ما الذي فَعَلَتْهُ وسائلُ التواصُل الاجتماعي ؟!

▪︎ قبل كل شيء: هل سألنا أَنْفُسَنا، لماذا هذه الوسائل مُتاحة مجَّاناً ؟!. 
والإجابة - ربما - لأنها توفر قاعدة بيانات، ومعلومات مجانية، عن مُستَخدِميها، وربما أيضاً لأنها توفر معطيات تُساعد في قياس اتجاهات الرأي العام وتساعد في توجيهه، وتساهم أيضاً في مُعاينة طبيعة الأمزجة، وقياس مستوى وطبيعة الرغبات، ولأنها كذلك تُساعد في تعميق الغباء والانتقائية، والارتجال في مضمار الثقافة والفكر والتحليل السياسي، وتُوَظَّف في إذكاء الفتن الإثنية والمذهبية، وتتيح التعبير عن الحالات النفسية المرضية، وتُشيعُ ظاهرة المرض بالإيحاءَات الشخصية - إيحاء المرآة - المتصلة بالمظهر الجسدي أو الأصل الجيني المزعوم، أو الانتماء السياسي والقبلي والعشائري، وهي كذلك تساعد في شَخصَنَة القضايا العامَّة، وتمييع وتضييع القضايا العادلة؛ وذلك عندما تصبح زاوية النظر إليها فئوية، وقَبَلِيَّة سياسية غرائزيَّة، وانتقائية رغْبَوِيَّة طفولية وانتهازية شخصية.

▪︎ نعود إلى السؤال الأساسي: ما الذي فعلته وسائل التواصل الاجتماعي؟!.

1: أتاحت التفكير بصوتٍ مرتفع، بمعنى التعبير وبسهوله عن الأفكار والخواطر الهامشية، والتي ليس من وراء الإفصاح عنها أي فائدة عامَّة - وربما على عكس ذلك فالتعبير عنها يضر ولا ينفع أبداً.
بالمناسبة: 
يدور في ذهن أي شخص في اليوم الواحد أكثر من عشرة آلاف فكرة وخاطرة طارئة وعابرة؛ فلو احتسبنا وقت اليقظة 12ساعة × 60 دقيقة× 60 ثانية = 43200 ثانية، وفي كل بضعة ثوانٍ يخطر في الذهن خاطرٌ مهم أو استيهامي، أو تلمع فيه فكرةٌ نافعة أو فكرة ضارَّة ما؛ فهل من الحكمة أنْ نسعى للتعبير عن كثيرٍ من تلك الخواطر والأوهام والأفكار الهامشية؟!.
وهذا بالضبط ما شجعت عليه السهولة التي أتاحتها وسائل التواصل الاجتماعي، كوسيلة تعبيرية بلا كُلفة مادية أو أخلاقية؛ فأصبحَ { الوسواسُ الخنَّاسُ الذي يُوسْوِسُ في صدورِ النَّاس } مسموعاً ومقروءَاً عبر الفضاء الإلكتروني المجاني.

2: شجَّعتْ على الاجتراء على منظومة القيم الاجتماعية الأساسية الصحيحة وكذلك القيم الوطنية، وأتاحت التعبير عن الآراء بلا أي مسؤولية أخلاقية أو عامَّة.

3: أشاعَت الغرور عبر الشعور الزائف باهتمام الآخرين دون المعاينة الصادقة لدوافع ذلك الاهتمام بما يُقال أو يُنْشَر من قبل شخص ما والمرتبط غالباً بالمصلحة والمنفعة، خاصة عندما يتعلق الأمر بأصحاب الألقاب والمواقع الرسمية وذووي النفوذ.

4: أسهمت في تحويل الإشاعات والادِّعاءَات إلى ما يُشبه الحقائق أو الأكاذيب المُتَّفَق - هُرائِيَّاً - على صحتها.

5: أسهمت في زيادة مستوى الضغينة، عبر المشورات المُرَمَّزة والملغوزة.

6: أسهمت في إحياء وإشعاعة آراء وأفكار فقهاء - ملووثين - من القرن السابع والثامن الهجريين - القرن الثاني عشر الميلادي - وجعلت منها أساساً لفهم الواقع المعاصر، خاصة ما يتصل منها بأفكار التكفير والفتنة، وادِّعاء احتكار فهم عقيدة التوحيد حصراً على أولئك الفقهاء وتلاميذهم وأتباعِهِم.

7: عززت من دَوْرِ وظاهرة العاجزين والفاشلين سياسياً والمفلسين اخلاقياً وأُولئك المُغرضين والانتهازيين الذين يمنحون أنفُسَهُم حق تقييم الظواهر النبيلة والنماذج الصاعدة ومهاجمَتِها والافتراءِ عليها، بشتى أنواع الكذب الرخيص. 

8: أسهَمت في نشر الغباء والتفاهة؛ عندما جعلت من بعض الحَمقى مشاهير.

▪︎ أخيراً، إذا كان ثمَّة فوائد - وهي موجودة فعلاً - فذلك جيد، ولا بأسَ بالأخذ بها.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023