قراءة استشرافية
مقدمة :
لأن ( العليق يوم الغارة ما بينفع ) ؛ يأتي طرح هذا السؤال الإفتراضي بهدف تصور الموقف الميداني في حال أقدم العدو على مثل هذا الإجراء في قادم الأيام ، حيث أن المراقب لمناورات العدو اليومية ضد مدننا وقرانا في الضفة الغربية ، يرى تطوراً في الإجراءات ، وشراسة في التنفيذ ؛ ففي الوقت الذي كان العدو يستخدم فيه جرافات مدولبة أمام قواته من أجل التعامل مع ما يضعه المواطنون والمقاومون من عوائق ومتاريس لسد طرق تقدمه أو إعاقته أو حرف مساره ؛ أصبح الآن يحرك أمام آليات الهندسة هذه آليات مجنزرة من نوع الـ D9 وأخواتها ، فتجرف و( تحرث ) الأرض حرثاً . ولما بدأ المقاومون بزرع عبواتهم تحت الأض ، وعلى جوانب الطرقات ، وعلى أعماق أبعد مما قد تصله (شوكة) جرافات الـ D9 ، رأينا العدو يدفع بالـ ( بواگر ) المخصصة للحفر حتى مسافات تصل المترين عمقاً ، فتنزع كل ما زُرع أو جُهز من عبوات ونسفيات . إذن فالعدو يطور إجراءاته وفقاً لتطور عمل المقاومة والمقاومين ، الأمر الذي يتطلب مواكبة ومراقبة تطور إجراءات العدو وتقدمها ، والبحث عما يمكن أن يحد من فعاليتها ، وصولاً إلى إفشالها ، ومنع العدو من تحقيق أهدافه منها . وفي هذا السياق ، تأتي هذه الورقة لتطرح هذا السؤال ، وتحاول الإجابة عليه ليبنى على الشيء مقتضاه ، إنطلاقاً من القاعدة التي تقول : أن العاقل لا ينم لعدوه ولو كان نملة . إن الإجابة على هذا السؤال تفترض الإجابة على مجموعة من الأسئلة أخرى ؛ نطرحها ونجيب عليها تباعاً ، لتساعد في فهم الموقف وتصوره ؛ ومن أهم هذه الإسئلة :
كون الحكم على الشيء وفهمه فرع من تصوره ، دعونا نبدأ أسئلتنا بتعريف المناورة ؛ حيث يذهب البعض ـ ونحن منهم ـ إلى أن مصطلح المناورة يمكن أن يطلق على أي إجراء تعبوي يمكن أن يقوم به التشكيل أو الوحدة العسكرية ؛ فالمسير مناورة ، والتدريب مناورة ، والانتشار التعبوي مناورة ، و ... . يذهب آخرون إلى تعريف المناورة تعريف أكثر تحديداً ، فيعرفونها على أنها : عملية تعبوية الغاية منها حشد ونشر وسائط قتالية ـ بشرية و / أو مادية ـ وتشغيلها كمنظومة نار واحدة ، في سياق تحقيق أصل الهدف من العملية العسكرية . وهذا تعريف نتبناه أيضاً كما يتبناه غيرنا . وهنا يمكن أن نطلق على كل عمليات التوغل والاقتحامات التي يقوم بها العدو كل يوم لمدننا وقرانا ، يمكن أن نطلق عليها مسمى المناورة ؛ حتى لو قصر وقتها ، وقلت القوات المشاركة فيها .
السؤال المهم الثاني المطروح في هذه الورقة الاستشرافية هو سبب تحديد جغرافيا عمل العدو في محافظات شمال الضفة الغربية ، وهنا لن نطيل الحديث ؛ فواقع الأمور ، وتطور الموقف الميداني الذي جعل من محافظات الشمال ومدنه ، بدءاً من طوباس ، فنابلس فجنين فقلقيلة ، مروراً بطول كرم دون أن نغفل عن طمون ، جعل منها بؤراً للمقاومة ، وخزانات لقدرات بشرية ومادية للمقاومين ، الأمر الذي يفرض على العدو التفكير الجدي في عمل جذري مضاد ، يعق تطور العمل المقاوم هناك ، ويمنع تطوره إلى أطول مدة زمنية ممكنة ، الأمر ـ إعاقة تطور المقاومة ـ ما عادت تجدي معه إجراءات الأمن الجاري التي يقوم بها االعدو بشكل يومي ، لذلك قد يعمد العدو إلى إجراءات أكثر شمولاً وخشونة وجذرية ، على شاكلة عملية السور الواقي 2002 ، ولكن بصورة أقل زخماً وحدة .
يأتي الحديث عن أركان مناورة العدو كونه يساعد في ملاحظة قرائنها ومؤشراتها ، ومرتكزات نجاحها ، لمحاولة ضرب هذه المرتكزات ، وتلك الأركان لإفشال هذه المناورة ، أو على الأقل تقليل فرص نجاحها ، ومن أهم أركان مناورة العدو أنها مناورة برية ؛ بمعنى أن عمدة قواتها سوف تكون من صنف القوات البرية ، كون مناطق العمل المتوقعة مناطق برية ، إذن فالتهديد أرضي في مجمله وأصله . أما الركن الثاني من أركان مناورة العدو فهو وجود نار تمهدية ؛ وحيث أن منطقة العمليات تفتقر إلى خطوط حد ، وحواف قتال أمامية ( حامق ) من قبيل تلك المتعارف عليها في العمليات العسكرية التقلدية ، فإن الهدف من النار التمهيدية لمناورة العدو في منطقة العمليات هذه هو : استفزاز المقاومين ، وكشف انتشارهم ، ودفعهم للخروج من أماكنهم المحصنة ، ليسهل على العدو تصيدهم بوسائطه الجوية ، أو الأرضية الموجة من الجو . أما الركن الثالث والأخير من أركان مناورة العدو فهو الجهد السيبراني الالكتروني : بحيث يسيطر العدو على الموقف الالكتروني في منطقة العمليات ، فيتنصت على من يشاء ، ويتعقب من يشاء ، ويشوش على من يشاء ، ويستهدف بشكل مُركّز من يشاء ، و يعطب كثيراً من الجهود الهندسية المعتمدة على التقنيات الالكترونية ، وهذا أمر يجب أن يفطن له ، فالوحدة 8200 تنشط في مثل هذه المواقف القتالية ، وتقدم أكبر خدمة للقوات المناورة في منطقة العمليات .
وحتى تنجح مناورة العدو البرية ، فإنه بالعموم ، يعبئ لها ما يلزم من قدرات ، ويواكبها بكثير من الإجراءات ، ومن أهم العناصر التي تؤمن النجاح للعدو في مناورته ما يأتي :
حيث أن العدو يخوض حرباً في الجنوب ، وأخرى في الشمال ، فالمنطق والعقل يقول أنه ـ العدو ـ يفترض أن يكون في غناً عن ( حرب ) في الوسط ليقدم على خوضها وفتح نارها ؛ ولكن في حال توفرت مجموعة من الظروف الموضوعية فإن العدو قد يذهب نحو مناورة أوسع وأشمل وأطول زمناً من إجراءات أمنه الجاري اليومية ، ومن هذه الظروف الموضوعية ما يأتي :
تقوم فكرة المناورة العدو ، وحتى تحقق الهدف مطلوب منها ، على ثلاثة إجراءات كلية هي عبارة عن :
حيث أن جغرافيا شمال الضفة الغربية ، تعج بالقواعد العسكرية ، وتخترقها طرق مواصلات طولية وعرضية ، الأمر الذي يوفر للعدو مروحة واسعة من خيارات العمل ، ومحاور التقدم ، مما يعني صعوبة التنبئ بسير حركة العدو ، فمحافظة جنين مثلاً على محيطها خمسة مواقع عسكرية : الجلمة ، سالم ، دوتان ، برطعة، شاكيد ، وطول كرم فيها القاعدة 407 / جبارة . أما نابلس ففيها : قاعدة حوارة ، وشافي شمرون ، وحاجز صرة . أما طوباس فإنها ( تنعف نعف) بالقوات ففيها : قاعدتي بيليس وبكعوت ، ومعسكرات إيساف وتياسير وميحولا . وهذا موقف ميداني يحيل التنبؤ باتجاه المناورة ومحاور تقدمها أمر شبيه بالضرب بالرمل !!
في ظل هذه ( الزحمة ) في القوات والمواقع كما أشرنا في العنوان السابق ، وحيث أن الموقف الميداني على هذا النحو ، فإن أفضل طريقة للتنبؤ باتجاه مناورة العدو هي : رصد ومتابعة ظهور بعض القرائن المؤشرات التي تدل على بدئ التحضير لها أو بدئها ، ومن أهم هذه القرائن والمؤشرات ما يأتي :
أما عن الإجراءات الدفاعية والوقائية لمواجهة مثل هذه المناورة في حال حدوثها فإن أهم ما يمكن القيام به هو :
الخلاصة :
لا نعتقد أن العدو سوف يقوم في الفترة القادمة ـ ثلاثة أشهر على الأقل ـ على عمل مناورة برية واسعة في مناطق شمال الضفة الغربية ، ما لم تتوفر الأسباب الموضوعية لها ، إلّا أننا لا نستبعد أن يقوم العدو بعمل استعراض قوة تعبوي الهدف منه فحص جاهزية القوات تحت قيادة قائد المنطقة الوسطى الجديد الجنرال " أفي بلوط " ، وقدرتها على العمل المشترك والتنسيق بين مختلف صنوف القوات تحت الإمرة ؛ الأمر الذي استدعى كتابة هذه الورقة الاستشرافية ، والتي تحتاج إلى مزيد من البحث والتفصيل من قبل أهل الفن والكار ، ليبنى على الشيء مقتضاه ، وحتى لا نُعلّق (علايقنا) يوم غارتنا . والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .