة التي تأسست في طهران بعد اغتيال قائد الحرس الثوري في سوريا ولبنان مطلع نيسان/أبريل. 

من ناحية أخرى، يدرك خامنئي البالغ من العمر 85 عاماً جيداً العواقب المحتملة لهجوم إيراني كبير على إسرائيل، خاصة في الوقت الذي بدأ فيه الرئيس الجديد للتو فترة ولايته بعد الوفاة المفاجئة لإبراهيم رئيسي وهو يتخذ خطواته الأولية في طريقه الطويل لإعادة بناء اقتصاد بلاده المتعثر. 

إيديولوجي ثوري لم يتخلى أبدا عن نظرته الثورية للعالم بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل في إبريل/نيسان، قال مسؤول أمريكي كبير لشبكة ABC News إن بلاده اعتمدت أكثر من اللازم على الاعتقاد الخاطئ بأن الزعيم الإيراني حذر ولن يوجه أبدا هجوما مباشرا على إسرائيل. إن زعيم إيران هو أيديولوجي ثوري، لم يتخلى أبدا عن نظرته الثورية

. ومع ذلك، فمنذ تعيينه زعيما لإيران في صيف عام 1989، اتبع خامنئي في الغالب سياسة حذرة، وخاصة في العلاقات الخارجية، لضمان بقاء نظامه. على سبيل المثال، وافق في عام 2003 على تجميد أنشطة مجموعة الأسلحة التي كانت تعمل على الحصول على قدرة نووية عسكرية، خوفاً من أن تكون إيران هي التالية بعد الغزو الأميركي للعراق. 

وفي حين تعكس تصريحاته في كثير من الأحيان موقفا ثوريا لا هوادة فيه، فإن سياساته غالبا ما تعبر عن الحذر. ولذلك، فحتى قراره بمهاجمة إسرائيل لا يشير بالضرورة إلى تغيير ملموس في أنماط اتخاذ القرار لديه واستعداده لجر بلاده إلى صراع عسكري شامل. 

وحتى في العام الماضي، أظهرت القيادة الإيرانية استعدادها لخوض مخاطر محسوبة، ولكن مع إظهار قدر كبير من ضبط النفس والحذر. ومن الممكن، على سبيل المثال، العثور على تعبير عن مسعى إيراني لتجنب مواجهة عسكرية في سلوكها بعد مقتل ثلاثة جنود أميركيين في هجوم بطائرة بدون طيار على قاعدة في شمال الأردن نهاية يناير/كانون الثاني 2024. 

بعد أقل من 48 ساعة من العملية التي نسبت إلى الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في العراق، توجه قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري إلى بغداد وأصدر تعليماته لقادة الميليشيات بوقف مهاجمة القواعد الأمريكية في المنطقة، تفاديا لرد أميركي حاد ضد الميليشيات وحتى عمل مباشر ضد إيران نفسها.

 وربما يشير سلوك خامنئي في الأسبوعين الأخيرين إلى أنه يواصل النهج الحذر الذي اعتمده عموما خلال 35 عاماً من حكمه، حتى لو أنه قد يتخذ في النهاية قراراً يعني المخاطرة الخاضعة للرقابة، وهو ما تجنبه في الماضي. وفي غياب القرار من جانب المرشد، لن يكون مفاجئاً أن تحاول إيران إطالة المزيد من الوقت. 

وفي هذا السياق، يمكن للمرء أن يرى تقرير وكالة رويترز للأنباء الصادر عن ثلاثة مسؤولين إيرانيين كبار بأن الطريقة الوحيدة لتأخير الرد الإيراني المباشر هي تحقيق اختراق في محادثات وقف إطلاق النار.

ويرتبط التقرير أيضاً بتصريح ممثل إيران في الأمم المتحدة بأن إنهاء الحرب في غزة هو الأولوية القصوى لإيران، حتى لو لم يكن هناك بالضرورة ارتباط بين وقف إطلاق النار وحق إيران في الرد على إغتيال هنية. 

فيما يواصل الزعيم الإيراني التردد، يحاول والموالون له الانتظار قليلاً حتى يتم تهيئة الظروف لقراره النهائي أو تنفيذه. في هذه الأثناء، تواصل إسرائيل انتظار الرد الإيراني بفارغ الصبر، وتتكبد ثمنا اقتصاديا باهظا. 

أما بالنسبة لإيران، يعد هذا في حد ذاته إنجازا كبيرا. الدكتور راز تسيميت هو باحث كبير وخبير في شؤون إيران في معهد دراسات الأمن القومي (INSS) ومركز اليانوس للدراسات الإيرانية في جامعة تل أبيب.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023