19 سبتمبر 2024, الخميس 7:20 م
بتوقيت القدس المحتلة
المستجدات
الهندسة العكسية لتحليل توصيات أمنية

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

أولاً : تمهيد وتوطئية : 

معروفٌ عن العدو الإسرائيلي أنه يحلل ويدرس ويستخلص الدروس والعبر مما يقوم به من حروب أو مناورات أو أعمال عسكرية ؛ فيطور ذاته وأدواته بناء على ما استخلصه واستنتجه . كما أنه لا يقطع التواصل مع من يخرجون من هياكله الإدارية أو تشكيلاته العسكرية والأمنية ؛ إن بسبب بلوغ السن القانوني المتاح للخدمة ، أو لدواعي شخصية وذاتية ؛ حيث يديم التواصل معهم والسماع منهم ، ويسترشد بنصائحهم التي قد تجد طريقها إلى مكاتب صناع القرار وأصحابه ؛ فتتحول إلى قرارات وإجراءات وتوجهات . ومن الذين يديم العدو تواصله معهم ، ولا يقطع التماس مع ما لديهم من نصائح وتوصيات ؛ من خدموا في أجهزته الأمنية والعسكرية ، لمعرفة هذه الشريحة من الطاقات البشرية بحاجات الكيان المؤقت فيما يخص مواجهة التهديدات والمخاطر . وقد رأينا هذا الأمر يتكرر مراراً أثناء معركة  "طوفان الأقصى " ، حيث فتح العدو قنوات اتصاله حتى مع من يخالفونه الرأي والتوجه من أمثال (نبي) الغضب الجنرال "سحق بريك " أو قادة عسكرين من وزن " عمرام لفين " أو " غيورا آيلاند " وغيرهم من أصدقائهم والحلفاء ؛ فهذا الجنرال ذو الثلاث نجوم ( فريق ) قائد المنطقة الوسطى الأمريكية " مايكل كوريلا " ( ما بغيب راسه عن المنطقة إلّا رجليه طالات ) ، أما رئيسيه الجنرال ذو الأربع نجوم ( فريق أول ) رئيس هيئة أركان الجيوش الأمريكية " تشارلز بروان " فهو ووزيره الجنرال المتقاعد "لويد اوستن " على تماس دائم مع جيش الكيان المؤقت وساسته .

ولقد كان آخر من صدرت عنه توصيات بخصوص أمن الكيان وأزماته ؛ الوزير السابق "مائير بن شبات " ، والذي شغل منصب مستشار الأمن القومي للكيان في فترة سابقة ، حيث نشر منذ فترة مقالاً نحسب أن كله أبو بعضه سيجد طريقه ليتحول إلى إجراءات تنفيذية ، الأمر الذي ستعنى هذه الورقة بتحليل ما جاء فيه من توصيات ، عبر استخدام (الهندسة) العكسية لفهم خلفيات هذه التوصيات وما انبثقت عنه ، وما يمكن أن تكون قد ارتكزت عليه من استراتيجية عمل ، أو مهمة اختصاص ، وصولاً إلى ذات التوصيات التي سنفرد لكل منها ما يمكن أن يشتق من مهام وإجراءات لتنفيذها . وحيث أن المقال والتوصيات تحدثت عن أربع ساحات عمل هي : 

  1. قطاع غزة : حيث يوصي الكاتب أن تبقى تحت سيطرة أمنية وعسكرية كاملة ، لمنع معاودة بناء قدرات حكومة أو عسكرية لحماس . 
  2. الضفة الغربية : والتي يوصي بأن تكون أهداف الإجراءات الأمنية والعسكرية فيها على النحو الآتي: 
  • معالجة جذرية لتفكيك معاقل المسلحين . 
  • سحق القوة التنظيمية والاقتصادية لحماس . 
  • تعزيز الدفاع في منطقة التماس . 
  • استيفاء أدوات الضغط على السلطة الفلسطينية فيما يتعلق بتشجيع الهجمات والنشاط المضاد للكيان. 
  1. الجبهة الشمالية : والتي يوصي بخصوصها بالعمل على إخراج " حزب الله " من نطاق التهديد المباشر للمستوطنات الشمالية وإعادة السكان إلى منازلهم سالمين . 
  2. إيران : والتي يعدها العدو أم ( المصائب ) ورأس ( الأخطبوط ) ؛ فيوصي " بن شبات " بـ ( شن ) حملة سياسية وأمنية واقتصادية دولية ـ لاحظوا أنه لم يتحدث عن أي نشاط عسكري ـ مكثفة تهدف إلى تراجعها عن النووي العسكري ، وتفكيك حلقة النار التي أقامتها حول الكيان . 

وحيث أن الدخول في تفصيل هذه التوصيات واحدة واحدة ، سيجعل الحديث يطول ؛ فإننا سنقتصر بالحديث عكسياً ـ لأن كاتب التوصيات ذهب إلى الإجراءات مباشرة دون الحديث عن الاستراتيجية أو المهمة أو العقيدة القتالية ـ عما هو مرتبط بالضفة الغربية فقط ، بحيث نتوقع " الاستراتيجية " المتصورة التي انبثقت عنها " المهمة " المحولة ، والتي خرجت من رحمها هذه " التوصيات " المرسلة . ثم نخلص إلى إجراءات مقترحة للتعامل مع التوصيات المرسلة .    

ثانياً : الاستراتيجية المتصورة : 

إن المراقب للسلوك الأمني والعسكري للعدو مع أهلنا في الضفة الغربية ، وما يصدر من توصيات أمنية من هنا وهناك ، يستطيع أن يتصور أن العدو يعمل وفقاً للإستراتيجية التالية : " تدمير الأصول البشرية والمادية لحركات المقاومة في الضفة الغربية ، ومنعها من تطوير علاقة صحية مع حاضنتها الشعبية ، عبر استهداف ـ استهداف العدو ـ البنى التحتية والخدمية ، بحيث لا يتولد تهديد ذي مصداقية على أصول العدو البشرية والمادية المنتشرة على طول وعرض الضفة الغربية ، أو مدن  وقرى التماس في فلسطين التاريخية " . ولتحقيق هذه الاستراتيجية ؛ لا بد من تحويلها إلى مهمة تعبوية كلية ، وهو ما سنتطرق له في العنوان الآتي . 

رابعاً : المهمة المُحولة للجهات التنفيذية : 

إذا كان فهمنا للأهداف الموصى بها صحيحاً ؛ الأمر الذي مكّنا من تصور الاستراتيجية الكليةالحاكمة للإجراءات التعبوية ، فإننا نعتقد أن المهمة الكلية المحولة للمستوى التنفيذي ـ العسكري ـ سوف تكون : " البحث عن نقاط ارتكاز المقاومة الفلسطينية ومراكز ثقلها المادية البشرية والاقتصادية ، عبر تشغيل كامل القدرات الذاتية والرديفة ، بهدف تدمير أصول المقاومة ومرتكزاتها ومراكز ثقلها في الضفة الغربية ، من أجل رفع مستوى الأمن والتأمين لـ ( مغتصبات ) العدو في منطقة العمليات ، ومنع تطور أي تهديد ذي مصداقية ضد مناطق التماس ، ينذر بـ " طوفان أقصى " ثانٍ في الضفة الغربية".نعتقد أن هذا الفهم للمهمة يتساوق مع تلك الأهداف والتوصيات الأمنية .

خامساً : مرتكزات العقيدة القتالية لتنفيذ الاستراتيجية العسكرية : 

وحتى ينجح العدو في تحقيق المهمة المتصورة ، عبر تنفيذ الأهداف المشتقة منها ، فإننا نعتقد أنه سوف يتبنى عقيدة قتالية ترتكز على : 

  1. إدامة الضغط العسكري والأمني على فصائل المقاومة وبيئتها عبر الإجراءات التالية : 
  • الاقتحامات والمداهمات والاعتقالات الليلية والنهارية . 
  • الإحباط الموضعي ؛ أمنياً وعسكرياً  للتهديدات المتوقعة . 
  • زيادة النشاط الأمني والمعلوماتي عبر مختلف مصادر الجمع البشري والفني . 
  • زيادة وتكثير موضعة ونشر الحواجز الثابتة والطيارة ، على الطرق الرئيسية والفرعية . 
  • زيادة وتيرة الدوريات العسكرية والأمنية ؛ الآلية والراجلة . 
  • زيادة نقاط الإنذار المبكر من قبل نقاط ( يرى وطلق ) على طول جدار الفصل ، أو على حواف الأمامية للمغتصبات والتجمعات الاستيطانية . 
  1. تجفيف مصادر الإدامة والتمويل عبر الإجراءات التالية : 
  • تشديد الضغط على مدن وقرى الحافة الأمامية للضفة الغربية ، شرقاً وغرباً . 
  • ملاحقة سلاسل التوريد المالية ؛ محلياً ، وإقليمياً ، ودولياً . 
  • كشف وتسريب معلومات مرتبطة بطرق عمل ، وشخصيات فاعلة في عمليات الإدامة والتمويل . 
  • الأشراك الخداعية ؛ المالية والأدواتية . 
  • زيادة التعاون والتنسيق مع أجهزة أمن دول الطوق . 
  • الأعمال الاستباقية لإحباط عمليات الإمداد المحلية والإقليمية . 
  1. تشغيل القدرات الرديفة ، عبر الإجراءات التالية : 
  • زيادة تفعيل ومنح دور لقطعان المستوطنين ، وحراس ولجان أمن المغتصبات . 
  • زيادة عمليات التنسيق مع أجهزة أمن سلطة الحكم الذاتي ، ورفع وتيرتها ؛ كماً وشكلا ً ومضمومناً. 
  • التعاون مع أجهزة أمن وقوات عسكرية للدول الصديقة والحليفة للعدو . 
  • تشغيل شركات أمن ، وتجنيد مرتزقة للمساعدة في تنفيذ مهام وأعمال شُرَطية وعسكرية . 

سادساً : توصيات وإجراءات مضادة مقترحة : 

  1. إدامة التماس المعلوماتي مع الموقف الميداني وتحليل معطياته ، ليبنى على الشيء مقتاضه . 
  2. تظهير الموقف بشكل أكثر وضوحاً من الجهات المتساوقة مع نشاطات العدو وإجراءاته المعادية . 
  3. التدقيق الأمني والإجرائي  فيما يخص عمليات الإدامة والتمويل . 
  4. بناء خطوط إدامة وتمويل ذاتية ، وعدم الارتهان للخطوط التجارية . 
  5. الصبر والأناة ، ومراكمة الخبرات والقدرات . 

هذا بعض ما تيسر من فهم لمراقب للموقف عن بعد ، معتقدين أن مثل هذه الأوراق يجب أن تخضع للتدقيق والتقييم ، والدراسة والتحليل . فكل يؤخذ منه ويرد عليه ، إلا صاحب ذاك القبر صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم . والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون . 

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023